إدارة بايدن تكرر الأخطاء القديمة في العراق وسورية
لقد تحوّلت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة إلى مجموعة من نقاط التوتر في سورية الشرق الأوسط، بدءاً من منطقة الحدود الإسرائيلية اللبنانية وحتى البحر الأحمر، في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير، أطلقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جولتهما الثامنة من الضربات ضدّ الحوثيين في اليمن، حيث استهدفت مواقعَ الرادار الطائراتُ بدون طيار والصواريخُ، فضلاً عن المخازن الواقعة تحت الأرض في محاولة لإضعاف قُدُرات الحوثيين على تنفيذ هجمات ضد السفن المدنية.
بشكل عامّ، تمكنت القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة -والتي يبلغ عددها حوالَيْ 45 ألف جندي- من البقاء بعيداً عن الأحداث، ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن حوالَيْ 3,400 جندي أمريكي متوزعين في جميع أنحاء العراق وسورية، والذين اضطروا لتجنُّب إطلاق النيران المتكرر القادم من طرف الميليشيات المدعومة من إيران في كِلا البلدين، والأسوأ من ذلك أن القوات تتحمل عِبْءَ التعرض لمخاطر غير ضرورية، وهي بكل بساطة لا حاجة لتواجُدها هناك.
وفقاً للبنتاغون، فلقد تعرضت القوات الأمريكية في العراق وسورية للهجوم 151 مرة منذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر. وقع الهجوم الأخير خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما أطلقت الميليشيات المنضوية تحت مظلّة المقاومة الإسلامية في العراق سبعة صواريخ باليستية باتجاه قاعدة عين الأسد الجوية. وردت الولايات المتحدة في 23 كانون الثاني/ يناير، بقصف ثلاث منشآت للميليشيات التابعة لكتائب حزب الله.
لحسن الحظ، لم يُقتل أي من الأمريكيين في أي من تلك الصواريخ، أو الطائرات بدون طيار الهجومية أحادية الاتجاه، أو الصواريخ التي سقطت في أو بالقرب من القواعد الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ولكن ليس هذا هو المهم، وإنما المهم هو أن إدارة بايدن اختارت بشكل غير حكيم مواصلة سياسات الإدارات السابقة من خلال المحافظة على نشر دائم للقوات العسكرية لا يخدم غرضاً إستراتيجياً كبيراً.
عندما بدأت إدارة أوباما في قصف تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، كانت المهمة العسكرية واضحة ومباشرة؛ وهي تدمير الدولة المزعومة التي أعلن عنها التنظيم ضِمن مساحات واسعة من العراق وسورية.
هذه المهمة، على الرغم من عدم تفويضها من قِبل الكونغرس، إلا أنها كانت قابلة للتحقيق ويمكن قياسها، حيث كان بإمكان واشنطن تقليل قُدرات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقياس التقدُّم من خلال حجم الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في أي وقت معين.
كانت الولايات المتحدة بارعة في استخدام قوتها الجوية الساحقة، وقُدرات القوات الخاصة والشراكات مع الجهات الفاعلة المحلية على الأرض، بما في ذلك قوات الأمن العراقية، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد، والميليشيات القَبَلِيّة العربية، لطرد تنظيم الدولة من المدن والبلدات والقرى التي تمكن التنظيم من السيطرة عليها.
كان العمل شاقاً ومميتاً - فقد استغرق تحرير الموصل حوالَيْ تسعة أشهر، ولكن في النهاية، نجحت تلك المهمة. في كانون الأول/ ديسمبر 2017، أعلنت الحكومة العراقية النصر، وفي آذار/ مارس 2019، تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها الأكراد من طرد المتشددين من تنظيم الدولة من الباغوز، آخِر جيب لهم في سورية، وبذلك انتهت المهمة كما تم تحديدها في الأصل.
