طبيب من مناطق الزلزال لـ"نداء بوست": كانت المَشاهد مُحزِنة في هاتاي
طبيب من مناطق الزلزال لـ"نداء بوست": كانت المَشاهد مُحزِنة في هاتاي
نداء بوست- حوارات ومتابعات- كندة الأحمد
انطفأت محركات الرافعات الثقيلة وانطفأ الأمل وعادت فِرَق الإنقاذ لبلادها، ومضى 14 يوماً على الكارثة المؤلمة وحانَ اليوم الأخير لتتوقف عمليات البحث عن ناجين كانوا على قَيْد الحياة يوماً. تحت الركام كانت هناك أصوات خافتة لم يَعُد يصدر منها أنين موجع، وأحلام كبيرة دُفنت مع أصحابها.
ما أصعب رؤية الأبنية المهدَّمة حيث كانت -ولا تزال- النوافذ مفتوحة والستائر تلوح في برد الشتاء القارس في بقعة الأناضول التي عبرت الحدود الجغرافية لتصل أوجاعها دولة أخرى، على صرخات كتمتها الجدران المتآمرة التي غدرت بساكنيها في لحظة غضب لم تكن هادئة في ليلتها، كان الزلزال صعباً على الجنوب ولم يمر مرور الكرام.
في عهدة الموت
في عهدة الموت اشتدت الرياح وسارع الناس لانتظار الأحبة ليلقوا نظرة الوداع الأخير بعد أن مرت أيام على سكونهم تحت الأنقاض الثقيلة التي هزمت إرادتهم للبقاء أحياءً من بين أشداق الجحيم هناك فارقوا الحياة مع عائلاتهم في مدينة الأشباح الفارغة.
انتشرت الطواقم الطبية في المكان وأصوات سيارات الإسعاف لا تتوقف... نداءات عاجلة وطائرات الهليكوبتر تحلق في السماء وكأن الأرض خُسفت بأهلها وأُشعلت مواقد النار ليتدفأ مَن هو في انتظار جثمان عزيز فارقه.
شهقت الأرض تاركةً وراءَها جيشاً غاضباً من عناصر الجيش والشرطة والأطباء الذين يسارعون لإنقاذ حياة المصابين الذين خرجوا بإصابات من تحت الأنقاض لا يستوعب أحد حجم الكارثة التي أصابتهم بذهول عند سماع البكاء المؤلم بعد فقدان الأحبّة لم يكن بالأمر السهل إطلاقاً.
عاد الأطباء من وسط الكارثة التي أصابت المناطق الجنوبية من تركيا وكانوا مرابطين لأيام عدة في نقاط طبية خُصصت لهم لمعالجة الجرحى الذين تم إخراجهم من تحت الأنقاض بأعجوبة النجاة من الموت.
يَروي الطبيب عبد الله الحسن لـ “نداء بوست" صعوبة المشهد الذي خيم على المنطقة عامةً حيث كان يتواجد في أحد المراكز الطبية في مدينة "هاتاي" التي شهدت دماراً شِبه كامل، يقول: هُرع العديد من الأطباء السوريين على الفور للمناطق التي ضربها الزلزال وانتشروا في كثير من المناطق المنكوبة سواء بجهد شخصي أو بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية أو عن طريق الدولة التركية، وكان لهم دور كبير في تقديم الإسعافات الأولية اللازمة للناجين من تحت الأنقاض بالإضافة لمساعدة المصابين من فِرَق البحث والإنقاذ والمتطوعين".
وأضاف د. “الحسن": كانت الأوضاع صعبة للغاية نتيجة اتِّساع الرقعة الجغرافية لمناطق الكارثة ونزوح ملايين من الناس الذين بقوا لأيام في العراء بالإضافة لشُحّ الخدمات الصحية واللوجستية التي زادت الأوضاع أكثر تعقيداً في ظل كارثة امتدت ووصلت لعشر ولايات".
الآثار النفسية تترك أثراً عميقاً
وبدوره يوضح د. “الحسن" لـ"نداء بوست" قائلاً: "رغم الألم وحجم الفاجعة التي أصابت الناس في المناطق المنكوبة إلا أننا التقينا في البداية عدداً كبيراً من السوريين بشكل خاص أثناء تواجُدنا في مدينة "هاتاي" وكان الأغلب صابراً محتسباً بفضل الله".
وتابع د. “الحسن" حديثه قائلاً: "الإصابات الجسدية للناجين من تحت الأنقاض لم تكن بالغة، الحمد لله وكان يتم التعامل معها بسرعة مع توفير أقصى درجات الرعاية الصحية حسب المتوفر عند النقاط الطبية المنتشرة حول أماكن الكارثة الكبرى الموجعة".
ويصف د. الحسن أن الآثار النفسية كانت أكثر صعوبةً وخصوصاً لمن فقَدَ بعضاً من أهله وذويه، وكذلك الأطفال الذين عاشوا لحظة الزلزال بخوف شديد وبقوا فترةً من الزمن تحت الأنقاض، كل هؤلاء يحتاجون للدعم النفسي والرعاية الخاصة من قِبل مختصين وأطباء لتجاوُز مرحلة "ما بعد الصدمة" والتي قد تؤثر عليهم مستقبلًا".
انتشار الأوبئة يثير المخاوف
ونوه د. الحسن بحديثه إلى مدى الخطورة التي تشكلها الجثث المتكدسة تحت الأنقاض قائلاً: الأمر الأكثر خطورة الآن هو انتشار الأوبئة في مناطق الزلزال وأسباب عديدة منها: “الجثث التي تحت الأنقاض، وقلة الخدمات الصحية من حمامات ودورات المياه وغياب دور الرعاية والعناية الشخصية بالإضافة للبرودة الشديدة التي تعرض لها الناس خارج المنازل وتواجد الآلاف من الناجين في مناطق صغيرة جداً، كل هذا يؤدي لانتشار أسرع للفيروسات والميكروبات والأمراض المعدية".
وأوضح د. “الحسن" أن هناك نصائح يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار لمن كان متواجداً في المناطق المنكوبة وهي تجنُّب الأماكن المزدحمة بالإضافة إلى توفير مياه نظيفة صالحة للشرب مع ضرورة إنشاء مرافق صحية بأسرع وقت ممكن للحفاظ على النظافة الشخصية والحد من انتشار الأوبئة بعد الآفة الطبيعية، كما يجب إعطاء الناجين جرعة مدعمة لتطعيم الكزاز (التيتانوس)".
وأوصى د. "الحسن" للحدّ من انتشار الأوبئة بالحرص على ارتداء الكمامة خاصة في الأماكن الضيقة والمكتظة بالناس، وأيضاً يجب غسل اليدين جيداً قبل تناوُل أي طعام، وعدم لمس الأنف والفم قدر الإمكان كما يجب المحافظة على النظافة الشخصية قدر الإمكان حسب المتوفر.
وختم د. "الحسن" حديثه قائلاً: بإمكان الأشخاص الذين قضوا فترات طويلة في البرد القارس أو تحت الأنقاض الذهاب إلى المستشفيات الحكومية وطلب جرعة تنشيطية من لقاح الكزاز أما المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة فعليهم الحرص على تناول العلاج بأوقاته ومراجعة أقرب مستشفى أو نقطة طبية عند الشعور بعدم الراحة".
تقول منظمة الصحة العالمية world health organization:
إنه يمكن أن تختلف التهديدات الصحية الناجمة عن الزلازل باختلاف حجم الزلزال، وطبيعة بيئة المباني "مثل السكن الفقير أو الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية"، والآثار الثانوية للزلزال، مثل أمواج التسونامي أو الانهيارات الأرضية. ويمكن أن تؤدي الزلازل إلى آثار فورية وطويلة الأجل على الصحة.
كالأمراض المعدية المرتبطة بالمياه فيمكن أن يتعرض الوصول إلى المياه الصالحة للشرب للخطر بسبب كارثة طبيعية. ويمكن أن تحدث فاشيات أمراض الإسهال بعد تلوُّث مياه الشرب.
فيما تشمل الآثار الصحية المتوسطة الأجل ما يلي: الالتهابات الثانوية للجروح غير المعالَجة وزيادة شدة المرض ومخاطر المضاعفات المرتبطة بالحمل والولادة بسبب عدم انقطاع تقديم خدمات التوليد والولادة الحديثة والمخاطر المحتملة للإصابة بأمراض سارية، ولا سيما في المناطق التي تعاني الاكتظاظ السكاني.
ولا شك في زيادة شدة المرض ومخاطر مضاعفات الأمراض المزمنة بسبب انقطاع العلاج وزيادة الاحتياجات النفسية الاجتماعية بالإضافة إلى التلوث البيئي المحتمل بسبب عوامل كيميائية/ إشعاعية بعد دمار البنية التحتية الصناعية.
وضرب الزلزال تركيا وسورية تحديداً في تمام الساعة 4:17 صباح يوم الاثنين 6 شباط/ فبراير مخلفاً وراءَه الآلاف من الضحايا والمئات من الجرحى ووصل عدد القتلى في تركيا إلى 41 ألفاً و156 شخصاً بحَسَب هيئة الطوارئ والكوارث التركية.