مَرَرْنا قبل أيام بذكرى عملية "نبع السلام" التي قام بها الجيش التركي والقوى العسكرية السورية المعارضة، أردت الحديث عن تجربتي كضابط كنت في القوات الخاصة وانشققت عن النظام السوري الذي رفض التغيير السلمي الديمقراطي ولجأ للعنف ضد الشعب السوري الذي طالب بالتغيير الديمقراطي ثم توالت الميليشيات العابرة للحدود لتسانده بشكل أو بآخر أو تهادنه لنصبح أمام مواجهة عريضة في الجيش السوري الحر الذي تشكَّل للدفاع عن المدنيين فأصبحنا فجأة أمام مواجهة ميليشيات النظام وميليشيات bkk وميليشيات "داعش" بوقت واحد، وأصبحت المعركة من النوع المعقَّد والعنيف للغاية فالهجمات من كل الجبهات، وكانت pkk تفتك بالمدنيين وتهجِّر الناس وتصادر أملاكهم تحت عنوان مصادرة أملاك الغائبين فصادرت مئات القرى والمزارع، وأبرزها "تل رفعت" حيث هجروا أهلها فأصبح 150 ألفاً يعيشون في الخيام، إلى يومنا هذا وتم اعتقال المنشقين عن النظام السوريين ممن رفضوا قتل شعبهم، والجبهات الأخرى كنا بمواجهة مع تنظيم "داعش" الإرهابي، ويُعتبر الجيش الحر أول مَن واجه "داعش" الإرهابية لكن الدعم الدولي توجه إلى دعم "قسد" لقتال داعش!
وبقينا نحن بقدرات لنا محدودة من الأسلحة والعتاد، والميليشيات المتطرفة العابرة للحدود تكبر ولم تكن تهددنا فقط بل تهدد أمن وسلامة المنطقة وبدأت تلك الميليشيات وقتها بالاعتداءات على الأراضي التركية والتسلل والتفجيرات، وبقينا في تلك المواجهة العنيفة وقدمنا عشرات الآلاف من المقاتلين بمفردنا أمام هذه القوى المتوحشة الإرهابية ودفنا بأيدينا الكثير من رفاق النضال، لغاية 24 أغسطس 2016 حيث تم إبلاغنا رسمياً بأن الجيش التركي سيتدخل لحماية أمن تركيا من الاعتداءات وأن تركيا تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لرد الاعتداء الحاصل على أراضيها، وأبدينا استعداداً وترحيباً للتعاون والعمل المشترك وبهذه الحالة أصبح لدينا حليف قوي في مواجهة الميليشيات الإجرامية "داعش" ثم bkk فكانت المدفعية التركية والقوات الجوية وهو الذي كنا نفتقده كجيش سوري حر في مواجهاتنا العسكرية حيث إمكاناتنا محدودة، واستطعنا يومها دحر القوى الإجرامية التي أوغلت في دماء الأبرياء وكانت تتمدد في دول المنطقة وتقوم بعمليات إرهابية من تفجير وتصفيات، وكنا عقب كل تمهيد مدفعي وصاروخي نتقدم لقرى وبلدات نحررها من تنظيم "داعش" الإرهابي ونقدم الشهداء لكن هذه المرة نحرر الأرض ومعنا سلاح الجو التركي وكانت أولى المعارك التي رأينا فيها الجيش التركي بجانبنا بعد معارك سنين كانت قاسية خضناها وحدنا ، واختلط دماء إخوتنا من الجيش التركي مع دمائنا، وكانت سعادة الناس والأبرياء والمسنين بأفراد الجيش التركي عظيمة وأطلق أهالي تلك البلدات أسماء شهداء الإخوة الأتراك على مدارسهم، وشعرنا أننا بمحور واحد ميداني حقيقي أمام قوى الشر الإجرامية، ثم كانت معركة "غصن الزيتون" أمام ميليشيات حزب العمال الكردستاني الذي وجد فرصة للتمدد في عدد من مناطقنا وتهجير أهلها ليسكنوا الخيام بدل بيوتهم ومزارعهم وليفرض حزب العمال كنتوناً له وحكماً ذاتياً وقد أبرم اتفاقيات هدنة مع النظام وتلقى مساندة منه كما ساند حافظ الأسد الأب قبله أوجلان وحزب العمال ثم جاء الابن ليساند نفس الحزب ضد تركيا وضد السوريين المطالبين بالتغيير.
كانت أخلاق الجيش التركي مع الناس عالية فضلاً عن شجاعته وبسالته، وكان حرصه كبيراً على تجنيب المدنيين في المواجهة العسكرية وهنا سارع العالم باتهامات كثيرة مكذوبة تجاه الجيش التركي لكن العالم نفسه لم يرَ إجرام تلك الميليشيات الإرهابية المجرمة، ووجوده اليوم خلط أوراقاً كثيرة من العبث في المنطقة وتهديدها وحماية المنطقة ككل وأوقف وجود الجيش التركي حركات النزوح والتهجير المستمرة التي كانت تتوالى مرة بسبب داعش ومرة بسبب حزب العمال الكردستاني وأخرى بسبب النظام الاستبدادي السوري.
والمشاريع التي كان يتم تسمينها في المنطقة وقد بدأت تهدد دولاً كثيرة قد تم الإطاحة بها، وشعرنا أننا بصفّ واحد أمام قوى الشر والظلام وأننا قادرون على تخريب كل مشاريع التخريب، وهنا بدأت نقاشاتنا مع أفراد الجيش التركي وأخلاقياته العالية ورفقه بالناس والأهالي وحرصه على فهم عادات الناس وسلوكها، وجرى بيننا وإلى اليوم الكثير من النقاشات حتى أذكر أحد الضباط الأتراك جاء قرار نقله من سورية إلى مكان آخر، فكان حزيناً لذلك وقال لي يومها أنا غازي وكنت أود البقاء هنا وأنا رأيت بعيني المظلومين والضعفاء وفرحتهم بعودتهم لبيوتهم وهي أسعد اللحظات لديَّ خلال خدمتي العسكرية، لكنه قرار المؤسسة وأنا يجب أن أحترمه وأتمنى لكم النصر على الأعداء وأتمنى أن نلتقي مرة أخرى، فقلت له لن ننسى ولن ينسى السوريون الذين عرفتهم أخلاقك وشجاعتك والمستقبل لنا وليس لقوى الظلام، وأذكر أنه قال لي مرة كنت أسمع عن وضع الناس الذين هجرتهم pkk لكن لم أتصور الوضع الكارثي الذي يعيشونه في قرى من قماش (خيم) وهؤلاء أنفسهم أصحاب بيوت وأراضٍ زراعية، كم أتمنى أن يعرف العالم حقيقة ما جرى ويجري على حقيقته فالإنسانية ذُبحت عندكم على المقصلة، ولم يكتفوا ثم تطاولوا على أراضينا، وقال لي سنطلب حصصاً غذائية للنازحين وسنقدم ألعاباً لطلاب المدارس التي بدأت تعود للعمل والدوام، وقدموا هدايا للأطفال وانتشرت يومها بعض الصور لجنود يهدون الأطفال هدايا، صورة ليست واردة كثيراً في العالم بين تلازُم البذلة العسكرية مع هدايا للأطفال.
وبعد تحرير "جرابلس" وعدد من قرى ريف حلب الشمالي عاد أكثر من 100 ألف إنسان إلى بيوتهم ممن هجرتهم لَظى الحرب إلى تركيا أو الشريط الحدودي، وحتى أهالي "كلس" التركية بدؤوا يشعرون بالأمان حيث ابتعدت القوى الإرهابية عن المنطقة .
صحيح أننا خضنا -وما زلنا- معارك طويلة وتهجّر الناس في أصقاع الدنيا لكن الحق سينتصر يوماً وسيرجع الناس إلى بلدهم وديارهم، فالناس لا تترك ديارها إلا مُكرَهة وعلاقتنا بالجيش التركي ستكون إستراتيجية، ونتطلع إلى حل بسورية وبناء جيش قوي يحمي الشعب ويدافع عنه ولا يبطش به يدافع عن الديمقراطية وليس عن الاستبداد، ونتطلع للكثير من الاستفادة من القدرات والخبرات العسكرية لدى الجيش التركي وسلوكه الأخلاقي في نصرة الضعفاء وإحلال السلام، فحقيقةً هو جيش من أجل السلام، وكما يقولون ترك الأشرار إساءة للأخيار، والجيش التركي لم يترك الأشرار يعبثون في الناس والضعفاء بل قال كلمته وكلمة الجيش هي السلاح والقوة لتحقيق النصر فالأراضي تحميها التضحيات .