لوموند: من الأسد إلى نتنياهو ومن حماة إلى غزة.. سياسة واحدة لإخضاع المدن العربية
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالاً للأستاذ الجامعي جان بيير فيليو، قارن فيه بين سياسة رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد لإخضاع مدينة حماة عام 1982، والسياسة التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإخضاع قطاع غزة في الوقت الحالي.
وقال فيليو في تقرير ترجمه "نداء بوست" إن دكتاتورية الأسد، في عهد الأب حافظ عام 1982 ثم تحت حكم ابنه بشار منذ عام 2000، تعامل السوريين كجيش احتلال جاهز لارتكاب أسوأ الانتهاكات في حالة وجود تهديد للوضع الراهن الملائم لسيطرتها.
من حماة إلى غزة
بهذا المعنى، يقول الكاتب: "يمكن بشكل مشروع عقد مقارنة بين الإرهاب الذي أطلقه نظام الأسد ضد حماة في عام 1982، والإرهاب الذي لا يرحم بنفس القدر الذي مارسه الجيش الإسرائيلي ضد غزة، بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يتعلق باستعادة شكل من أشكال "الردع" ضد التهديد الذي يُنظر إليه على أنه تهديد وجودي، من خلال العنف الشديد.
كما أنه في كلتا الحالتين، يتم تدمير المدينة بشكل منهجي باعتبارها مركزاً لمثل هذا التهديد.
وأيضاً في كلتا الحالتين، يدفع السكان المدنيون ثمناً باهظاً لهذه "الأعمال الانتقامية" التي تشبه العقاب الجماعي.
ومع ذلك فإن الاختلافات بين حمامَي الدماء واضحة، حيث إنه لم يتم الكشف عن عمليات القتل في حماة للعالم الخارجي إلا بعد فترة طويلة من الهجوم الذي شنه النظام السوري، دون بث أي صور.
كذلك إن معاناة غزة تحدث خلف أبواب مغلقة، ولكنها تعيش لمدة خمسة أشهر ونصف، مع طوفان من الصور الساحقة التي لا جدال فيها على الشبكات الاجتماعية.
لقد سحق حافظ الأسد مدينة حماة، وحرص على عدم إشراك حليفه السوفياتي المخلص، في حين يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة بفضل الدعم العسكري المتواصل من الولايات المتحدة.
على أية حال، فإن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، على الرغم من سخريته، لم يكن ليجرؤ أبداً على وصف دعمه لدكتاتورية الأسد بأنه "إنساني"، في حين أن واشنطن لا تقدم المساعدة عن طريق البر أو البحر لجيب يعذبه الجوع، فقط من أجل الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في عملياته البرية.
عقد مظلم
أحدث تدمير حماة ما أراده حافظ الأسد من صدمة دائمة للشعب السوري، وفي عهد نجله بشار الأسد عندما وقع جزء من مدينتَيْ حمص وحلب في أيدي الفصائل المعارضة بعد عام 2011، لم يتم كسر المقاومة في حلب، رغم القصف العشوائي الذي لا تزال آثاره مثل الجروح الغائرة التي ترمز للانتقام الدكتاتوري، إلا بفضل دعم القوات الجوية الروسية التي حولت المدينة إلى ساحة من الأنقاض.
مثل هذا التدمير المنهجي لمراكز الحضارة لا يمكن ارتكابه إلا باسم "الحرب على الإرهاب" التي يُفترض أنها تبرر جميع الانتهاكات، ولذلك كان بشار الأسد راضياً عن نفسه بفعل "الحرب على الإرهاب" التي تلغي أي تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.
أما بالنسبة لنتنياهو، فقد ظل يكرر لأكثر من 40 عاماً ضرورات "الحرب على الإرهاب" التي بحكم تعريفها لا تغتفر، وقد سمح له مثل هذا الخطاب هو الآخر بتوسيع نطاق دعمه إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية.
وهكذا تم تدمير أكثر من نصف غزة، وهي أكثر المدن الفلسطينية اكتظاظاً بالسكان ومدينة مليئة بالتاريخ والذاكرة، أمام أعين العالم أجمع، في تماثل بين مساعي الدكتاتور السوري والمحتل الإسرائيلي لإخضاع السكان المحرومين من كل أنواع الحماية المادية والرمزية بأشد أنواع القسوة.