قراءة سياسية وعسكرية لهجوم العشائر على منبج.. أبعاد العملية وأسباب عدم تقدُّمها

قراءة سياسية وعسكرية لهجوم العشائر على منبج.. أبعاد العملية وأسباب عدم تقدُّمها

شهدت محاور مدينة منبج بريف حلب الشرقي خلال الأيام القليلة الماضية، قصفاً واشتباكات بعد تنفيذ العشائر العربية هجوماً على مواقع لـ"قسد" في المنطقة، نصرة لعشائر دير الزور التي كانت تخوض معركة ضد التنظيم.

واستمرت المواجهات على محاور منبج لعدة أيام، وتمكن أبناء العشائر من إحراز تقدُّم والسيطرة على بعض القرى والمواقع قبل الانسحاب منها لأسباب عدة أبرزها تدخل الطيران الروسي.

وترافق هجوم العشائر على منبج مع حملة إعلامية كبيرة وترويج للعملية وتهويل لأهدافها، الأمر الذي سرعان ما تلاشى بعد الانسحاب وعدم حدوث أي تغير في خرائط السيطرة.

وللوقوف على حيثيات هذه العملية وأبعادها، نظم موقع "نداء بوست" مساحة صوتية على منصة "إكس" (تويتر)، تناولت الأسباب التي حالت دون تحقيق أبناء العشائر تقدماً نحو منبج، والنتائج التي تم تحقيقها من الهجوم.

واستضاف الموقع رئيس رابطة المستقلين الكرد عبد العزيز تمو، والعقيد عبد الجبار عكيدي، والرائد يوسف حمود، والصحافي سامر العاني، والباحث سامر الأحمد، ومدير وحدة دعم الاستقرار منذر سلال.

صَدًى لانتفاضة دير الزور

بشكل رئيسي، جاء هجوم العشائر على منبج كمحاولة لتخفيف الضغط عن أبناء ريف دير الزور، كما أن الحمية وتعطش الشباب الثائر لتحقيق أي تقدم أو نصر عسكري -يؤدي إلى تغيير الواقع الحالي في سورية- دفع العشرات للمشاركة بالعملية.

وبالعودة إلى أحداث دير الزور وما شهدته المنطقة من توترات بعد اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل من قِبل "قسد"، يعتقد رئيس رابطة المستقلين الكرد عبد العزيز تمو أن "قسد" استغلت الحراك الشعبي في السويداء وخلقت مبررات لاقتحام قرى ريف دير الزور المناهضة لسياساتها والثائرة ضد النظام السوري.

وفي بادئ الأمر حاولت العشائر العربية إطلاق سراح الخبيل من خلال المفاوضات والبيانات وغيرها من وسائل الضغط، ولكن تعنُّت "قسد" ورفضها لذلك، دفع أبناء العشائر إلى الانتفاضة ضدها.

وإثر ذلك، اندلعت اشتباكات غير متكافئة بين أبناء العشائر الذين هم بالأصل مدنيون، وبين عناصر "قسد" المدججين بالآليات والسلاح الأمريكي الثقيل والخفيف، يقول تمو.

كما أشار محدثنا إلى أن ما حدث في ريف دير الزور بحق العشائر كان له انعكاسات لدى أبناء المنطقة المقيمين في مناطق شمال غربي سورية، الذين حاولوا تقديم الدعم والمساعدة بأي شكل من الأشكال لتخفيف الضغط عن عشائر دير الزور.

رسالة سياسية

يعتقد تمو أن ما حدث في منبج هو رسالة سياسية أكثر من كونها عملية عسكرية، حيث قال إن أبناء العشائر أرادوا إرسال رسالة مفادها أن "قسد" لن تكون في مأمن في حال استمرت بالهجوم على ريف دير الزور.

كما جدد التأكيد على أن ما حدث في منبج وتل أبيض ورأس العين لم يخرج عن كونه محاولة ضغط على "قسد"، وإرسال رسالة تضامن إلى أبناء العشائر في دير الزور.

عوامل أعاقت تقدم أبناء العشائر نحو منبج

استبشر السوريون عامة وأبناء منبج المهجرون خاصة بهجوم العشائر، الذي شكل بصيص أمل لهم بالعودة إلى ديارهم بعد إخراج "قسد" وقوات النظام السوري منها، لكن نتيجة المعركة كانت دون المأمول.

ويشرح العقيد عبد الجبار عكيدي أسباب عدم تحقيق الهجوم نتائج على الأرض، بقوله إن الأمر بأصله هو عبارة عن فزعة وحمية عشائرية غير منظمة، مؤكداً أن هذا لا يصلح في العمليات العسكرية.

العكيدي أكد أن ما قام به أبناء العشائر أمر محمود وجيد، لكن هذا بالعرف العسكري لا يصلح ولا يجدي، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان ممكناً في السنوات الأولى للثورة السورية حين كانت النقاط عبارة عن مخافر وحواجز لقوات النظام.

لكن اليوم يقول العكيدي إن الأمور باتت تحتاج إلى غرف عمليات وقيادات عسكرية من أهل الخبرة الذين تمرسوا في القتال خلال الأعوام الماضية.

وكما هو معلوم أيضاً، فإن المنطقة التي تم استهدافها عليها تفاهمات إقليمية ودولية، وهناك خطوط تماسّ وخرائط موضوعة لها لا يمكن تجاوزها، وبالتالي لا يمكن نجاح العملية، وفقاً لمحدثنا.

كما أن غياب فعالية الجيش الوطني وقادة الفصائل جميعهم، وعدم قدرتهم على اتخاذ قرار أي عملية، واكتفاءهم تحت الضغط الشعبي والعشائري بالسماح لمقاتلي العشائر بالدخول إلى خط التماس بما يحملونه من سلاح خفيف وذخيرة دون تزويدهم بأي ذخائر أو أسلحة، أدى إلى فشل الهجوم.

وما سبق لا يمكن أن يحقق نصراً أمام خصم متمرس ومتدرب لديه كل أنواع الأسلحة، حيث تمتلك "قسد" الأسلحة الروسية والأمريكية، يضاف إليه تداخل النقاط بين "قسد" وقوات النظام، وتدخل المقاتلات الروسية وقصفها المجموعات التي حاولت التقدم في منبج.

كما أن التحصينات التي قامت بها "قسد" على مدار السنوات الماضية من أنفاق وخنادق وغيرها، يؤكد العكيدي أنه لا يمكن اختراقها بهذه الطريقة العفوية أو بهذه البساطة أو بالحمية فقط، إنما كانت هناك حاجة لاشتراك جميع الفصائل بشكل حقيقي ووضع إمكانياتها في المعركة.

معركة السياسة

منذ أن توصلت روسيا وتركيا لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في محافظة إدلب في آذار/ مارس 2020 والذي جاء بعد الهجوم البري الواسع الذي نفذته قوات النظام السوري، لم يحدث أي تغيير يُذكر في خريطة السيطرة في سورية.

ويقول الرائد يوسف حمود إن كافة المعارك في سورية تأخذ منحيين سياسياً وعسكرياً، وحتى تؤدي المعركة العسكرية إلى النجاح المطلوب منها، تحتاج إلى مقومات وإلى غطاء سياسي.

وتخضع سورية لتفاهمات بين القوى الدولية صاحبة النفوذ (تركيا وروسيا والولايات المتحدة)، ولذلك يقول حمود إن المعركة العسكرية اليوم ليست فقط عدداً وعتاداً وغرفاً عسكرية على أهميتها، إنما بحاجة إلى غطاء سياسي.

وفي اليوم الأول من الهجوم على منبج، تمكن مقاتلو العشائر من اختراق خط الدفاع الأول لـ"قسد" من 3 محاور والسيطرة على عدة قرى إلى أن تدخلت الطائرات الروسية وهو ما تم فهمه على أن روسيا تعارض هذه العملية.

كما شدد حمود على أن العشائر كانت تعتزم السيطرة على منبج ودخولها ، لكن غياب الغطاء السياسي حال دون تحقيق تقدم، مؤكداً أنه على الرغم من تواجد النظام في منبج والغطاء الجوي الروسي لها، إلا أنها ما زالت تحت الغطاء السياسي الأمريكي وهو الذي أعاق دخولها عام 2019.

وأيضاً رأى حمود أن الموقف داخل منبج أو ردة فعل عشائر المدينة ومجلسها العسكري لم تشجع أبناء العشائر أو تمثل حافزاً لهم لكسر الاتفاقات السياسية.

لكن مع ذلك، فإن الحراك العشائري نحو منبج أوصل رسالة إيجابية للداخل السوري، مفادها أنه في حال تبدل الواقع الإقليمي والدولي فمن الممكن تحقيق نجاحات ميدانية، وفقاً لحمود.

مؤسسات المعارضة ودورها السلبي

لاقى موقف مؤسسات المعارضة الرسمية ممثلة بالائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة انتقادات كبيرة من قِبل السوريين، حيث إنها اكتفت ببيانات تنديد لما تقوم به "قسد" في دير الزور، دون أي خطوات أو تحركات فعلية لوقف تلك الانتهاكات.

ويؤكد الصحافي سامر العاني أن عدم تقديم مؤسسات المعارضة في الائتلاف والحكومة المؤقتة غطاءً سياسياً لحراك العشائر في منبج، شكّل عامل ضعف بالنسبة لهم.

ومع ذلك يقول العاني إن معارك العشائر حققت جزءاً من هدفها، وأهمه إرسال رسالة إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة بوجود مظالم لدى أبناء دير الزور ويجب العمل على حلها وتلبية مطالبهم.

تحرير الشام واقتناص الفرص

حاولت هيئة تحرير الشام الظهور بمظهر الداعم لهجوم العشائر على منبج، من خلال تصوير الأرتال المتجهة نحو محاور المنطقة، والخطاب الإعلامي الذي تبناه الإعلام الرديف لها، والزعم بأن الهيئة تدعم تلك العملية ومستعدة للمشاركة بها.

وجاء ذلك على الرغم من أن تحرير الشام لم تصدر أي بيان يوضح موقفها مما يجري في دير الزور، وهو ما اعتبره البعض أن الهيئة تتجنب إعلان العداوة لـ"قسد" خاصة في ظل التقارير التي انتشرت قبل أشهر وتزعم وجود محادثات بين الطرفين.

الباحث سامر الأحمد أشار في مداخلته إلى أن هيئة تحرير الشام استغلت حراك العشائر من خلال إرسال أرتال إلى ريف حلب بحجة المشاركة في الهجوم على منبج، وذلك بقصد كسب مشاعر أبناء العشائر وأيضاً المزاحمة على معابر التهريب بين مناطق سيطرة الجيش الوطني و"قسد".

كما أن تحرير الشام تحاول منذ أشهر التغلغل بريف حلب الشمالي والشرقي بأي شكل من الأشكال وشنت في سبيل ذلك هجمات على فصائل من الجيش الوطني السوري وتحديداً الفيلق الثالث.

الجدير بالذكر أن سلال تحدث في مداخلته عن أهمية مدينة منبج ورغبة جميع القوى في السيطرة عليها، بسبب مساحتها الجغرافية الكبيرة، والبنية التحتية فيها، ووجود سد تشرين والمطاحن وجامعة فيها، فضلاً عن كونها كانت مُعَدّة لتكون محافظة قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011.

للاستماع إلى المساحة كاملة (اضغط هنا)

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد