صناعة الأساطير الروسية في سورية نموذجاً للفظائع في أوكرانيا

صناعة الأساطير الروسية في سورية نموذجاً للفظائع في أوكرانيا

المصدر: فاينانشيال تايمز
بقلم: ديفيد مككلوسكي: محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومؤلف كتاب "محطة دمشق"
ترجمة: عبدالحميد فحام

للوهلة الأولى، لا يوجد سوى القليل من القواسم المشتركة بين الصراع السوري الدائر منذ فترة طويلة والحرب على الصفحة الأولى في أوكرانيا. الحرب السورية هي حرب داخلية متعددة الجوانب تدور في منطقة الشرق الأوسط، في حين أن الثانية هي صراع بين الدول على أبواب أوروبا. لكن روسيا تفكر في كِلتا ساحتَيْ القتال التي تبدو متمايزة.

لقد بدأت حرب فلاديمير بوتين في سورية بإرسال مجموعة من الأسلحة والمستشارين لنظام دمشق قبل تدخُّل واسع النطاق في عام 2015 عن طريق قوة جوية كبيرة والتي ربما هي التي أنقذت بشار الأسد. ولهذا السبب تمثل سورية نسخة تحذيرية لما يمكن أن تفعله روسيا عندما لا تنتصر في الحرب، وتمثل كذلك العدسة التي يمكن أن نرى السلام من خلالها كنموذج لإستراتيجيتها في أوكرانيا.

كانت تداعيات تغلُّب الأسد في الحرب السورية واضحة دائماً حيث أصبحت حكومة حليفة للكرملين في دمشق؛ وجود عسكري روسي طويل الأمد في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ ورواية، تم استخدامها لعرضها على الداخل الروسي، مفادها أن موسكو تفوقت على واشنطن في ساحة معركة حرجة للحرب الباردة الجديدة.

وقد تضمن هذا تكتيكات أصبحت مألوفة بشكل مخيف. فخلال الحرب الشيشانية الثانية، دمر الجيش الروسي عاصمة غروزني وسوّاها بالأرض, حيث وصفت الأمم المتحدة في عام 2003 المدينة بأنها "الأكثر دماراً في العالم."

وفي سورية، كان لحلب نفس المصير. كما أن المدن الأوكرانية بما في ذلك ماريوبول وخيرسون وباخموت تحمل الآن ندوباً مماثلةً.
لقد خلقت موسكو في سورية أسطورة أسست لها هناك، غيّرت تاريخ الحرب لخدمة أهدافها الخاصة وتبرير حملتها العسكرية الوحشية. تدّعي أن الحرب كانت صراعًا بين الأسد والجهادية السلفية العنيفة - كذبة أنيقة تعتمد بشكل انتقائي على بعض الحقائق بينما تتجاهل تعقيد الصراع. في هذه الرواية، كان الأسد زعيماً محاصراً لدولة متعددة الأعراق ومتنوعة دينياً مهددة من قِبل المتطرفين الإسلاميين المدعومين من الولايات المتحدة وجيرانها العرب.

إن حقيقة أن النظام السوري مسؤول عن غالبية الوفيات والاختفاءات والدمار الاقتصادي أعادت وسائل الإعلام الرسمية الروسية تأطيرها على أنها رد ضروري على الإرهاب، بدلاً من محاولة غير أخلاقية لإخضاع معارضيه. ويوضح المؤرخ تيموثي سنايدر كيف بنى بوتين ومستشاروه نظاماً مدعوماً بالصراع ونظرة إلى الغرب باعتباره تهديداً وجودياً. سورية وأوكرانيا ساحتان للمعارك، لكن خطر الأساطير الروسية ينتقل إلى مناطق أبعد بكثير.

أولاً إن رواية الكرملين عن الصراع السوري تتجاهل الفرد وتركز على الأيديولوجيا. فهي تركز على القول إنه لم يكن هناك متظاهرون، ولا معارضة مدنية، بل كان هناك إرهاب فقط. وقد قامت روسيا بتشويه صورة الدفاع المدني السوري، المعروف باسم الخوذ البيضاء، باعتباره "أداة يستخدمها الغرب لتنفيذ استفزازات". لقد تمّ مَحْو أي أثر لانتفاضة عام 2011 التي طالما حلم بها الشعب السوري - عندما خرج مئات الآلاف من السوريين إلى الشوارع للمطالبة بالحرية.

لا يوجد أثر لذكر أي إرادة للسوريين كأفراد، وإنما فقط الشعب السوري، الذي هو  بالطبع يدعم الأسد وبوتين. تُوحي رواية مماثلة وُضعت لأوكرانيا بأن الروس يقاتلون النازيين. في مقال طويل نُشر قبل أشهر من الغزو، زعم بوتين أن الأوكرانيين والروس والبيلاروسيين هم شعب واحد يخضع لسلطة موسكو. وهكذا فإن أي أوكراني يقاوم موسكو هو عدو وخائن ومتعاون مع النازيين.

ثانيًا أسطورة روسيا حول سورية تقلب الأحداث الفعلية رأساً على عقب، وتشوّه الحقيقة وتدمّر التفكير النقدي. يُظهر تحليل القوة الجوية الروسية في سورية في عامَيْ 2015 و 2016 أن موسكو بدأت حملتها في سورية من خلال استهداف ليس تنظيم الدولة الإسلامية، كما زعموا، بل الثوار المناهضين للأسد حول حلب ودمشق.

لقد نسجت روسيا وحلفاؤها أكاذيب مماثلة حول استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، بدعوى أن الهجمات التي يشنها النظام كانت إما مزيفة أو من عمل المعارضة.

ويستمر تدمير الحقيقة في أوكرانيا، حيث شنّ الكرملين غارة جوية روسية على مسرح في ماريوبول، أسفرت عن مقتل حوالي 600 شخص، على أنها من عمل وحدة عسكرية أوكرانية لها جذور في ميليشيا يمينية متطرفة. وبالمثل زعمت موسكو أن قتل المئات من المدنيين الأوكرانيين في بوتشا كان مزيفاً من قِبل مخربين أوكرانيين.

ثالثًا، في الأسطورة الروسية تعتبر القسوة وسام شرف، وهي غاية في حدّ ذاتها. ففي سورية كان أنصار النظام مغرمين بنقش شعار "الأسد أو نحرق البلد" على جدران البلدات والأحياء الخالية. وقد أصبح هذا الهدف معاناة حقيقية للآخرين، وأصبح البلد كله فداء للأسد.

إن نفس الديناميكية تعمل في أوكرانيا. ففي استطلاع أجراه مركز "ليفادا" في كانون الأول/ ديسمبر، زعم 59% من المواطنين الروس أنهم لا يشعرون بأي مسؤولية عن مقتل المدنيين الأوكرانيين. وقد صاغ قادة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، المتحالفة بشكل وثيق مع بوتين، الحرب بمصطلحات دينية، زاعمين أن التضحية بالجنود الروس ستُطهرهم من خطاياهم.

تقدم رواية الكرملين عن سورية وأوكرانيا تحذيراً قاتماً ورؤية للتهديد الذي تشكله الحقيقة الروسية  russkaya Pravda.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد