كيف أصبح حزب العُمّال الكردستاني سوريّاً؟ 

كيف أصبح حزب العُمّال الكردستاني سوريّاً؟ 

لقد شنّ حزب العُمال الكردستاني (PKK) حملة إرهابية ضد تركيا لعقود واستخدم إستراتيجيات متعددة، ولكن جانباً واحداً بقي ثابتاً ولم يتغير خلال هذه الفترة على الأقل حتى الآن، وهو أن الإرهابيين الذين يحملون جوازات سفر تركية كانوا دائماً هم مَن يهيمن على تنظيم حزب العُمال الكردستاني، ولكن بسبب التطوُّرات الحاصلة في سورية، بدأت الكتلة البشرية الرئيسية للتنظيم تتجه لتكون سورية.

سبب تحوُّل الكتلة البشرية الرئيسية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي من تركيا إلى سورية:

عند النظر إلى قيادة قنديل لتنظيم حزب العُمال الكردستاني وأعضائه المؤسِّسين، نجد أن جميعهم وُلدوا في تركيا، وكما هو حال القياديين، فقد كان أعضاء التنظيم أيضاً أكراداً من تركيا.

كان التنظيم يعتمد دائماً على عدة مجندين من تركيا، ولكن بسبب مجموعة من السياسات التركية تم تغيير هذه الدينامية.

لقد انخفض عدد الأشخاص الذين انضموا إلى حزب العُمال PKK من تركيا من عدد كبير يبلغ 5558 في عام 2014 إلى 48 فقط في عام 2021، ويعتمد هذا الانخفاض الحادّ على سببين رئيسييْنِ:

السبب الأول هو السياسات التي تتبعها الحكومة لتلبية احتياجات ومطالب الأكراد في تركيا، فلم تَعُد اللغة الكردية، تحت رئاسة رجب طيب أردوغان، محظورة، وتم منح الحقوق الثقافية على نطاق واسع لهم. لقد شهدت المناطق ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي تركيا تطوُّراً اقتصادياً كبيراً، كما تمكّنت الحكومة التركية من معالجة معظم الأسباب الجذرية التي دفعت الأكراد في تركيا للانضمام إلى تنظيم حزب العُمال.

السبب الثاني: هو تعزيز الأمن في المناطق التي يعيش فيها الأكراد بشكل رئيسي في تركيا، فقد نجح الجيش التركي في طرد تنظيم حزب العُمال إلى خارج الحدود التركية، وقام كذلك بنقل القتال إلى العراق وسورية المجاورين.

لم يَعُدْ تنظيم حزب العُمال يمتلك اتصالاً مباشراً مع السكان المحليين في تركيا، وبالتالي أصبح من الأقل احتمالاً أن يجند أعضاءً جدداً عن طريق اختطافهم أو التلاعب بهم وبعقولهم.

ماذا يقدم النظام السوري لوحدات حماية الشعب الكردي YPG التي يدعمها حزب العُمال الكردستاني؟

بينما تم قطع الشريان الذي يمدّ حزب العُمال الكردستاني في تركيا بالعنصر البشري، قدمت بيئة الحرب في سورية لحزب العُمال الكردستاني فرصة جديدة.

لقد مرت 12 سنة منذ أن قام النظام السوري بتسليم المناطق ذات الأغلبية الكردية في سورية إلى الفرع السوري لحزب العُمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب.

وبمساعدة الولايات المتحدة منذ عام 2014، وسّعت جماعة YPG سيطرتها على الأراضي بما يتجاوز أحلامها، ومؤخراً منعت الحماية الروسية منذ عام 2019 أي عملية برية ضد وحدات حماية الشعب.

في غضون هذه السنوات، أنشأت وحدات حماية الشعب نموذجاً للحكم يقوم على الكونفيدرالية الديمقراطية، وهو النموذج الماركسي الذي تبناه مؤسس حزب العُمال الكردستاني عبد الله أوجلان ورسخ سيطرته في المنطقة.

وعلى مر السنين، هيمنت جماعة YPG على قسد، وجنّدت الآلاف في صفوفها، إما عن طريق التجنيد القسري أو عن طيب خاطر من خلال تقديم الدعاية والحوافز المالية.

إن الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، فضلاً عن الدمار الشامل الناجم عن الحرب، يوفر لوحدات حماية الشعب مجموعة كبيرة من العناصر لتجنيدهم.

وبفضل الرواتب التي تدفعها الولايات المتحدة، تستطيع وحدات حماية الشعب تقديم حوافز مالية كبيرة للمجندين.

بالإضافة إلى ذلك، تفرض الجماعة منهجاً غير مقبول في أي مكان في العالم، بما في ذلك سورية، والذي يؤيد أيديولوجية حزب العمال الكردستاني وتكتيكاته.

تغيير القيادة في وحدات حماية الشعب

يظهر التغيير في الكتلة البشرية أيضاً داخل الرتب العليا لوحدات حماية الشعب، وفي حين يهيمن الأكراد من تركيا على القيادة الحالية، فإن الشخصيات القادمة والصاعدة هم سوريون، فأسماء الإرهابيين الجدد البارزين مثل مظلوم عبدي، وإلهام أحمد، ومحمود برخدان، وباهوز أردال، وليلى قهرمان، كلها سورية، ليست بالصدفة بل بسبب التغيير الهيكلي في التنظيم.

كذلك فإن الضربات التركية بطائرات بدون طيار في العراق والتي قتلت قادة متوسطين وكباراً في حزب العمال الكردستاني تؤكد هذا التغيير، فحتى شهر أيلول/ سبتمبر 2022، كان نصف الأهداف التي تم القضاء عليها فقط من الأكراد الأتراك، وأغلبية النصف الآخر من الأكراد السوريين، ولذلك فإن معدل الأكراد من تركيا انخفض انخفاضاً صارخاً عما كان عليه الحال في الماضي.

وعلى النقيض مما كان يحدث في الماضي، فإن حزب العمال الكردستاني يستخدم الأكراد السوريين على الجبهة السياسية أيضاً، فالمظلة السياسية لوحدات حماية الشعب، هي "مجلس سورية الديمقراطي" (مسد)، لديها مكتب في واشنطن وقد وقعت عقداً بقيمة 50 ألف دولار مع شركة الضغط الشهيرة Brownstein Hyatt Farber Schreck، ويمكن رؤية أنماط مماثلة لهذه الشركة في أوروبا أيضاً.

إن الشراكة الأمريكية مع جماعة YPG توفر لحزب العمال الكردستاني تجاوُزاً لتصنيفه الإرهابي.

ومن بين الأحزاب الكردية الشرعية أيضاً، تستخدم جماعة حزب العُمال الكردستاني فرعها السوري، وبهذه الطريقة، فإن العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي ووحدات حماية الشعب تُعتبر حيوية.

وقد صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قائلاً: "لن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات إذا لم يغير الاتحاد الوطني الكردستاني موقفه الداعم لحزب العُمّال الكردستاني على الرغم من عقوباتنا ضدّ السليمانية في العراق".

كما تُظهر الغارة التركية بطائرة بدون طيار في نيسان/ إبريل والتي أخطأت مظلوم عبدي في السليمانية، أن الأكراد السوريين يلعبون نفوذاً متزايداً داخل جماعة حزب العُمال الكردستاني.

المصدر: وكالة الأناضول

ترجمة: عبد الحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد