حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (1)

حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (1)

زلزال 7 أكتوبر فاجأ العالم خصوصاً الدولة العبرية وداعميها الغربيين. فإذا بالجيش الأسطورة والذي لا يقهر نمر من ورق، وإذا بالتكنولوجيا العسكرية وتقنية التجسس والتي تسوق على أنها الأفضل في العالم، لا تسمن ولا تغني من جوع. الدولة العبرية والتي كان يهرع إليها المطبعون طلباً للحماية، تحتاج إلى من يحميها، وهو ما جرى من خلال دعم أمريكي غير محدود. شيطنة المقاومة الفلسطينية واتهامها زوراً وبهتاناً بقطع رؤوس الأطفال وأنها نسخة من داعش كان تمهيداً وتبريراً لحرب الإبادة التي شُنت على القطاع.

سارعت واشنطن بتقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي لإسرائيل وتبعتها عواصم غربية. الحديث الكاذب عن جرائم المقاومة والتعامل الباهت مع جرائم إسرائيل وانتهاكاتها للقانون الدولي هو في جوهره، انعكاس للنظرة الغربية العنصرية لنا والتي تنظر إلينا بشكل دوني، وترى ضحايانا مجرد أرقام من غير بُعد إنساني. الحرب على غزة وتباهي بلينكن بيهوديته ضارباً بالعلمانية عرض الحائط والتي يُحاصر بحجتها المسلمون في الغرب ويضيق عليهم، هي في حقيقتها حرب على قيمنا ومعتقداتنا كعرب ومسلمين. يريدنا الغرب أسواقاً استهلاكية ومجتمعات عابثة، تحكمها أنظمة استبدادية تحتاج لحمايته ورعايته مقابل نهب ثرواتنا ومقدراتنا، كل همنا اللهو والترفيه وبالصيغة والمفاهيم الغربية من شذوذ وانحلال وخلاعة. الأمر المثير للسخرية أن الغرب يدعم الدكتاتوريات عندنا ثم يعيرنا بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

كسر شوكة المقاومة وإذلالها وإبادة الحاضنة الاجتماعية لها، ليس المقصود فيها فقط غزة وفلسطين والتي تشكل إسرائيل فيها أداة الغرب لإبقائنا في دائرة الصراع والتخلف والنزف الاقتصادي والذي من صوره السعي المحموم لعقد صفقات التسلح الفلكية لجيوش الاستعراضات العربية والتي وظيفتها حماية الأنظمة التابعة وحتى إسرائيل إن اقتضت الحاجة، فيما يتضور كثير من شعوبنا جوعاً، وتتقلب قهراً وفاقة.  كسر شوكة المقاومة وسحقها –كما يأملون- رسالة لجميع شعوب المنطقة شبيهة تماماً برسالة بشار للشعب السوري والسيسي لمصر (والتي تمت وتتم بدعم دولي مريب)، إما نحكمكم أو نبيدكم، إما تعيشون حياة القطيع أو نذبحكم كذبح القطيع.

من المؤسف والمؤلم أن الأنظمة العربية والتي هرولت للتطبيع مع الاحتلال، وأرادت أن تصنع لنا ديناً إبراهيمياً جديداً، هي جزء –تابع ومتلقٍّ ليس إلا- من أدوات الهيمنة الغربية على المنطقة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً، والتي يشكل الكيان الصهيوني القلب والعقل منها، فيما تشكل تلك الأنظمة العربية الأدوات التنفيذية والتمويلية. لذلك لم يكن مستغرباً –بل كان متوقعاً- اندفاع الأنظمة العربية لتأييد جرائم الاحتلال والتنديد "بجرائم" المقاومة المزعومة. اعتبرت تلك الأنظمة المعركة معركتها، فانتصار المقاومة أو عدم انكسارها أمام حرب الإبادة الحالية قد تمتد آثاره للشعوب العربية المحرومة من حقها الإنساني في الحرية والمشاركة السياسية، والتي قد تحتج وتعترض على عبث الأنظمة السياسي والأخلاقي والتبعية المطلقة للصهاينة والذي ينافي المنطق الإنساني والقيم والمفاهيم الإسلامية.

الحرب ليست على غزة فحسب، بل هي حرب على القيم الإنسانية العالمية والإسلامية والتي ترفض الاستعمار والاستعلاء والتعامل الفوقي الغربي والصهيوني والذي يمارس سياسة النفاق والمعايير المزدوجة. هذا التعامل الغربي والذي لم يكتف بدعم الأنظمة الاستبدادية الفاسدة في منطقتنا والتي أفقرت البلاد والعباد بل امتد بدكتاتوريته إلى المجتمعات الغربية -والتي كانت محصنة داخلياً من ذلك- من خلال فرض الشذوذ على الأطفال وحرمان المسلمين في مجتمعات غربية من حقهم في ممارسة شعائر دينهم كالحجاب. والآن يمتد هذا الحصار لمنع المظاهرات في الغرب وحرية التعبير للاحتجاج على إبادة الفسلطينيين وتجويعهم وحصارهم وإبادتهم وقتل أطفالهم.

اقرأ أيضاً: حرب الإبادة على غزة.. الدوافع والمآلات (2)

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد