هل تتحوّل إسرائيل الآن من القصف العشوائي إلى الاغتيالات؟

هل تتحوّل إسرائيل الآن من القصف العشوائي إلى الاغتيالات؟

إن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على إسرائيل لحملها على تغيير سلوكها والتركيز على الضربات الدقيقة والاغتيالات، بدلاً من القصف العشوائي لقطاع غزة، من المحتمل أن تزيد من خطر تصاعُد الحرب إلى صراع إقليمي والتوسُّع إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط.
ويشير الخطر المتزايد إلى أن الجهود الأمريكية للسماح لإسرائيل بمواصلة محاولة تدمير حماس مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين قد تأتي بنتائج عكسية، وهذا من شأنه أن يؤكد كذلك على أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لمنع التصعيد، وحماية أرواح الأبرياء، وتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
الخلافات بين الحلفاء
على الرغم من المخاطر، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في زيارته الخامسة إلى تل أبيب منذ بَدْء الحرب، على "حقّ إسرائيل في منع حدوث هجوم يشبه ذلك الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر" في محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه "شدّد على أهمية تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين وحماية المنشآت المدنية وضمان توزيع المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء غزة". كان بلينكن يشير إلى هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 على أنه هو ما تسبب بالهجوم الإسرائيلي على غزة.
شكلت إشارة بلينكين إلى مرافق البِنْية التحتية أول انتقاد علني للولايات المتحدة للهجمات الإسرائيلية على المستشفيات والمدارس وغيرها من البِنْية التحتية المدنية في غزة. وفي إشارة إلى وجود خلافات مع بلينكن، لم يصدر مكتب نتنياهو بياناً بعد الاجتماع.
رغم ذلك فإن إحجام الولايات المتحدة عن الذهاب إلى ما هو أبعد من الضغط اللفظي، من خلال التهديد بعواقب إذا امتنعت إسرائيل عن الاستجابة لنصيحة الولايات المتحدة، ربما ينبع من اعتقاد مفاده أن النفوذ الأمريكي على إسرائيل قد تضاءل بمرور الوقت على المستويين الاقتصادي والسياسي، ففي العقود الماضية، بلغ الدعم المالي الأمريكي جزءاً كبيراً من ميزانية إسرائيل، أما الآن، فإن مساهمة الولايات المتحدة السنوية البالغة 3.8 مليار دولار تشكّل أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل الذي يتجاوز نصف تريليون دولار. علاوة على ذلك، تنتج إسرائيل اليوم العديد من أسلحتها الأساسية محلياً، مما يجعلها أقل اعتماداً على مشترياتها من الأسلحة الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، توصلت إسرائيل في عام 1991 إلى أنها لم تَعُدْ قادرة على الاعتماد بشكل أعمى على الحماية الأمريكية؛ لأن الولايات المتحدة لم تهبّ لمساعدتها عندما أطلق العراق صواريخ سكود على الدولة اليهودية أثناء حرب الخليج. على الرغم من استمرار اعتمادها على حق النقض الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتعاون العسكري، عملت إسرائيل على زيادة هامش الاستقلال الذاتي، مثلما فعلت دول الخليج بعد ثلاثة عقود بعد فشل الولايات المتحدة في الرد على هجمات إيران على بِنْيتها التحتية الحيوية في أعوام 2016 و 2019 و 2020.
حملة الاغتيالات المُركَّزة التي تشنّها إسرائيل
ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل، بناءً على معلومات استخباراتية مُفصّلة ودقيقة ومُحدّثة، قد استجابت للضغوط الأمريكية من خلال تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال بالاستهداف، بما في ذلك عناصر من حزب الله، والميليشيا الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، ومتزعم الحرس الثوري الإيراني في سورية ومسؤول كبير في حماس في بيروت.
في التاسع من كانون الثاني/ يناير، استهدفت القوات الإسرائيلية سيارة في جنوب لبنان تُقلّ ثلاثة من عناصر حزب الله شمال الشريط الضيّق على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهو المكان الذي تم احتواء الأعمال العدائية مع الجماعة اللبنانية فيه حتى الآن. لقد وقع الهجوم، وهو الثاني خلال 24 ساعة، بينما كان بلينكن يناقش الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية مع نتنياهو وأعضاء حكومته الحربية.
استهدفت إسرائيل سيارة ثانية، بعد ساعات من الهجوم، بالقرب من منزل وسيم الطويل، وهو قائد كبير في حزب الله قُتل مع مقاتل آخر من الجماعة في هجوم بطائرة بدون طيار في الثامن من كانون الثاني/ يناير، أثناء تنقُّلهم بالسيارة، حيث تم استهداف السيارة أثناء دفن الطويل.

قال وزير الخارجية الإسرائيلي المعيَّن حديثاً إسرائيل كاتز Israel Katz: "إننا نستهدف عناصر حزب الله والبِنْية التحتية والأنظمة التي أقاموها لردع إسرائيل"، وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتقليص قصفها لغزة – الذي أودى بحياة أكثر من 24 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء – وسحب قواتها من القطاع، والتركيز على الأهداف العسكرية فقط.
ويهدد مقتل كبار قادة حزب الله وحماس والقادة الإيرانيين بدفع القوات المدعومة من إيران إلى الانتقام بطرق يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الأعمال العدائية خارج غزة وخارج الشريط الحدودي الضيّق للغاية بين إسرائيل ولبنان، وفي إشارة إلى كيفية تصاعُد الأعمال العدائية، هاجم حزب الله قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية جنوب الشريط في الثامن من كانون الثاني/ يناير انتقاماً لاغتيال صلاح العاروري، أحد كبار مسؤولي حماس، الأسبوع الماضي في بيروت.
من المحتمل أن يكون لحقيقة أن غالبية عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل كانت لعناصر من حزب الله علاقة كبيرة بالجهود الأمريكية والفرنسية والألمانية لمنع تصعيد الهجمات بين إسرائيل وحزب الله والتفاوض على ترسيم نهائي لحدود البلدين، وقد رفض حزب الله المطالب الإسرائيلية بالانسحاب إلى خط شمال الحدود وراء نهر الليطاني، وقال حزب الله أيضاً: إنه لن يوافق على محادثات ترسيم الحدود التي تجريها الحكومة اللبنانية إلا بعد أن تُوقِف إسرائيل هجومها على غزة وتقبل وقفاً دائماً لإطلاق النار.
هددت إسرائيل بدفع حزب الله عسكرياً إلى العودة إلى نهر الليطاني إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، وفي زيارة هذا الأسبوع للقوات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، حذر نتنياهو قائلاً: "إذا اختار حزب الله بَدْء حرب شاملة فسوف يحوّل بيروت وجنوب لبنان إلى ما يشبه غزة وخان يونس".
يبدو أن الهجمات الإسرائيلية على حزب الله تهدف إلى إجبار الحزب على الاختيار بين الانسحاب أو إشعال حرب شاملة لا يستطيع لبنان المفلس تحمُّلها ولا يريدها الكثير من اللبنانيين. وقد أشار زعيم حزب الله حسن نصر الله إلى أنه لا يسعى إلى تصعيد الأعمال العدائية، لكن حزبه مستعد إذا اختارت إسرائيل شنّ حرب شاملة.
قد يكون تركيز إسرائيل الواضح على عناصر حزب الله أيضاً بسبب عدم قدرتها حتى الآن على القضاء على كبار قادة حماس في غزة، بما في ذلك يحيى السنوار، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب.
في الأسبوع الماضي، تعهد ديفيد بارنيا David Barnea، رئيس جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي، الموساد، بمطاردة كل أعضاء حماس المتورطين في هجوم الجماعة في السابع من أكتوبر على إسرائيل، بغض النظر عن مكان وجودهم. وقارن بارنيا عملية المطاردة بملاحقة إسرائيل لمنظمة أيلول الأسود الفلسطينية بعد أن هاجمت الفريق الإسرائيلي في أولمبياد ميونيخ عام 1972 وقتلت 11 رياضياً.
في الشهر الماضي، قال رونين بار Ronen Bar، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي شين بيت: إن إسرائيل ستلاحق حماس في لبنان وتركيا وقطر حتى لو استغرق الأمر سنوات. "سنعتبر هذا الهجوم بمثابة عملية ميونيخ الخاصة بنا؛ سنفعل ذلك في كل مكان، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، وفي قطر. سيستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا سننجز هذه المهمة”.
وبينما لم تنتقم حماس بعد لمقتل العاروري، حذّر مسؤول كبير من أنها قد توسّع الحرب إلى ما هو أبعد من إسرائيل وفلسطين إذا استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل. "يحتاج الغرب بشكل عام، وحكومة الولايات المتحدة بشكل خاص، إلى إعادة النظر في موقفهما؛ لأن هذا سيكون له عواقب، إذا أصرّت الولايات المتحدة على موقفها، فإن أمتنا بأكملها ستنظر إليها، وستعاملها، كعدو. وقد قال المسؤول في حماس سامي أبو زهري: هذا الصراع يمكن أن "يتجاوز حدود فلسطين، ويمكن أن يتوسع في نطاقه".
وتزامن تحذير السيد أبو زهري مع دعوة تنظيم الدولة الإسلامية لشنّ هجمات منفردة على أهداف مدنية في أوروبا والولايات المتحدة، بما في ذلك الكنائس والمعابد اليهودية.

المصدر: Fair Observer
بقلم: جيمس دورسي
ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد