سورية والحرب بين إسرائيل وحماس: دعم رمزي، دون تصعيد

سورية والحرب بين إسرائيل وحماس: دعم رمزي، دون تصعيد

المصدر: معهد دراسات الأمن القومي INSS

بقلم: كارميت فالنسي و تال أفراهام

ترجمة: نداء بوست

منذ اندلاع الحرب في غزة، واجهت إسرائيل تحديات على عدة جبهات مصدرها وكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط - في المقام الأول حزب الله، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق التي هاجمت القواعد العسكرية الأمريكية، ونظراً لالتزامها تجاه حماس في إطار “محور المقاومة”، يبدو أن هدف هذه التنظيمات هو الدخول في صراع محدود من أجل ممارسة الضغط المباشر وغير المباشر على إسرائيل (عَبْر الولايات المتحدة) لإنهاء الحصار والحرب ضد حماس - وبالدرجة الأولى، لتحويل انتباه الجيش الإسرائيلي بعيداً عن قطاع غزة إلى جبهات أخرى. في المقابل، في سورية، وباستثناء عدد من حوادث إطلاق الصواريخ المنسوبة إلى فصائل فلسطينية، وهجمات الميليشيات الشيعية ضد القواعد الأمريكية على الأراضي السورية، لا يبدو حالياً أن هناك جبهة نشطة تتشكل على الحدود الإسرائيلية السورية، ومن الواضح أن رئيس النظام  السوري بشار الأسد ليس حريصاً على المساهمة في الحملة وتحويل سورية إلى ساحة صراع كبيرة، وذلك لثلاثة اعتبارات رئيسية:
أولاً الحرص على البقاء في بداية الحرب: نقلت إسرائيل بعض رسائل التهديد إلى الأسد، محذِّرة إياه من أن الانخراط في الصراع لن يُعرّض دمشق للخطر فحَسْب، بل سيهدد وجود النظام أيضاً، والأسد نفسه، الذي لم يسقط بعد اثنَيْ عشر عاماً من الحرب الدموية الدائرة في سورية يدرك جيداً قدرات الجيش الإسرائيلي (الذي يستفيد الآن أيضاً من مساعدات أمريكية كبيرة)، وليس مستعداً للمخاطرة بمستقبل نظامه.
ثانياً العلاقات بين حماس وسورية: حماس التي تعود جذورها الأيديولوجية إلى جماعة الإخوان المسلمين، لم تكتفِ بانتقاد الأسد بشدة خلال الحرب السورية، لا بل دعمت خصومه بفعالية، وخاصة الفصائل الثائرة التي تمتلك ارتباطات بجماعة الإخوان المسلمين. على مر السنين، كان هناك تقارُب بطيء ولكن ثابت بين النظام السوري وحماس، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضغوط التي تمارسها إيران وحزب الله، اللذان سعيَا إلى توحيد قوى "المحور" في مقاومته لإسرائيل. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، اتفق الطرفان على تجديد العلاقات، لكن في آب/ أغسطس 2023، اتهم الأسد حماس بالنفاق والخيانة، وأصرّ الأسد على أن العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب السورية.
ثالثاً اعتبارات المحور: قد يكون عدم انخراط سورية في الحرب يعكس توجيهات المحور، وليس فقط قرار الأسد نفسه. ورغم أن إيران تطمح إلى تحدي إسرائيل على أكبر عدد ممكن من الجبهات، فإنها ليست على استعداد للتضحية بأصولها السورية من أجل حماس؛ لأن سورية تشكل مركزاً إقليمياً ولوجستياً مهماً لتواجُد الجمهورية الإسلامية في المنطقة، بل تريد أيضاً حماية هذه الإمكانية في حالة اندلاع حرب مع إسرائيل أو بين حزب الله وإسرائيل. ومن وجهة نظر إيرانية، فقد يكون من الأفضل في هذا الوقت استنزاف وكلائها الآخرين – مثل الحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق – والاستفادة المحدودة من حزب الله، بسبب دوره القيادي في محور المقاومة.

كيف تنظر سورية إلى الحرب في غزة؟
إنّ النظرة السائدة في سورية فيما يتعلق بالحرب المستمرة في قطاع غزة هي وجهة نظر دعم عامّ للفلسطينيين، مع تسليط الضوء على التشابه بين "جرائم الحرب" وحجم الدمار في غزة مع ما حدث في سورية خلال الحرب هناك، وتظهر الخلافات فيما يتعلق بالنظام و"محور المقاومة" و"حماس".
فالخطاب السائد في سورية ـ كما هو حال خطاب أنصار النظام ـ يركز على دعم الهجوم المفاجئ الذي تشنه حماس والشعب الفلسطيني، في حين يسلط الضوء على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. في الوقت نفسه، انتقد معارضو النظام الاهتمام الإقليمي والدولي المحدود بالشعب السوري خلال الحرب السورية، مقارنة بالاهتمام الذي حظي به الفلسطينيون، بما في ذلك المظاهرات الحاشدة العالمية للقضية الفلسطينية. كما كانت هناك انتقادات للدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في قطاع غزة، في حين كانت هذه الدعوات أضعف بشكل ملاحظ في حالة الحرب السورية. وينظر بعض معارضي النظام إلى حماس باعتبارها جزءاً من "محور المقاومة" الذي يضمّ إيران وحزب الله والنظام السوري، ويعربون عن آمالهم  في إضعاف ذلك المحور. عندما اتهم الأسد، في قمة مشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وأدان ردة فعل الغرب على الحرب في غزة، أشار العديد من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي إلى المفارقة في تعليقاته، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبها الأسد نفسه ضدّ الفلسطينيين في بلاده - وكذلك بقية مواطنيه - خلال الحرب السورية. وفي إدلب -معقل المعارضة- نزل الناس إلى الشوارع للتعبير عن تضامُنهم مع شعب غزة، لكنهم سخروا من تصريحات الأسد التي تدين الاحتلال الصهيوني، وقالوا: "انظروا مَن يتحدث، إنه نفس النظام الذي ارتكب جرائم حرب، إلى جانب روسيا وإيران وحزب الله ضدّ الشعب السوري، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة بالقرب من دمشق وفي خان شيخون – وهي جرائم أفظع وأشدّ خطورةً بكثير." وقد صدرت انتقادات مماثلة بين الدروز: “نظفوا أسنانكم من لحم الأطفال الفلسطينيين من تل الزعتر [لبنان، 1976] ومخيم اليرموك [جنوب دمشق، 2012-2018] قبل الندب على قتلى غزة”. كما دعت بعض قُوَى المعارضة في سورية وفي المنفى إسرائيلَ إلى استغلال الفرصة للقضاء على الأسد.
وقال قائد القوات الديمقراطية السورية، مظلوم عبدي: إن هجوم حماس في إسرائيل غير مقبول، ولكن كذلك كانت القوة "غير المتناسبة" التي تستخدمها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وحذر من أن التكتيكات الإسرائيلية من المرجح أن تطلق العنان لدوامة جديدة من الإرهاب المتطرف الذي يمكن أن يشعل المنطقة بأكملها وينتشر أيضاً إلى الغرب، كما قال إن الحرب تسمح لجهات بالاستفادة من الوضع وتكثيف عملياتها ضد الأكراد، في حين يتركز اهتمام العالم على قطاع غزة.

سورية "الحملة داخل الحرب" وأهميتها بالنسبة لإسرائيل
يبدو أن الأسد وأنصاره لا يريدون تحويل سورية إلى ساحة صراع أخرى شديدة الحِدّة مع إسرائيل، في إطار الحرب المتعددة الجبهات التي تخوضها إيران و"محور المقاومة". وفي الوقت نفسه، فإن قدرة النظام على كبح جماح نشاط الفصائل الفلسطينية أو أعضاء المحور على الأراضي السورية محدودة، ودمشق عرضة لضغوط إيران وحزب الله. عِلاوة على ذلك، ورغم أن الطرفين الأخيرين ليسا مهتمين بالضرورة بالضغط على الأسد في الوقت الحالي، إلا أن هذا قد يتغير كلما طال أَمَدُ القتال في غزة - اعتماداً على تصعيد المواجهة بين إسرائيل وحزب الله ومدى اعتقاد إيران أن الحزب مهدَّد.
وبالتالي يجب على إسرائيل الآن وضع إستراتيجية واضحة لكل من الفاعلين المعنيين على الجبهة السورية، بحيث يمكنها أيضاً خلق فرص. وفيما يتعلق بنظام الأسد، يجب على إسرائيل إيجاد التوازُن بين فرض ثمن مباشر لنشاط "محور المقاومة" على الأراضي السورية، من أجل تشجيع دمشق على كبح النشاط العدائي وتسليط الضوء على المخاطر التي تتحملها، مع تجنُّب الضغط الزائد، الذي قد يدفع الأسد لإعطاء أعضاء المحور حرية العمل أو حتى الرد بنفسه على الهجمات الإسرائيلية.
أما بالنسبة لعناصر "المحور" على الأراضي السورية، يجب على إسرائيل استخدام الزخم الذي توفره الحرب من خلال الردّ بقوة أكبر ضدّ أصول المحور. مقارنةً بلبنان، تتمتع إسرائيل بحرية عمل أكبر في سورية؛ وينبغي استغلال ذلك لتوسيع العمليات ضد حزب الله والميليشيات، من أجل تقليل قدراتها العسكرية وإبعادها عن الحدود مع إسرائيل. يجب أن يكون تكرار هذه الهجمات ونطاقها أكبر منه في الفترات غير الحربية أو في الحملة بين الحروب، التي تجري في سورية منذ أكثر من عقد. سيسمح ذلك بوضع قواعد جديدة للعبة، والتي من شأنها أن تُفيد إسرائيل ويمكن أن تساعد أيضاً في صياغة واقع أمني جديد لـ "ما بعد الحرب" في الساحة السورية.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد