دور إيران المدمر: دروس مستفادة من سورية إلى غزة

دور إيران المدمر: دروس مستفادة من سورية إلى غزة

إن المعارك الأخيرة الدائرة بين إسرائيل وحماس، بما في ذلك قرار إسرائيل باقتحام عدة مستشفيات في شمال غزة وتكتيكات حرب العصابات التي تتبعها حركة حماس على أراضي القطاع، ما هي إلا أحدث مثال على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

والواقع أن الحرب بين إسرائيل وحماس تعمل على تحويل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة بشكل جذري، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالأمن الإقليمي الأوسع ويسبب ضرراً كذلك للناس الأبرياء.

لم تأتِ هذه النتيجة من فراغ، وإنما تعكس ميل إيران لإحداث الفوضى وتعميقها في جميع أنحاء المنطقة بطريقة تخدم مصالحها الخاصة.

إن الأفعال الضارة التي تقوم بها أو تدعمها طهران في الأراضي الفلسطينية المحتلة تخدم توجُّهاً طويل الأمد أدى إلى نتائج سلبية على امتداد منطقة الشرق الأوسط، وسورية هي أحد تلك الأمثلة، فلقد دعمت إيران بشكل مباشر وغير مباشر نظام بشار الأسد المنبوذ خلال قسم كبير من الصراع الذي امتد على مدى السنوات الاثنتَيْ عشرةَ الماضية، حيث قدمت المعدات والتدريب العسكري وغير ذلك من الدعم إلى جانب المساعدات الاقتصادية وبعض الغطاء السياسي في المنتديات الإقليمية والدولية.

كما تعمل في سورية ميليشيات متعددة مدعومة من إيران وتشكّل ما يُسمَّى بـ"محور المقاومة"، بما في ذلك حزب الله اللبناني وحماس، بدعم من الحرس الثوري الإيراني، وتقوم هذه الجماعات بانتظام بتهريب الأسلحة والمخدرات والمقاتلين عبر الأراضي السورية لدعم طموحات إيران الإمبراطورية. وتستخدم مثل هذه العمليات عناصر موالية للنظام ومجموعات أخرى على حساب المجتمعات السورية، بينما تؤدي إلى انهيار الأنظمة المجتمعية والاقتصادية والسياسية المحلية التي أضعفها الصراع.

وبدلاً من دعم التطلعات الديمقراطية لمعظم السوريين - الذين يرغبون بالإطاحة بالأسد ومحاسبته على جرائم الحرب الوحشية والجرائم ضد الإنسانية مثل الهجمات الكيميائية، والتعذيب في السجون والاختفاء القسري، والهجمات العشوائية على السكان المدنيين - تهدف هذه الجماعات إلى دعم الدكتاتور وزبانيته كفاعلين أساسيين في اقتصاد الحرب في سورية.

إنهم يسرقون الممتلكات من المدنيين السوريين، ويغتالون المعارضين السياسيين وغيرهم من الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد، ويفتحون الأجواء السورية أمام الغارات الجوية والجماعات الإرهابية الأخرى.

وخلافاً للتصريحات العلنية، فإن هذه المجموعات لا تعمل لصالح السوريين، ولا لخدمة مصالح الحكومة السورية، بل هي امتداد لإستراتيجية إيران الأمنية الخارجية التي تهدف إلى ردع أعداء طهران، حيث تقدم إيران طموحاتها الإمبريالية لإيران في جميع أنحاء المنطقة على أنها تدعم رغبات الشارع العربي والإسلامي بينما تدعم بنشاط الجهات الفاعلة الاستبدادية المهتمة بقمع المقاومة بوحشية وترحب في الوقت نفسه بالصراعات الإقليمية.

إنهم يكررون هذا النموذج في غزة اليوم، وبينما تزعم حماس وإيران أنهما تدعمان المصالح الحقيقية للفلسطينيين وآمالهم في دولة مستقبلية، فإن الواقع أكثر ضبابية، وتستخدم هذه الجماعات المقاومة الفلسطينية لتحقيق أجنداتها، أي آمال إيران في الهيمنة الإقليمية ورغبة حماس في السيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي نهاية المطاف، يشتمل برنامج حماس وأيديولوجيتها على المقاومة المسلّحة والنضال، مهما كان الثمن، وقد أثبت هذا الموقف أن له نتائج كارثية بالنسبة للفلسطينيين في غزة، الذين يواجهون اليوم حملة عسكرية إسرائيلية وحشية تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية بشكل عشوائي.

وفي حين أنكرت إيران أي دور لها في هجمات حماس التي وقعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فقد أشادت بقتال حماس ضد إسرائيل، إلى جانب الميليشيات الأخرى مثل حزب الله، حيث يعاني المدنيون في غزة تحت الحصار الكامل والضربات التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 17 ألف شخص وإصابة ما يقرب من 40 ألفاً آخرين.

وفي حين تتحمل إسرائيل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الضربات التي تلحق الضرر بالمدنيين بموجب القانون الدولي، فإن الجهات الفاعلة في محور المقاومة تلعب دوراً مهماً في هذا الكابوس.

والأسوأ من ذلك أن الجهود الإيرانية البغيضة لتسليح حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية تعمل على تأجيج الصراع في غزة والضفة الغربية، حيث إن الأخيرة شهدت ارتفاعاً مثيراً للقلق في شعبية الجماعات المؤيدة لإيران في وقت تتداعى فيه قوة السلطة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، تمثل سورية وفلسطين وجهين لعملة واحدة فيما يتعلق بدور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط.

تزدهر طهران في حالة من الفوضى، وتهدف بنشاط إلى تعميق عدم الاستقرار لدعم عقيدة أمنية خارجية تتطلب مشاكل أمنية خارج حدودها.

ويعمل هذا النهج على تصدير التهديدات الأمنية إلى الخارج وبعيداً عن إيران، كما يتم تفعيلها من خلال اختيار مصالح وآمال القادة والحركات والمجموعات والبلدان الإقليمية لتحقيق مصالحها الخاصة.

ومع ذلك، تدّعي طهران أنها تدعم مصالح وطموحات شعوب المنطقة، ولكن كما تشير الأوضاع في سورية وغزة، فإن هذا الافتراض بعيد كل البُعد عن الحقيقة، ففي سورية، ثار الملايين ضد الأسد دعماً للديمقراطية، وهي التحركات التي عملت إيران بنشاط ضدها، وكانت النتائج واضحة، فقد تحوّلت سورية في الغالب إلى دولة فاشلة، مما أدى إلى عواقب أمنية كارثية في جميع أنحاء المنطقة نظراً لدور سورية باعتبارها "قلب الشرق الأوسط"، وغزة هي تكرار مؤسف آخر لهذه القصة.

لقد شكلت سورية وغزة مثالين لما يحدث عندما يُسمح لإيران باستغلال عدم الاستقرار الإقليمي لصالحها، والنتيجة لا تدعم إقامة منطقة أكثر ازدهاراً وديمقراطيةً، بل منطقة غارقة في الصراع والألم. وعلى هذا النحو، فإن دعم التطلعات الديمقراطية الحقيقية لشعبَيْ سورية وفلسطين، كمثال لمسار أفضل للمنطقة الأوسع، يجب أن يكون له أهمية قُصْوَى في مقاومة مثل هذه الجهات الخبيثة، ولذلك أصبح الدور القيادي الذي تلعبه واشنطن أكثر أهمية من أيّ وقت مضى في هذا الصَّدَد.

المصدر: ذا هيل

بقلم: د. محمد بكر غبيس

ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد