دير الزور أمام لحظة مفصلية.. ما السيناريوهات المحتملة لإنهاء القتال بين العشائر و"قسد"؟

دير الزور أمام لحظة مفصلية.. ما السيناريوهات المحتملة لإنهاء القتال بين العشائر و"قسد"؟

الشعرة التي قصمت ظهر البعير".. هكذا رأى أهالي دير الزور اعتقال "قسد" لقائد المجلس العسكري أحمد الخبيل الملقب بـ"أبي خولة"، حيث فجَّر هذا الحدث انتفاضة عشائرية في المحافظة من المؤكد أن ما بعدها لن يكون كما قبلها.

يؤكد أبناء العشائر أن دخولهم في المواجهات ضد "قسد" هذه المرة، ليست حمية أو عصبية قبلية بقدر ما هي صحوة ونفاذ للصبر تجاه التجاوزات المتراكمة منذ سنوات.

في المقابل ضربت "قسد" عرض الحائط باستقرار المنطقة والحفاظ على الأمن فيها، ودخلت بمواجهات مع أبناء العشائر بهدف فرض كلمتها عليهم مهما كلف الأمر.

قصة التوترات في دير الزور

بدأت القصة يوم الأحد الماضي، حين اعتقلت "قسد" الخبيل بعد إستدراجه إلى مقر قائدها مظلوم عبدي في إستراحة الوزير في مدينة الحسكة، بحجة وجود اجتماع.

الاجتماع المزعوم هذا جاء بعد أسابيع من التوتر بين الجانبين، والذي تخلله اشتباكات في بعض المناطق، وانتهى بالإعلان عن تسوية رعتها قوات التحالف الدولي.

أثار اعتقال الخبيل، ومحاصرة مقرات مجلس دير الزور العسكري وشن حملة مداهمة واعتقالات ضد قياداته، حفيظة واستنكار أبناء المنطقة، الذين اعتبروا أن ذلك فصل جديد من فصول القضاء على شوكة العرب.

وإثر ذلك، دارت اشتباكات بين عناصر المجلس العسكري وأبناء العشائر من جهة، وعناصر "قسد" من جهة أخرى، في عدة مدن وبلدات في أرياف دير الزور.

وتخلل تلك المواجهات إعطاء شيوخ العشائر مهلة لـ"قسد" لإطلاق سراح الخبيل وإحتواء الموقف، إلا أنها لم تلق بالاً بتلك الدعوات، بل أعلنت المضي في حملتها العسكرية بذريعة أنها تواجه خلايا لـ "داعش".

انتفاضة عشائر دير الزور

دفع تعنت "قسد" ورفضها الدخول في مفاوضات مع العشائر وإيجاد مخرج من هذه الأزمة، إلى تأزم الأوضاع في المنطقة ووصولها إلى نقطة اللاعودة.

حيث عقد شيوخ عشائر ووجهاء في دير الزور اجتماعاً يوم الثلاثاء الماضي لبحث الإجراءات التي سيتم اتخاذها، وبحسب مصادر محلية فإنه تم الاتفاق على طرد “قسد” من المنطقة، و”تشكيل إدارة مدنية بعيداً عن نظام الأسد وكوادر قنديل”.

كما نشر شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم خليل الهفل، تسجيلاً صوتياً دعا فيه أبناء العشائر في دير الزور إلى توحيد صفوفهم في مواجهة "قسد".

وبالفعل شن أبناء العشائر هجمات ضد مواقع وحواجز لـ"قسد" في المنطقة، وتمكنوا من السيطرة على عدد منها، وسط مواجهات واشتباكات مستمرة ترتفع وتنخفض وتيرتها بين الحين والآخر.

معركة وجود

ردة الفعل القوية التي أظهرها أبناء العشائر في دير الزور بعد اعتقال الخبيل، أثار الكثير من التساؤلات عن أسبابها والشعبية التي يتمتع بها "أبو خولة" في المنطقة.

إلا أن المتابع يلاحظ أن عدد لا بأس به من المشاركين في الحراك ضد "قسد" كانوا على خلاف مع الخبيل ومع المجلس العسكري، كقبيلة العكيدات التي دخلت قبل فترة باشتباكات معه.

ويوضح الباحث في "مركز جسور للدراسات" أنس شواخ هذه النقطة بالتأكيد على أن حملة العشائر غير مرتبطة بالدفاع عن الخبيل بشخصه، وإنما اعتقاله كان شرارة لها.

ويعود سبب هذه الانتفاضة -بحسب شواخ- إلى تراكم التجاوزات من قبل "قسد"، والنقمة من تهميشها المتعمد لأبناء المنطقة العرب، وتحكم حزب العمال الكردستاني في إدارة المنطقة عسكرياً وأمنياً ومدنياً واقتصادياً.

ما ذكره شواخ يتوافق مع ما قاله شيخ عشيرة البكير عبد العزيز الحمادة في بيان مصور، حيث أكد أن "الصراع الذي تشهده دير الزور ليس نتيجة اعتقال مجموعة موظفين عند قسد سخروا أنفسهم لخدمتها”.

وشدد الحمادة على أن ما تشهده المحافظة هو “نتيجة متوقعة لسلسلة الأخطاء التي ارتكبتها القيادة المعينة من قسد دون الرجوع إلى رأي الشخصيات المهمة في المنطقة”.

النظام السوري ومحاولة استغلال الأحداث

عقب إعلان العشائر دخول المواجهة مع "قسد" حاول النظام السوري ركوب الموجة والظهور بمظهر الداعم للعشائر، وجاء ذلك على لسان نواف البشير قائد ميليشيا أسود العشائر الذي دعا للاستمرار والتصعيد.

وبهذا الخصوص، يشير الباحث أنس شواخ إلى أنه كما جرت العادة في كل احتجاجات شعبية أو أي خلاف بين "قسد" والمجتمع المحلي يحاول النظام السوري تقديم نفسه كطرف داعم لهذه الاحتجاجات وقادر على الوصول ودعم المنطقة في وجه "قسد".

شواخ أكد أنه في جميع المرات السابقة لم يكن هناك استجابة من المجتمعات المحلية للأصوات الصادرة من النظام، إذ أن هذه المجتمعات تفضل إدارة مناطقها بنفسها وبدعم من قوات التحالف عبر تشكيل مجالس محلية وعسكرية، وترى أن هذا السيناريو هو الأفضل.

ولفت شواخ إلى أن أبناء المنطقة الشرقية يرفضون وجود النظام والميليشيات الإيرانية أو التعامل معها، فضلاً عن كون المنطقة تشهد أصلاً حركات نزوح للمدنيين من مناطق سيطرة النظام.

كما أن الواقع المعيشي والاقتصادي والأمني لا يشجع المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على المطالبة بتطبيق هذا النموذج، وفقاً لشواخ.

ريف دير الزور إلى أين؟

حتى الآن لا يوجد أي حديث عن جهود للتهدئة أو وساطة لوقف الاشتباكات التي راح ضحيتها عدد من المدنيين إلى جانب مقتل عدد من عناصر المجلس العسكري وأبناء العشائر و"قسد".

وعن السيناريو المحتمل لحل هذه الأزمة، توقع الباحث في "مركز جسور للدراسات" أنس شواخ أن يدخل شيوخ العشائر وتحديداً العكيدات والبكارة في مفاوضات مع التحالف الدولي لإيجاد حل.

ويؤكد شواخ في حديثه لـ "نداء بوست" أن المفاوضات لن يكون هدفها الإفراج عن الخبيل فقط، وإنما الاتفاق على أن تشرف العشائر على مجلس دير الزور العسكري، وتسليم قياداته لأبناء المنطقة على عكس المعمول به حالياً، حيث تقوم "قسد" بتعيينهم.

كما أن شواخ أشار إلى أنه من المحتمل حدوث مزيد من التصعيد في حال عدم تدخل شيوخ العشائر أو قوات التحالف، خاصة مع إصرار "قسد" على استخدام الحل العسكري واستمرار دعايتها المتعلقة باستهداف خلايا لـ "داعش" في الحملة.

التحالف الدولي صامت

لم يعلق التحالف الدولي والولايات المتحدة على الأحداث التي تشهدها محافظة دير الزور، كما أنه لم يقم حتى الآن بأي خطوات لوقف الاشتباكات.

وفي بداية الحملة التي تنفذها "قسد" ضد العشائر والمجلس العسكري، أعلنت مشاركة التحالف الدولي فيها.

ويوضح الباحث أنس شواخ أنه بطبيعة الحال القوات الأمريكية مطلعة على تفاصيل الاشتباكات والاحتجاجات التي ترافقها في دير الزور.

ويرى أنه من المحتمل أن قوات التحالف تراقب مدى تدهور الواقع الأمني، وقد تكون يعول على مدى إمكانية إعادة ضبط الاستقرار في المنطقة.

لكن شواخ يعتقد أن هذا الانتظار لا يمكن أن يطول كثيراً، كون التحالف لن يخاطر في استقرار المنطقة وإتاحة المجال لخلايا "داعش" وإيران لاستغلال التوترات.

الجدير بالذكر أن العشائر طالبت قوات التحالف الدولي بالتدخل ووضع حد لتجاوزات “قسد”، وتشكيل مجلس قيادة في دير الزور من أعيان ووجهاء المنطقة يكون مرتبطاً بالتحالف بشكل مباشر.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد