من يحكم البحار يحكم العالم: أزمة البحر الأحمر ستكشف إن كان ذلك صحيحاً
استيقظنا جميعنا يوم الجمعة على أخبار الضربات الجوية الأمريكية/البريطانية على اليمن، حيث ظهرت بكثافة على شاشات التلفزيون صور القاذفات التابعة لسلاح الجو الملكي RAF وهي تقلع ليلاً من أجواء منطقة البحر المتوسط، وانفجارات عشوائية تضيئ سماء المنطقة بشكل متطقع، في مشهد يبدو وكأنه جزء في لعبة فيديو بطيئة الحركة، ولكن ذلك المشهد كان حقيقياً له أهدافاً استراتيجية، وأشخاص حقيقيون هم طيارون بريطانيون وأمريكيون يخاطرون بحياتهم، وأشخاص يمنيون مستهدفون على الأرض.
إنها مجموعة من الصور المألوفة التي تسبب لنا قلق شديد، تذكرنا بقصف الولايات المتحدة/المملكة المتحدة/فرنسا لسورية في عام 2018، والقصف البريطاني-الفرنسي لقوات معمر القذافي في ليبيا في عام 2011، وحملة "الصدمة والرعب" “shock and awe” في العراق في عام 2003، وهي مجموعة من الأحداث التي انتهت بكوارث، ولكن بالرغم من ذلك فلا يمكن القول أن الأمر كان أفضل في الأمور التي لم يحدث فيها أي تدخّل كما حدث بالنسبة للضربات الجوية المقترحة التي كان من المفترض أن تقودها إدارة أوباما من الولايات المتحدة/المملكة المتحدة/فرنسا ضد قوات بشار الأسد بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية ضد شعبه في عام 2013.
في شهر آب/أغسطس 2013، كنت مستشاراً للأمن القومي في المملكة المتحدة، وأتذكرجيداً تواجدي في الطابق السفلي من مبنى مكتب رئيس الوزارة البريطاني، واستماعي إلى مكالمة هاتفية من باراك أوباما إلى ديفيد كاميرون، حيث كان الاقتراح الأمريكي محدوداً وهو القيام بشن ضربات جوية "جراحية" على قوات الحكومة السورية، إن أمكن، في أقرب وقت ممكن مساء الأحد، لكن مفتشي الأمم المتحدة كانوا لا يزالون في سورية، وتأخر خروجهم، مما أتاح الوقت لمناقشات مجلس الأمن القومي والحكومة، وبشكل عاجل، دعوة البرلمان للانعقاد.
كما تبيّن، فقد كان من المخطط تنفيذ عملية عسكرية، فقدقامت وزارة الدفاع والجيش البريطاني بدراسة الخطط والأهداف الأمريكية بعناية وخلصوا إلى أن الاقتراح، بعيداً عن عملية "الصدمة والرعب"، كان محدوداً للغاية، وجراحياً للغاية، وإشارة غير صارمة بما فيه الكفاية للأسد. قامت وزارة الخارجية بتحليل التفاعل الدولي المحتمل وقام القانونيون بالتحضير للقضية من أجل لعمل بما يتوافق مع القانون الدولي. في مجلس الأمن القومي البريطاني، تحدث وزراء الحكومة بالتناوب وبجديّة، إذ أن معظمهم أيّدوا، واثنان ترددوا في تأييد العملية. ولكن مع ذلك، في النهاية، ماذا كانت قيمة ذلك؟ في مجلس العموم، صوت النواب لتبرئة ضمائرهم عن دعمهم لغزو العراق عام 2003 وفشل تأييد القرار وكانت هذه المرة الأولى التي خسرت فيها الحكومة البريطانية تصويتاً على العمل العسكري منذ عام 1782.
وبعد بضعة أيام، تخلى أوباما عن خططه بشأن الضربات الجوية الأمريكية، واستقر على صفقة تتضمن وعوداً سورية بتسليم مخزونات الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها، وأكد أوباما في وقت لاحق أن هذا كان واحداً من أفضل القرارات التي اتخذها على الإطلاق، بالرغم من أن مذكرات ديفيد كاميرون توضح وجهة نظر مختلفة تماماً. في نهاية المطاف، حصلت حكومة الأسد في حربها التي تشنها على شعبها على أفضلية وتقدم من خلال التدمير الشامل للبلاد، في حين وسعت روسيا وإيران نفوذهما وسطوتهما. لقد رأى البعض في ذلك نقطة تحوّل استراتيجية لم يتعاف منها الغرب قطّ، لذا فإن السوابق التاريخية غير مشجعة، فقد أدّت التدخلات إلى تورط القوات الغربية في حروب لا نهاية لها على ما يبدو، بالإضافة إلى الإنسحاب من الأراضي ومنح أفضلية لأعدائنا.
لكن، هل يمكن أن تكون القصة مختلفة هذه المرة؟ إن الحجة التي تدعو إلى اتخاذ إجراء هي حجّة مُقنعة وقوية، لأن نحو 15% من التجارة العالمية تمرّ عبر البحر الأحمر، فهجمات الحوثيين لا تستهدف سفن الشحن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية فحسب، وإنما مثل تلك الهجمات العشوائية تستهدف كل من يمر، وكذلك فإن إرسال سفن الشحن حول طريق رأس الرجاء الصالح الأطول يزيد بشكل كبير من تكاليف الشحن. ووفقا لمحلل الشحن البحري المقيم في كوبنهاجن، بيتر ساند Peter Sand، فإن قيمة الوقود الإضافي لكل رحلة تبلغ مليون دولار. تظهر هذه التكاليف الإضافية عند التسوق وتهدد بتجدد التضخم ومن شأن هذا الواقع أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية على جانبي المحيط الأطلسي.
لقد تراجعت تقييمات بايدن جزئياً بسبب اليأس واسع النطاق بشأن الاقتصاد الأمريكي، في حين يواجه المحافظون ظروفاً صعبة تشمل نمواً منخفضاً إلى معدوماً، وأزمة تكلفة المعيشة، وارتفاع تكاليف الطاقة والرهن العقاري والتضخم.
هل يبدو أكيداً أن اثنتين من أقوى القوات الجوية وأكثرها تقدماً في العالم يمكنها التغلب على نحو 20 ألف مقاتل من ميليشيا الحوثي؟ حسناً ربما نعم يمكنها فعل ذلك، ولكن علينا أن نعلم أن السعوديين والإماراتيين، بطائراتهم الباهظة الثمن والمزودة من الغرب، كانوا قد أمضوا سبع سنوات وهم يقصفون الحوثيين، بدون جدوى، لأنهم لم يستطيعوا أن يلحقوا بهم هزيمة تجبرهم على الاستسلام للتفاوض.
من المؤكد أن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية ستلحق أضراراً كبيرة بقدرات الحوثيين، حيث ستدمر محطات الرادار ومراكز القيادة والسيطرة ومخزونات الطائرات بدون طيار والصواريخ والمروحيات، لكنهم لن يحققوا كل شيء. يبدو أن الإيرانيين مستعدون لدفع تكاليف إعادة تزويد ذراعهم في اليمن بالمُعدّات إلى أجل غير مسمى، فبعض أسلحة هذه الحرب بالذات، مثل الطائرات بدون طيار والقوارب الصغيرة السريعة، غير مكلفة ويمكن الحصول عليها بكميات كبيرة، كما أن هذه الأسلحة يمكن أن تلحق ضرراً كبيراً بالسفن الغربية الكبيرة وعالية التكلفة.
كل هذا يعني أن فرص تحرك الولايات المتحدة ليست كبيرة لأن تحرك السفن الحربية الأمريكية التي يبلغ عددها 20 سفينة في شرق البحر الأبيض المتوسط والخليج سيُكلّف المليارات ويعلم الأمريكيون أن معظم الشحنات التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس متجهة إلى الموانئ الأوروبية، وليس الولايات المتحدة.