فَرِّق تَسُدْ.. إستراتيجية بقاءٍ تعتمدها "قسد" على حساب النسيج المجتمعي
تشترك مختلف السلطات اللاشرعية في كونها تعتبر الشعوب التي تحكمها الخطر الأول على وجودها، وهذا يدفعها إلى اعتماد مجموعةٍ من الإستراتيجيات الهادفة إلى إضعاف قدرتها على التحرك ضدها، ومن أهمها "فَرِّق تَسُدْ" التي تُعتبر أداةً بيد هذه الحكومات للسيطرة على شعوبها من خلال خلق الخلافات والنزاعات بين مكوناتها المختلفة، مما يضعفها ويسهل السيطرة عليها.
اعتمدت القيادة العامة لقسد المقربة من حزب العمال الكردستاني هذه الإستراتيجية لتثبيت سلطتها اللاشرعية في مناطق شرق الفرات ذات الأغلبية العربية، من خلال الاعتماد على عدة تكتيكات اعتمدها نظام الأسد من قبلها وأهمها: توظيف الاختلافات العرقية بين الكرد والعرب، وكذلك توظيف الاختلافات القبلية والعشائرية؛ حيث عملت على تصدير بعض المقربين أو حتى غير المقربين منها من أبناء العشائر العربية التي تُعتبَر المكون الاجتماعي الأكبر في المنطقة، ودعمهم ليشكلوا داخل عشائرهم كتلاً منافسة للكتلة الرئيسية التي تلتفّ حول المشيخة التقليدية، بما يساهم بإضعاف هذه القبائل، ويحد من قدرتها على التحرك ضد سلطتها اللاشرعية.
وهذا ما حدث على سبيل المثال عندما دعمت قيادة قسد "رافع الحران الشمري" المرتبط بها لتأسيس فصيل عسكري تحت مسمى "حماة الجزيرة" ثم دعمته أيضاً لتأسيس حزب سياسي تحت اسم "حزب البناء والتطوير السوري" سنة 2021، لتجعل من رافع الشمري ومن فصيله العسكري وحزبه السياسي كتلةً اجتماعيةً وسياسيةً وعسكريةً منافسة لمشيخة آل الجربا وقوات الصناديد التابعة لهم، مما سينعكس سلباً على تماسُك وقوة قبيلة شمر والتي تُعتبر إحدى أكبر القبائل في مناطق سيطرتها.
ومع بَدْء انتفاضة العشائر العربية في دير الزور نهاية آب/ أغسطس الفائت، بدأت تنتشر مقاطع فيديو لأرتال عسكرية من قوات " درع الجزيرة"، رافعةً أعلام قبيلة شمر أثناء توجُّهها للمشاركة في قمع الانتفاضة في دير الزور في خطوة بالغة الخطورة على النسيج الاجتماعي كونها يمكن أن تشعل حرباً بين اثنتين من كبرى عشائر سورية؛ وإنّ نشرها دون صدور أي توضيح رسمي بشأنها يمثل وصول قسد إلى مرحلة غير مسبوقة من سياسة تمزيق النسيج الاجتماعي عند الشعور بأدنى خطر على سلطتها دون مراعاة ما يمكن أن يؤدي إليه هذه التمزيق من نتائج قد تستمر لعشرات السنين.
ويبدو أنّ هدفها من نشر فيديوهات "حماة الجزيرة" لا يندرج ضمن خطتها لإخماد الانتفاضة وحسب، فهو يمكن أن يندرج أيضاً ضمن خطةٍ أكبر تهدف إلى إظهار قدرتها على إحداث شرخ بين القبائل العربية التي بدأت الولايات المتحدة تعتمد عليها مؤخراً في إنشاء قوةٍ عسكرية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في أي مواجهةٍ محتملة مع إيران. وكأنّ قسد من خلال هذه الفيديوهات تقول لأمريكا: إنّ مَن تريدين الاعتماد عليهم هم أبناء قبائل غير متلاحمة، ويمكن تدمير أي مشروعٍ يقوم عليهم من خلال إشعال الصراع فيما بينهم.
إنّ اعتماد قسد على القوة العسكرية المفرطة في مواجهة الانتفاضة العشائرية وتوظيف الخلافات العرقية والقبلية في تطويقها، يثبت أكثر من أيّ وقتٍ مضى أنها سلطة مستبدة لا شرعية مستعدة لتمزيق المجتمع الذي تحكمه في سبيل الحفاظ على نفسها، ولهذا يجب على سكان شرق الفرات بمختلف انتماءاتهم العِرْقية والقبلية والمناطقية أن يكونوا يداً واحدة في مواجهة سياسة تمزيق نسيج مجتمعهم الذي عاشوا فيه إلى جوار بعضهم بعضاً عشرات وربما مئات السنين.