إيران تستدرج الولايات المتحدة إلى صراع غير مباشر دون أن تدفع الثمن

إيران تستدرج الولايات المتحدة إلى صراع غير مباشر دون أن تدفع الثمن

شعرنا أن ذلك سيُشكّل تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب حَقّنا في الدفاع عن النفس، قمنا باتخاذ إجراءٍ". هكذا شرحت إدارة بايدن الهجوم الذي نفذته القوات الجوية الأمريكية يوم الأحد على موقع إطلاق طائرات بدون طيار بالقرب من مدينة كركوك العراقية. والذي أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وهو موقع يعود إلى المقاومة الإسلامية في العراق، وهو تحالف من عدة ميليشيات موالية لإيران تشكلت مع اندلاع حرب غزة. وقد تم مؤخراً إطلاق عدة طائرات بدون طيار ضدّ أهداف أمريكية في سورية انطلاقاً من الموقع المستهدف.
مع هذه الضربة الاستباقية، تجاوزت الولايات المتحدة خطاً أحمر آخر في حربها ضد الميليشيات الموالية لإيران التي تعمل في العراق. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها القوات الأمريكية أهدافاً في العراق - ففي 23 تشرين الثاني/ نوفمبر. هاجمت قاعدتين تابعتين لحركة حزب الله في العراق، مما أسفر عن مقتل ثمانية مقاتلين من الميليشيات وإصابة حوالي 10 آخرين.
جاء الردّ الأمريكي بعد أكثر من 60 هجوماً على أهداف أمريكية. مما أثار انتقادات متزايدة من قِبل الكونغرس ووسائل الإعلام الأمريكية بسبب الرد الفاتر وعدم القدرة على ردع الميليشيات.
حتى تاريخ الرد الذي حصل في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر. تجنبت الولايات المتحدة مهاجمة المنشآت المأهولة في الأراضي العراقية. و كان الرد العسكري محصوراً في الأراضي السورية حيث تعمل القوات الأمريكية والإسرائيلية والتركية والروسية بكل أريحية.

خشية من التصعيد

كانت الولايات المتحدة تخشى أن يؤدي التصعيد العسكري في العراق إلى طرد ما يقرب من 2000 جندي أمريكي متمركزين في قواعد في العراق. في مهمة معلنة هي قتال تنظيم داعش. ويشكل الوجود الأمريكي في العراق محل جدل بين الحركات السياسية العراقية والحكومة في بغداد .بين بغداد وطهران. حيث إن الأخيرة مصممة على إجبار الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة.
ذهب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى حد تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصياً من الهجمات في الأراضي العراقية. خشية أن يؤدي الضغط السياسي الناتج عن ذلك إلى إجباره على اتخاذ خُطوة لا يرغب في اتخاذها.
كما صحيح أنه ليس كل الميليشيات الموالية لإيران قد شاركت بشكل متساوٍ في الهجمات على الوجود الأمريكي. والتي تنفذ عملياتها تضامُناً مع الفلسطينيين وكمساهمة في مبدأ "وحدة الجبهات".ولكن حتى هذه الميليشيات، التي إلى الآن لم تُقدِّم سوى خطابات رنانة. قد أُضيفت إلى بنك الأهداف الأمريكي. منذ بداية الحرب في غزة، أصبح هناك مشكلة متنامية في العلاقة المعقَّدة بين واشنطن وبغداد.
ومع ذلك، ليست الولايات المتحدة فقط هي التي تُجبَر على تَوَخِّي الحذر الشديد في تحرُّكاتها. إذ إن إيران نفسها تواجه معضلة قد لا تكون قد استعدت لها عقب الحرب في غزة. كان الافتراض العملي لطهران. حتى الآن أن الولايات المتحدة ستكتفي بالعرض الهائل للردع الذي قامت به. من خلال نشر مجموعتين من حاملات الطائرات في المنطقة، والمساعدات العسكرية والدعم السياسي الذي تقدمه لإسرائيل.

الانشغال بحرب أوكرانيا

كما اعتقد الإيرانيون أن واشنطن ستمتنع عن فتح جبهة أخرى في الشرق الأوسط. حيث افترضوا أن الأمريكيين كانوا منشغلين جداً بالحرب في أوكرانيا وردع روسيا والصين بشكل عامّ. وتضمنت الرسائل التي تم تبادلها بين واشنطن وطهران تحذيرات من التدخل الإيراني المباشر في حرب غزة، ولكن مع ذلك. ربما بقي لدى إيران انطباع بأن حثّ الولايات المتحدة إسرائيل على عدم فتح جبهة ثانية في لبنان. كان يهدف إلى منع حرب غزة من الامتداد إلى ساحات أخرى قد تُجبِر الولايات المتحدة على التدخل.
هذا التقييم -الذي يقف وراء النطاق المحدود نسبياً للصراع العسكري بين حزب الله اللبناني وإسرائيل وهوامش عمل الميليشيات الشيعية في العراق- سمح لطهران بالاعتقاد بأنها في مأمن من التعرض لهجوم مباشر. لقد صورت نفسها ليس فقط على أنها غير مشاركة في الحرب، بل على أنها لا تسيطر على ما يفعله وكلاؤُها.
وقال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان لشبكة "سي بي إس نيوز" الشهر الماضي عندما سئل عما إذا كانت إيران تدعم الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط: "هذه الجماعات في العراق وسورية التي تهاجم المصالح الأمريكية اتخذت قراراتها بنفسها".

وبالتالي، بينما يقوم الحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان بشنّ هجمات على إسرائيل وأهداف أمريكية، اعتمدت إيران المبدأ الرئيسي للحرب غير المتكافئة، أو الدفاعية: تتجنب الدولة الرئيسية في النزاع، التي تكون عسكرياً أدنى من خصمها، القتال المباشر مع العدو وبدلاً من ذلك تنشر وكلاء لضرب أهداف تحرص على عدم مهاجمتها بنفسها.
ولا تنفي طهران التقارير التي تفيد بأنها لم تكن على علم بخطط حماس لمهاجمة إسرائيل. وفي الواقع، في اجتماع مع إسماعيل هنية، زعيم حماس، برَّر الزعيم الإيراني علي خامنئي رفض إيران الانضمام إلى القتال ضدّ إسرائيل من خلال التأكيد على أن حماس لم تبلغه بالهجوم المخطط له في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

تحذيرات علنية

كذلك اكتفت طهران بتحذيرات علنية ضدّ "التوسع الحتميّ" للحرب بسبب العدوان الإسرائيلي ودعوات لوقف إطلاق النار. بينما تبني رأسمالها السياسي من مشاركتها في التجمع العربي الإسلامي في السعودية ومن خلال التنسيق مع الدول العربية، بما في ذلك حلفاء أمريكا مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن، في دعواتهم لوقف إطلاق النار.
لكن قد منحت هذه الإستراتيجيةُ إيرانَ القدرةَ على الإنكار، وحتى لو لم يصدقها أحد. فقد تكون بمثابة كابح ضدّ أي هجوم عليها، ومن المفارقات أن واشنطن كانت سعيدة بقبول ادعاء طهران من أجل تجنب المواجهة المباشرة معها والحدّ من ردودها العسكرية على وكلاء إيرانيين "مستقلين"، وهكذا تمكنت إيران من جرّ الولايات المتحدة إلى حرب استنزاف عبثية مع الميليشيات التي يصعب تحييد أو إحباط هجماتها، وفي الوقت نفسه، إيران ليست مطالَبةً بدفع أي ثمن.
مع ذلك، تأتي الاشتباكات بين الولايات المتحدة ووكلاء إيران أيضاً بتكلفة على إستراتيجية طهران الإقليمية. كان أساس تقييم إيران، حتى قبل حرب غزة، هو أن الولايات المتحدة تريد الخروج من الشرق الأوسط، كما أظهرت بسلسلة من الأعمال السياسية والعسكرية، مثل الانسحاب من أفغانستان، وإجبار السعودية على التفاوض مع الحوثيين لإنهاء الحرب في اليمن، وقبل ذلك، قرار إدارة بايدن بإنهاء المساعدات العسكرية للسعودية المخصصة لحرب اليمن (على الرغم من عدم إنهاء المساعدات المخصصة للدفاع عن المملكة).

ناتو الشرق الأوسط

أما بالنسبة لفكرة أمريكا بإنشاء "ناتو الشرق الأوسط"، اعتبرت إيران ذلك جزءاً من نفس الإستراتيجية- حلفاؤها في المنطقة سيحصلون على الدعم والمساعدة الأمريكية، لكنهم سيتحملون عِبْء الدفاع عن أراضيهم. أضيف إلى ذلك العلاقات المتوترة التي كانت تميز علاقات البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وابتعاد أمريكا عن أي محاولة لحل النزاع "الإسرائيلي-الفلسطيني".
أعادت حرب غزة خلط بعض الأوراق في مجموعة إيران الإستراتيجية فقد عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في الشرق الأوسط وليس فقط كعرض للقوة، لم يكن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أكثر وضوحاً عندما قال في خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضي في كاليفورنيا: "لن نتسامح مع الهجمات على القوات الأمريكية، ولذا يجب أن تتوقف هذه الهجمات. وحتى يحدث ذلك، سنفعل ما يلزم لحماية قواتنا، وفرض تكاليف على مَن يهاجمهم".
لم يَقُلْ أوستن صراحةً: إن إيران هي هدف للهجمات. لكنه وضعها في نفس الفئة مع روسيا والصين وحماس، أدركت طهران أن الإنكار أصبح أقلَّ فاعلية، وأن وكلاءها لن يكونوا كافِينَ لحمايتها من غضب أمريكا.

هآرتس
بقلم: تسفي بارئيل
ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد