اتجهت أنظار السوريين يوم أمس الأربعاء إلى مدينة "سوتشي" الساحلية الروسية، حيث انعقدت قمة مهمة بين الرئيسين التركي "أردوغان" والروسي "فلاديمير بوتين".
سبق اللقاءَ الثنائي تكهناتٌ كثيرةٌ حول إمكانية عقد تفاهُمات جديدة متعلقة بالأراضي السورية، تتضمن مقايضات جغرافية، تحديداً بين إدلب وشمال شرق سورية، وهذه الزاوية هي التي دفعت ملايين السوريين للاهتمام بمخرجات القمة، خاصة أن محافظة إدلب وأطرافها الجنوبية، عاشت توتراً ميدانياً تصاعد تدريجياً خلال الأشهر الماضية، حتى بلغ نقطة مرتفعة في شهر أيلول/ سبتمبر، حيث دخل الطيران الروسي على الخط ونفذ ضربات جوية، امتدت لتصل غرب حلب، ومنطقة عفرين، ورأس العين بريف الحسكة.
قمة أردوغان – بوتين الأخيرة، ناقشت الخطوط العريضة للعلاقات "التركية – الروسية"، وستحيل الملفات التنفيذية إلى الوفود التقنية لبحثها، وهذه الوفود بطبيعة الحال ستكون على تنسيق مع الهيئات الرئاسية لكِلا البلدين، من أجل التوصل إلى حلول مُرضِية لهما في الملفات العالقة.
اللافت أنه منذ انطلاق القمة، سادت حالة من الهدوء في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في سورية، وعلى الأرجح أن الهدوء سيستمر لفترة ليست قصيرة إذا لم تحدث أي مستجدات؛ لأنه فيما يبدو قد استمع الجانب الروسي إلى كلام مُطمئِن من أنقرة حول قضايا مؤرِّقة بالنسبة لموسكو، وهذا ما كشفت عنه تصريحات الرئيس التركي "أردوغان"، خلال عودته على متن الطائرة إلى بلاده، فقد أكد أنهم لن يتراجعوا عن صفقة "إس 400" مع روسيا، وأن أنقرة تدرس إنشاء محطتين نوويتين جديدتين بالتعاون مع موسكو، والأهم من ذلك مطالبته الولايات المتحدة الأمريكية بمغادرة الأراضي السورية، وتركها للشعب السوري عاجلاً أو آجِلاً، وهذه التصريحات يمكن اعتبارها بمثابة تهدئة لمخاوف روسيا، التي دفعتها للتصعيد ميدانياً، والتلويح بإطلاق يد النظام السوري لشن عملية عسكرية في إدلب.
الغالب أن "أردوغان" سعى لتطمين مخاوف نظيره "بوتين" بما يتعلق باحتمالية وجود خطط عمل مشتركة مع الجانب الأمريكي في سورية، والاستجابة للرغبة الأمريكية بالتراجع عن المشاريع "التركية – الروسية" المشتركة، مقابل إعادة الهدوء إلى سورية، ثم فتح باب المفاوضات مجدداً حول الواقع الميداني والسياسي، لكن من المستبعَد أن نرى تراجعاً بالموقف التركي في إدلب على المدى القريب لأسباب عديدة، أولها أن روسيا مطالبة بتنفيذ التزامات متعلقة بالضغط على "قسد" للابتعاد 35 كيلومتراً عن الحدود "السورية – التركية"، وأيضاً أن المزيد من تنازُل أنقرة عن الجغرافيا في إدلب يُضعف تأثيرها في المشهد العامّ، يُضاف إلى هذا كله أن تركيا الساعية إلى استدامة الهدوء وتسهيل عودة أكبر قدر ممكن من اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية التركية 2023، تدرك صعوبة تنفيذ خُطَطها في حال استولى النظام السوري على ما تبقى من البلاد، بل قد تندفع موجات هجرة جديدة إلى الحدود والعمق التركي، ولهذا فإن السيناريو الأمثل هو محاولة التوصل لحلول وسط عن طريق عملية سياسية، تشترك فيها المعارضة السورية، وهذا لن يتحقق إلا إذا بقيت بقعة جغرافية تحت سيطرة المعارضة وبرعاية تركية.
تحدث "أردوغان" عن التزامهم مع روسيا بالاتفاقية التي تتضمن إزالة "العناصر الإرهابية" من الممر الأمني، والمقصود جانبَا طريق "m4" في المقطع الممتدة من أريحا إلى جسر الشغور غرب إدلب، مما يعني أن أنقرة لديها تفسير مختلف للممر الذي تتحدث عنه روسيا، الذي تريده الأخيرة خالياً من السلاح.
من المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة تطوُّراً على صعيد فتح معابر تجارية بين مناطق الفصائل العسكرية شمال غرب سورية، ومناطق النظام السوري، أو تسهيل الحركة التجارية على طريق "m4" ، لكن برعاية وضمانة تركية، بهدف امتصاص غضب موسكو وعدم دفعها للتصعيد مجدداً، بانتظار ما ستؤول إليه مجمل التفاهمات وتقدُّمها، ومدى تجاوُب روسيا مع المطالب التركية المتعلقة بالانتشار الجغرافي لـ"قسد".
بالمقابل فإن روسيا لن تعارض كثيراً الدور التركي في حال ضمنت عدم العمل المشترك مع واشنطن ضد المصالح الروسية، وبالتالي فإن نتائج القمة المرتقبة بين أردوغان وبايدن على هامش قمة روما ستكون مؤثرة؛ لأنها ستسهم في تحديد الخيارات بالنسبة لتركيا وروسيا، وهذا يعني أن مشاورات الوفد التقنية "التركية – الروسية"، وما ستتفق عليه ستبقى خاضعة للاعتبارات السياسية.
لا حلول جذرية للواقع السوري، إلا مع توصُّل الأطراف الدولية الفاعلة إلى حلّ سياسي نهائي، وما دون ذلك سنبقى أمام حالة تدوير زوايا الخلاف، والمناورات بهدف البحث عن أعظم قدر ممكن من المكاسب، أو أقل حجم من الخسائر.