المأساة سورية بامتياز

المأساة سورية بامتياز

محمد جميل خضر

بحسبةٍ بسيطة، يتبيّن لنا أن المأساة الناتجة عن الزلزال الكبير، سورية بامتياز.

ولِتبيان ذلك، تعالوا نُبحرُ في المعطيات والمآلات الآتية:

أولاً: الزلزال ضرب ولايات تركيا الجنوبية، وخصوصاً الجنوبية الشرقية، ومنها: غازي عنتاب والريحانية وأنطاكيا والعثمانية وشانلي أورفا وأضنة وغيرها، وهي ولايات تصل نسبة السوريين المقيمين فيها، أو اللاجئين إليها، أو اللائذين بها، إلى 25 بالمائة من عدد سكّان بعضها كما في حالة غازي عنتاب على سبيل المثال، وهم، بمعظمهم، ممن يقيمون في المجمّعات العقارية الكبيرة، وليس في بيوت مستقلة، وكون تلك المجمعات كانت الأكثر تضرُّراً من الزلزال، فالمقيمون فيها شكّلوا، بالتالي، النسبة الأكبر من ضحايا الزلزال المروّع الذي لم يُبقِ ولم يذَر. نسبة السوريين من بين سكّان تلك المباني والمجمعات البشرية كبيرة، ولعلها، في حالات بعينها، كبيرة جداً.

ثانياً: تغوَّل تأثير الزلزال فطال معظم مدن الشمال السوري ومحافظاته وصولاً لجبلة وحماة. وفي بعض المدن الأقرب إلى تركيا مثل عفرين وتابعتها جنديرس، وصل الدمار إلى ما يقترب من زوال المكان بجغرافيته ومساحته جميعها.

ثالثاً: بناءً على ما تقدّم، فحين نقول إن ضحايا الزلزال من الأتراك بلغوا، على سبيل المثال، 20 ألف شخص، فإن ربع هؤلاء هم من السوريين الذين كانوا لحظة وقوع الزلزال في المناطق التي عصف بها وأحال عمرانها إلى خراب. ما يعني أن الرقم الذي يخص السوريين حول الضحايا ينبغي أن يُضاف له الرُّبع المطروح من العدد التركي.

رابعاً: بعيداً عن الأرقام أعلاه، واحتمالية عدم دقّتها بشكل، أو بآخر، فإن الأثر النفسي الذي انتاب السوريين بسبب ما جرى، هو أضعاف ما تعرّض له أشقاؤهم الأتراك، فهم موجوعون قبل حدوث الزلزال، وكثير من ضحاياه، هم في الأصل هاربون من مناطقهم الأصلية داخل بلدهم سورية، أو مُجبَرون على مغادرتها، بعد تسويات روسيا الظالمة المنحازة، أساساً، للنظام و(جماعته). بعضهم يقيمون في أعزاز، على سبيل المثال، بعد طردهم من بلدتهم الأصلية قضاء حماة، أو ريف دمشق، أو حتى في الجغرافيا الأبعد في الجنوب السوري درعا وما حولها. وهو ما ينطبق، إلى ذلك، على كثير من ضحايا إدلب التي تحوّلت بعد التسويات إلى مجمَّع سوري جامع واسع تضمّ داخل حدودها، وحدود ريفها، زهاء خمسة ملايين سوري وربما أكثر. هؤلاء وأطفالهم كانوا خبروا الاستيقاظ على صوت قصف، أو على آثاره في بيوتهم نفسها وفي الأقرب لها من بيوت الأهل والأقارب. وهُم لم تكن قد شُفيت أرواح صغارهم بعدُ، من مشهد برميل قاتلٍ نازلٍ من السماء كأنه القدر الإجراميّ الوضيع الجبان الرخيص، وقد لا تُشفى بالنسبة لمن بقي منهم على قيد الحياة، أو على قيد وجهة موت جديدة.

خامساً: مرحلة التعامل مع آثار الزلزال، وتفاصيل ما بعده، تُشكّل في الحالة السورية، خصوصاً في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري، مأساة جديدة في ظل إدارة ظَهْر العالم لهم. أبطال الخوذ البيضاء أزالوا الركام بأيديهم في بعض الحالات، وبأظافرهم، وبأرواح رغبتهم إنقاذ طفلة، أو طفل، نادت، أو نادى عليهم من تحت الأنقاض تستغيث، أو يستغيث.

سادساً: حين تتحوّل مخيمات اللجوء (وهي في الحالة السورية كثيرة، بل وكثيرة جداً) إلى مكان أكثر أمناً من بيوت الحجر وجدران الأمان، فلنا أن نتخيّل كم هي المأساة سورية بامتياز. كثير من الزملاء الصحافيين كانوا يتجهّزون لإعداد تقارير عن برد المخيمات، وعن الموت في قلب الخيام المحاصرة بالثلج والجوع والنكران والنسيان، فإذا بالزلزال يُغيّر مخططاتهم، ويتركهم حَيارى مفطُوري الوجدان، وقد أدركوا أن عليهم في تلك اللحظة التراجيدية الفاصلة، ألَّا يبثّوا دعاية مضادة للمخيمات، فقد باتت مساحة نجاة!

سابعاً: عدم المبالاة الدولية وحتى الأممية بأنقاض السوريين التي هي في الحقيقة، ليست سوى لحمهم الذي كان، حتى قبل السادس من شهر شباط/ فبراير 2023، حيّاً، وأحلامهم التي كانت، قبل ذلك التاريخ، ممكنة، وأنّات أطفالهم ونسائهم وقلّة حيلة رجالهم. أقول إن عدم المبالاة هذه تفرض على السوريين مزيداً من القطيعة بينهم وبين العالم حولهم، وهو ما لا ينطبق على الحالة التركية، فعشرات الدول أرسلت لتركيا مساعداتها ورجال إنقاذها ومختلف أشكال تفاعُلها وتعبيرها عن تعاطُفها وهبّتها ونجدتها!!

عدم مبالاة تفقد السوريين الثقة بكل شيء وكل أحد وكل جدوى. تقتل منابت اليقين، وتُصعّد مفاعيل الغضب والغلّ والأسى.

ثامناً: في الحالة التركية أعلن رئيسها حالة الطوارئ (في الولايات المنكوبة على الأقل)، واستنفر منذ اللحظة الأولى طاقته وطاقة رئاسته وحكومته لعمل كل ما يلزم، وتحمّل المسؤوليات القانونية والإدارية والأخلاقية والوطنية نحو ضحايا الزلزال المباشرين وغير المباشرين، وتقديم كل ما يلزم لوجستيّاً ونفسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وصحيّاً. أما في الحالة السورية فقد ضحك رئيسهم حتى بانت أنياب جرائمه كَوْن الزلزال شكّل له ولعصابته فرصةً لإعادة التأهيل.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد