نداء بوست- حوارات- خاص
بعد 11 عاماً من انطلاق الثورة السورية، لم يعد هناك شيء اسمه المستحيل، كما أنه لم يعد هناك أمر يثير الاستغراب بشكل كبير، كيف لا، وفي يوم وليلة تنقلب التحالفات وتتبدل الأولويات، ويصبح صديق الأمس عدو اليوم.
كيف تطور الخلاف بين “أحرار الشام” و”الفيلق الثالث” إلى توتر استدعى حرف مسار بنادق كلا الطرفين وتوجيهها إلى بعضهما البعض؟
كيف استطاعت “أحرار الشام” أن تتحالف مع “هيئة تحرير الشام” بعد سنوات من المعارك والمواجهات بين الطرفين قصمت ظهر الحركة؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من القضايا، أجرى موقع “نداء بوست” حواراً مع نائب القائد العام للحركة ”أبي محمد الشامي”، تم خلاله مناقشة العديد من الملفات والنقاط التي أثيرت عقب الاشتباكات الأخيرة.
وجهة نظر
أحداث متسارعة شهدتها منطقة شمال غربي سورية، خلال الأسبوع الماضي، تمثلت باشتباكات دامية بين “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني السوري، و”حركة أحرار الشام”، لتتطور المواجهات لاحقاً وتستعين الأخيرة بـ”هيئة تحرير الشام”، التي دخلت ريف حلب الشمالي للمرة الأولى.
وبعد وصول الطرفين إلى نقطة اللاعودة، وقناعتهما بأن الحل العسكري هو الخيار الأفضل لحل الإشكال الذي بدأ بينهما في نيسان/ إبريل الماضي، وتغيير قواعد الاشتباك وكسر الخطوط الحمر، رعت تركيا اتفاقاً بين “الفيلق الثالث” و”أحرار الشام”، أنهى حالة التوتر التي سادت، وتم بموجبه العودة إلى نقطة ما قبل المواجهة.
طرح موقع “نداء بوست” سؤالاً على الشامي حول الأسباب الرئيسية للخلاف مع “الفيلق الثالث”، ودوافع “الفرقة 32″ أو ما يعرف باسم القطاع الشرقي من”أحرار الشام” للخروج عن الفيلق، وجاء رده على النحو الآتي:
بدأ الخلاف مع الجبهة الشامية -وليس مع كافة مكونات الفيلق الثالث- باستغلال ممنهج من الجبهة الشامية للأزمة الداخلية التي عصفت بالحركة في بداية عام 2021، وذلك من خلال تحريضها لمجاميع من الحركة على الانشقاق والانضمام إلى صفوفها دون الترتيب مع قيادة الحركة رغم وجود اتفاق رسمي بين قيادتي الحركة والجبهة الشامية بعدم قبول انضمام أي مكون من مكونات الحركة.
ويضيف الشامي: “رغم تكرار التنبيهات والتحذيرات لهم، وكنا قد آثرنا أن يبقى هذا الخلاف حبيس التواصلات المغلقة، وتعاملت معه قيادة الحركة بوعي ومسؤولية حرصاً على استقرار المنطقة والتفرغ لأعداء الثورة”.
وفي شهر شباط/ فبراير الماضي، وصلت العلاقة بين “الفرقة 32” وقيادة الجبهة الشامية إلى طريق مسدود بعد جهود حثيثة لإيجاد صيغة تفاهم بينهما، وطلبت قيادة القطاع الشرقي ترتيب آلية مناسبة لترتيب الخروج والتخالص فيما بينهم، لتتفاجأ بقيام الجبهة الشامية بالهجوم على مقرات القطاع الشرقي.
وبحسب الشامي فإن الهجوم تم في وقت صلاة الجمعة غرة شهر رمضان، وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من كلا الجانبين، بسبب رعونة قيادة الجبهة الشامية واستخفافها بالدماء، مما اضطر قيادة الحركة في حينه أن تتدخل ببيان رسمي لمنع تطور الأمور.
ويقول الشامي: “بعد تكرار الاعتداء والهجوم على نقاط رباط ومقرات القطاع الشرقي للحركة استخدمت فيه الجبهة الشامية العتاد الثقيل اضطرت الحركة للتدخل الميداني لإيقاف الاعتداء ومنع اجتثاث قطاعها الشرقي”.
وأما عن أسباب خروج “الفرقة 32” من الجبهة الشامية، قال الشامي إنها “أسباب تراكمية متعلقة بسياسة ممنهجة من قيادة الجبهة الشامية تجاه القطاع الشرقي للأحرار الذي وقف معها في استحقاقات وجودية عديدة وقدم الكثير من التضحيات لأجلها وقام بجميع مسؤولياته اتجاهها، وعلى رأس هذه الأسباب عدم الاهتمام بالجانب العسكري بالعموم وجعله آخر الأولويات مما أدى لترهل عسكري كبير وخطير في البنية العسكرية في الجبهة الشامية بالعموم، وتهميش وإضعاف الفرقة 32 بالخصوص”.
ومن تلك الأسباب “رمي التهم بتبعات الاستحقاقات الداخلية العديدة على القطاع الشرقي للحركة وتنصُّل قيادة الجبهة الشامية من مسؤولياتها داخلياً وخارجياً عند أي مساءلة، علماً أن القطاع كان يعتبر من أقوى التشكيلات العسكرية داخل الجبهة الشامية”، بحسب محدثنا.
أحرار الشام ولجنة الإصلاح
في هذا الإطار، سألنا الشامي عن سبب رفض الحركة لقرارات لجنة الإصلاح الوطني، وذكر أنه عند حصول الهجوم الأول على “الفرقة 32” تم التوافق على لجنة صلحية مهمتها منع التطور الميداني للخلاف والنظر في قضية الاعتداء وما ترتب عليها من إراقة دماء وإصابات بسبب القرار المتهور لقيادة الجبهة الشامية.
وأضاف: “حيث إن هذا التصعيد -غير المُبرّر- أخرج العلاقة بين القطاع والجبهة الشامية عن سياق أي تفاهمات أو اتفاقات سابقة وجعل الجو عدائياً بسقوط القتلى والجرحى، لنتفاجأ بأن نشاط اللجنة تحول بشكل كامل من معالجة الاعتداء إلى معالجة موضوع الحقوق والمقرات دون مراجعة الطرف الثاني من النزاع ممثلاً بقيادة الفرقة 32 ودون حصول أي جلسات استقصائية لتحرير قضايا الحقوق، علماً أن اللّجنة كانت أكدت في لقاءاتها مع قيادة الفرقة 32 أن القضية شائكة ومعقدة وتحتاج لعدة شهور من العمل، كما كانت تعطي تطمينات أن حيثيات القضية تسيرُ لصالح إثبات وقوع الاعتداء والظلم على الفرقة 32 من قيادة الشامية، لنتفاجأ بعدها بتسريباتٍ عن قرارٍ جائر بحق الفرقة 32 سيصدر عن اللجنة”.
وأشار الشامي إلى أن قيادة الحركة تواصلت مُمثَّلةً بنائب قائدها العام مع رئيس اللجنة عمر حذيفة وطلبت منه جلسة رسمية فيزيائية قبل إصدار أي قرار سعياً لتدارك الأمور، وتم تحذيره من تبعات صدور ذلك القرار الذي سيؤدي للصدام، كما أكدت له حرصها على بذل الجهود والتعاون مع اللجنة لايجاد صيغة حل تمنع الصدام.
وأردف الشامي: “لكن بكل أسف قُوبل طلبنا بالتجاهل والرفض من قبل رئيس اللجنة، وصدر القرار دون أي اعتبار لأبسط قواعد العدل بالسماع من الطرفين، وتجاهل القرار أصل القضية التي كُلِّفت اللجنة بالنظر فيها، وهي اعتداء الجبهة الشامية على مقرات القطاع الشرقي دون أي مقدمات وسقوط قتلى وجرحى جراء ذلك”.
ويرى الشامي أن ما “زاد الطين بلة” هو أن القرار تضمن تجريد القطاع الشرقي للحركة من مقارّه الأساسية التي يعلم الجميع أنها تحررت قبل انضمامهم للجبهة الشامية، مما قد يعني من الناحية العملية فرط عقد تشكيل عسكري مسلح من أهل المنطقة تحتاجه الساحة للدفاع عنها في أي استحقاق قادم.
وأضاف: “هنا قامت الحركة بإعادة مكون القطاع الشرقي إلى صفوفها رسمياً لحقن الدماء وقطع الطريق على استخدام الخيار العسكري ضد القطاع بشرعية قرار اللجنة الوطنية للإصلاح، حيث وصلتنا معلومات مؤكدة عن نية الفيلق الثالث (وتحديداً الجبهة الشامية وجيش الإسلام) الهجوم على القطاع الشرقي”.
كذلك انتقد الشامي اللجنة الوطنية للإصلاح، قائلاً إنه “من المفترض أن تكون حريصةً كل الحرص على التعاون مع أي مسعًى وجهد يُقدم من أي طرف لحل الإشكال وتحقيق غاية الإصلاح التي أُنشِئت لأجلها، لا أن تمارس دور القضاء المبرم الملزم في قضية شائكة ومعقدة في ظروف غاية في الحساسية تمر بها الثورة، وتعطي مهلة للتنفيذ 72 ساعة في سابقة لم تحصل في كل اللجان الصُّلحية في الثورة، لا سيَّما أنها لا تملك سلطة تنفيذية مستقلة، ما يفهم منه إعطاء شرعية لاستباحة دماء القطاع الشرقي للحركة، وعلية نحمل بشكل كبير مسؤولية ما جرى لِلّجنة ورئيسها عمر حذيفة بإصدارها قرارها الجائر غير الموفق الذي وضع المحرر على حافة الهاوية وكاد أن يودي بها في غياهب المجهول”.
هل انتهى الخلاف؟
خلال حديثنا مع الشامي تطرقنا إلى الاتفاق الأخير مع “الفيلق الثالث” وفيما إذا أنهى الخلافات بشكل فعلي، ليجيب بأن الحركة اضطرت للدخول على خط المواجهة، وحرصت على تحرِّي عدم حصول أي خسائر بشرية، وكان الهدف من التدخل هو فقط إيقاف الهجوم على القطاع الشرقي للحركة، لأنه فتح الباب أمام فوضى عارمة في المنطقة التي تعاني أصلاً من إشكالات جوهرية معقدة.
وأشار إلى أنه “تم توجيه تحذيرات سابقة إلى قيادة الجبهة الشامية من حصول المواجهة، ومخاطرها الجسيمة على كل الأصعدة بشكل واضح وصريح خلال جلسة مطولة جمعتنا بهم برعاية الشيخ ماهر علوش قبل اعتدائهم الثاني بنحو أسبوع، حيث طلبنا منهم تأجيل معالجة المشكلة إلى وقت لاحق مع ضمان حقوقهم وتبديد هواجسهم بآليات واضحة ومنضبطة، وذلك إداركاً منَّا لحساسية الظرف للثورة وللحليف التركي حيث يجري التجهيز للقيام بعمل عسكري في المنطقة”.
وتابع: “كما عرضنا عليهم تسليم عدد من مقرات القطاع لمساعدتهم في ضبط وضعهم الداخلي المعقد، غير أنهم بكل أسف رفضوا كل جهود وعروض التهدئة وقاموا بتصرف غير مسؤول بالهجوم للمرة الثانية وهذه المرة على نقاط رباط القطاع الشرقي، حيث ارتقى قتيلان من المرابطين في الاعتداء وآلت الأمور إلى ما آلت إليه”.
وبالنسبة للاتفاق الأخير، قال الشامي إن الغاية منه كانت إيقاف تطور الأزمة الميدانية، حيث تضمن تنازلات من كل طرف لصالح إنهاء الأزمة بضمانة تركية، ويضيف: “لكن نجاحه مرهون بسلوك جميع الأطراف وابتعادهم عن الاستفزازات التي قد تعيد الأزمة، والذي نلاحظه من واقع متابعة سلوك قيادة الفيلق الثالث، وخاصة الخطاب الإعلامي الذي تتبناه بعد الإتفاق أنه لا زال خطاباً تحريضياً يدفع إلى الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وهذا لن يخدم الاستقرار في منطقة الريف الشمالي”.
أعداء الأمس حلفاء اليوم
لاقت استعانة “أحرار الشام” بـ”هيئة تحرير الشام” في مواجهة “الفيلق الثالث” انتقادات كبيرة خاصة أن الهيئة وجهت خلال السنوات الماضية عدة ضربات قاضية للحركة خلال الأعوام الماضية، وهنا أشار الشامي إلى أنَّ سجلَّ العلاقة بين “أحرار الشام” و”تحرير الشام” حافل بالمواجهات والمعارك التي تسببت بالكثير من الأضرار البالغة على عدة أصعدة.
وأوضح أن الحركة سارت مؤخراً ضمن سياسة تصفير المشاكل والتعاون مع الجميع على الأهداف العامة المتمثلة بتعزيز الجبهات ورفع مستوى الفعالية العسكرية والتجهيز والإعداد للمشاركة في المعارك التي باتت تقتضي تطوير الأساليب القتالية لمواجهة النظام السوري وروسيا وإيران.
هذا كله -يقول الشامي- اقتضى حالة من العلاقة الإيجابية مع هيئة تحرير الشام ضمن المجلس العسكري “غرفة عمليات الفتح المبين”، الذي يجمع الهيئة والجبهة الوطنية للتحرير التي تشكل الحركة أحد فصائلها، وذلك خلافاً للحال المعهود سابقاً من الخلافات والمواجهات، معتبراً أن ذلك “لم يرق لبعض الأطراف التي كانت تقتات على حالة الاستنزاف بين الحركة وهيئة تحرير الشام فباتت تطلق الاتهامات جزافاً بتبعية الحركة للهيئة”.
ويتابع: “إن تدخل قيادة أحرار الشام في الأزمة كان اضطرارياً لحقن الدماء وحماية قطاعها الشرقي بعد أن فشلت كل الجهود في منع التصعيد، وإن أسباب تدخل هيئة تحرير الشام في هذه الأزمة بينتها ببيان نشرته على معرفاتها الرسمية في 19 حزيران/ يونيو الحالي، لكننا نجزم أن المتسبب بحالة التصعيد الذي جرى هو الجبهة الشامية بقراراتها المتهورة واستخفافها بالدماء وسوء تقديرها لتبعات هذه القرارات”.
وختم الشامي حديثه، بتوجيه دعوة إلى المؤسسات الشرعية والمشايخ أن “يتبنَّوا حضَّ الفصائل والشباب الثائر على الجهاد والإعداد وتوجيههم نحو المعسكرات والجبهات، وأن تكون تلك القضية هي بوصلة الجميع، وأن يبتعدوا عن الاصطفاف والانخراط في خصومات تضعف دورهم ومكانتهم الاعتبارية”.
كما أكد أن الحركة تعتبر أن “المعارك الداخلية هي في حقيقتها استنزاف لرصيد الثورة على كل المستويات، وهي قطعاً تصب في مصلحة أعدائنا، ولطالما تذوقنا مرارة نتائجها سياسياً وعسكرياً واجتماعياً في كل المناطق التي حصلت فيها وخاصةً الغوطة الشرقية، مما ساهم بإضعاف الثورة بشكل كبير ولا أدلَّ على ذلك مما نعيشه واقعاً بإعادة احتلال النظام وروسيا وإيران لجزء كبير من الأراضي التي تحررت وانحسارنا في بقعة جغرافية صغيرة في الشمال، وفي كل منطقة أعاد احتلالها النظام أدرك ثوارها في لحظات التهجير عبثية ما قاموا به وتمنَّوا أن لو تتطاوعوا وتنازلوا لبعضهم أمام عدو مجرم لا يرعى فينا ذمة ويريد استئصال شأفتنا”.
ومضى بالقول: “عليه ندعو أنفسنا وجميع الفصائل والكيانات والمؤسسات الثورية لإعادة النظر في سياساتهم بناءً على واقعنا الحالي وتحديات المرحلة وأن لا نكرر أخطاء الماضي وأن نتطلع قُدماً نحو الأمام”.