محمد سرميني حول مشاركة الأسد في قمة جدة: القضايا العادلة لا تسقط بالتقادم
يشارك رأس النظام بشار الأسد اليوم الجمعة في القمة الثانية والثلاثين للجامعة العربية في جدة، حيث تُعَد هذه أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية منذ اندلاع الثورة السورية ضده في عام 2011. وتُعَد هذه المشاركة بمثابة إشارة لإعادة إدماج النظام ودفعة كبيرة في تعويمه دولياً لا سيما أن السعودية هي التي تقف وراء الخطوة.
وكان حضور النظام في القمة ممكناً بسبب عدد من العوامل، منها إضعاف المعارضة السورية من قبل حلفائها الدوليين، ودعم إيران وروسيا للنظام ورغبة بعض الدول العربية في إنهاء ملف الثورة السورية وتبعاتها بأي طريقة لا سيما أنها كانت الأطول والأكثر تأثيراً في الإقليم والأعلى تكلفة على مستوى الأرواح.
ومن الأسباب التي ساعدت بشار الأسد في حضوره القمة هي تزامنها مع تحوُّل أوسع في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، والتي شهدت سعي المملكة لتحسين العلاقات مع منافسيها الإقليميين بما في ذلك إيران وتركيا.
وقُوبلت مشاركة الأسد في القمة بردود فعل متباينة حيث رحّب بعض القادة العرب بعودته إلى الحظيرة، بينما أعرب آخرون عن قلقهم بشأن سجله الأخلاقي، حيث تحفظت قطر على قرار عودة النظام إلى الجامعة دون اشتراط حل سياسي يحقق تطلعات السوريين.
حول هذا الموضوع قال مدير مركز "جسور للدراسات" محمد سرميني لـ"نداء بوست": لا شك أن اليوم هو يوم مؤلم للكثير من السوريين، وخصوصاً عندما يرون أن النظام السوري وقاتلهم بشار يتم إعادته إلى حضن العرب سواء كان في الجامعة العربية أم من خلال العلاقات الثنائية، وكيف أن هذا الشخص رغم كل جرائمه الموثقة خلال الـ 12 سنة الماضية يتم إعادة استقباله.
مضيفاً أن "هذه مشاعر طبيعة يشعر بها كل من ناضل من أجل استقرار سورية وتحريرها من الاستبداد ومن الطغمة الحاكمة وهي مشاعر ملايين السوريين الذين تضرروا بشكل مباشر والذين تعرضوا لأكبر جريمة عرفها التاريخ الحديث من تدمير وقتل واعتقال وتهجير".
وأوضح سرميني "لكن عندما نخرج من إطار المشاعر والأحاسيس تجاه هذا الحدث ونذهب إلى القراءة السياسية الناضجة والعاقلة لما يجري، لا بد أن نشير إلى أن الجامعة العربية هي ليست مؤسسة ذات ثقل سياسي هي عبارة عن منتدى -إن صحت التسمية- يجتمع فيه قيادات الأنظمة العربية للمناقشة، لكن لا يوجد أي قرارات إلزامية ولا وحدة صف، ولا يوجد أي وحدة مشروع سياسي، أو اقتصادي، أو أمني، أو مشروع متكامل عربي تحت مظلة الجامعة العربية وهذا أيضاً مؤلم لنا كشعوب عربية".
ورأى سرميني أن "في كثير من الأحيان تكون هذه الاجتماعات ليست انعكاساً لحقيقة طبيعة العلاقات بين الدول العربية، وتاريخياً هناك العديد من المواقف حصل فيها اجتماعات قمم حضرها زعماء عرب ثم بعد ذلك انقلبوا على بعضهم البعض لأنهم ليسوا على وفاق، بالتالي فإن مشاركة النظام في قمة جدة اليوم أو عودته إلى الجامعة العربية لا تعني بالضرورة أن الدول على وفاق تام معه".
المصالح دفعت بعض الدول للتطبيع من النظام السوري
ولفت سرميني إلى أن كل دولة من الدول العربية عندما طبّعت علاقاتها مع النظام كان لديها مصالح خاصة، سواء سياسية أم اقتصادية أم أمنية، ما يؤكد فرضية أن عودة النظام للجامعة العربية لن تنطوي بالضرورة على إعادة إنتاج له أو إحيائه ذلك أن الأنظمة العربية ليست على وفاق معه".
وأضاف في هذا الخصوص "هنالك عامل آخر مهم هو أن هذا الحراك السياسي الذي جعل من الشأن السوري يعود للواجهة ويطفو إلى السطح من جديد يخلق بالنسبة للكثير من السوريين بكل أطيافهم هامشاً كبيراً وواسعاً ومساحات تحرك للقول بكل قوة وبأس: إن الملايين من السوريين ما زالوا يرفضون هذا النظام المجرم ولم يتغير شيء، ولن يقبلوا إلا بحلّ سياسي عادل وبالتالي فهم مستمرون بعملية النضال بأشكاله المختلفة".
لافتاً إلى أن السوريين -لا شك- يحتاجون للقيام بمراجعات جادة وحقيقية مرتبطة بشكل أساسي بمفهوم الثورة ونضالهم لمدة 12 عاماً متصلة من أجل الحرية والخلاص من الاستبداد.
الخيارات واسعة
وحول ماذا بقي للسوريين للفعل في ظل هذه المستجدات المعقدة قال سرميني "ما زال لدى الشعب السوري خيارات واسعة، كل النضال الذي قاموا به ما زال حقيقياً ويستحق الاستمرار"، مشيراً إلى أن "الدول العربية وبعض الأشقاء العرب الذين يظنون أن القضية السورية انتهت وأن الأمر بحاجة إلى قراءة واقعية، نكرّر لهم أن القضايا العادلة لا تسقط بالتقادم، والرغبة الصادقة بالتغيير من أجل سورية والمحيط ستؤتي أُكلها ولو بعد حين، وشرارة التغيير التي انطلقت ما زالت موجودة ولم تنطفئ".
مؤكداً أن القضية السورية ما زالت حاضرة وحيّة على الأقل في صدور أبنائها، وكل التحوُّلات الإقليمية التي تجري حالياً ليست مستقرة، وربما نشهد خلال فترة قريبة تغيُّراً كبيراً ومتسارعاً في مواقف "الدول المطبّعة"، وليس فقط على المستوى السياسي وإنما على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المرتبطة بالنظام الذي هو في حقيقته مُهترِئ دمّر سورية وجعل أهلها مُثقلِين بالجِرَاح.
ولا يمكن عزل القمة العربية في السعودية عن التطورات العالمية التي كانت أحد أسباب دفع الدول العربية إلى إنهاء المسألة السورية، ولا سيما الحرب الأوكرانية التي قسمت العالم بين معسكرين داعم لأوكرانيا ومؤيد لروسيا.
وأشار مراقبون إلى توجه السعودية للتطبيع مع بشار الأسد وخفض التصعيد مع إيران وإنهاء حرب اليمن يندرج ضمن مخاوفها من تراجع الدور الأمريكي في المنطقة ومحاولة الرياض التقرب من روسيا والصين.
لكن المفاجأة التي ظهرت قبل ساعات من انعقاد القمة تربك كل الحسابات الإقليمية وتضع أسئلة حول الحراك السعودي حيث تمثل دعوة الرئيس الأوكراني إلى القمة في وجه بشار الأسد تعقيداً يضاف إلى ملفات اجتماع جدة.
مفاجأة غير متوقعة لبشار الأسد
وقالت مصادر شبكة "CNN" الأمريكية: إن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي سيحضر القمة العربية في جدة وسيُلقي خطاباً أمام الزعماء العرب.
وكان زيلينسكي من أشد المنتقدين للنظام ودوره في الحرب ودعا زيلينسكي في السنوات الأخيرة إلى محاسبة نظام الأسد على جرائمه والسماح للشعب السوري بتقرير مستقبله
وقال زيلينسكي: إن نظام الأسد هو "ديكتاتورية وحشية ارتكبت جرائم حرب ضد شعبها". كما قال: إن للشعب السوري الحق في الحرية والديمقراطية ويجب محاسبة نظام الأسد على جرائمه.
كما قدم زيلينسكي مساعدات إنسانية للشعب السوري، وأرسلت أوكرانيا بعد الزلزال المدمر قافلة إلى إدلب.
واشتد عداء الرئيس الأوكراني لبشار الأسد بعد أن وصفه الأخير بالمهرج، وقال في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سولوفيوف" التلفزيونية الروسية: "لم أكن أعرف أي شيء عنه، بدأنا نستمع إليه كمهرج. اقتباساته تشبه التهريج، لقد أحببناها بشكل عام، والطريقة التي يتصرف بها مثل الممثل الكوميدي حتى في السياسة".
وعقب ذلك فرض زيلينسكي عقوبات ضد بشار الأسد ستستمر مدة 10 سنوات، وتستهدف أصول الأسد في أوكرانيا وتحظر أي معاملات تجارية معه. كما استهدفت العقوبات رئيس حكومة الأسد حسين عرنوس ووزير خارجيته فيصل المقداد.