وبدلاً من الاعتراف بنجاح العملية، اختارت إدارة ترامب إبقاء القوات الأمريكية في مكانها لتحقيق أهداف كانت إما بعيدةً المنال أو غيرَ مرتبطةٍ على الإطلاق بمهمة مكافحة تنظيم الدولة. وفي العراق كان ذلك يعني تكليف القوات الأمريكية بتدريب قوات الأمن العراقية إلى النقطة التي تصبح عندها قوة عسكرية مستقلة تماماً وعاملة بالكامل بما يتماشى مع المعايير الغربية العالية.
في سورية، تمحورت الأهداف الجديدة حول منع الدكتاتور السوري بشار الأسد من استعادة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد (وكذلك حقول النفط المتهالكة في المنطقة)، وحماية الأكراد من أخطار أخرى، وفي جوهرها وضع حدّ للمشكلة المتمثلة في مساعي إيران الخاصة في البلاد.
لقد ضاعف الرئيس بايدن الخطأ بإصراره على "هزيمة دائمة" خيالية لتنظيم داعش، وهي أقصى ما يمكن تحقيقه. لم توضح الإدارة بشكل كامل أبداً ما تنطوي عليه "الهزيمة الدائمة" فعلياً، أو ما هي الموارد الأمريكية التي ستحتاجها، أو المدة التي ستستغرقها، أو ما إذا كان من الممكن تحقيق هذا الهدف؟ السؤال الأخير هو الأكثر أهمية على الإطلاق، وكل ما نعرفه عن الجماعات الإرهابية يشير إلى أن القضاء على داعش عسكرياً من المرجَّح أن يكون رهاناً خاسراً وإهداراً للموارد.
الولايات المتحدة، بعد كل شيء، لا تزال تحارب تنظيم القاعدة بعد أكثر من عقدين من إعلان الرئيس جورج دبليو بوش بشكل ساذج عن استئصال التنظيم من على وجه الأرض. الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تهزم تنظيم الدولة الإسلامية كما هزمت ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان في عام 1945 كان دائماً افتراضاً غير حكيم؛ وذلك لأن الجهات الفاعلة غير الحكومية غالباً ما تكون قادرة على انتظار الوقت المناسب لاستعادة نشاطها.
باختصار، قامت الولايات المتحدة بكل ما في وسعها في العراق وسورية، وكما قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لصحيفة "وول ستريت جورنال" في 18 كانون الثاني/ يناير: "نعتقد أن مبررات وجود التحالف الدولي قد انتهت". وهو ليس مخطئاً؛ لأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيستمر في تنفيذ هجمات غير معقَّدة وغير مثيرة للإعجاب ضدّ القوات الأمنية العراقية، والمقاتلين الأكراد.
فكرة أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يعود إلى حالته التي كان عليها قبل عام 2014، حيث كان يسيطر على أراضٍ ويجني مليون دولار في اليوم، هي أقرب إلى ضرب من الخيال منها إلى احتمال واقعي، خصوصاً عند الأخذ في الاعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية ليس لديه حلفاء ويواجه الكثير من الأعداء (الأسد، والعراق، والأكراد، وقوات سورية الديمقراطية، وروسيا، وإيران، والميليشيات الشيعية، وتركيا). الاعتقاد بأن التنظيم يمكن أن ينتصر في ظل هذه الظروف، وفي وقت يعاني فيه من نقص في القوى البشرية وضغوطات مالية، هو الانجراف في أسوأ أنواع المبالغة في تقدير التهديد.
بصراحة، تتمثل مهمة الولايات المتحدة في العراق وسورية في الوقت الحالي في حماية نفسها من هجمات لم تكن لتحدث أصلاً لو لم تكن القوات الأمريكية موجودة هناك، لقد حان الوقت للتوقف عن تقديم الأعذار للبقاء أو الخروج من المنطقة، فكلما طال انتظار بايدن، زاد احتمال أن تقتل إحدى هذه الهجمات الصاروخية أمريكيين، وتفتح صراعاً جديداً مع إيران يزعم مستشاروه أنهم لا يريدونه.
المصدر: التلغراف
بقلم: دانيال ديبيتريس
ترجمة: عبدالحميد فحام
الرابط: