زلزال تركيا وسورية يُشجّع على تقارُب عربي مع بشار الأسد

زلزال تركيا وسورية يُشجّع على تقارُب عربي مع بشار الأسد

المصدر: إل باييس الإسبانية
بقلم: أنطونيو بيتا
ترجمة: عبد الحميد فحام

في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2011، وبعد ستة أشهر من اندلاع الحرب في سورية، قامت جامعة الدول العربية بطرد الوفد السوري من الجامعة بعد محاولات وساطة فاشلة.

وعلى مدى السنوات العشر التالية، لم يسافر رئيس النظام المنبوذ عربياً، بشار الأسد، إلى أي بلد إلا نادراً باستثناء الزيارات التي قام بها لشكر حلفائه الرئيسيين - روسيا وإيران - على المساعدة العسكرية التي مكنته من السيطرة على ثلثي البلاد.

وبعد مرور اثني عشر عاماً وبعد الزلزال المميت الذي ضرب البلاد، استقبل الأسد مؤخراً وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي قال: إن اللقاء كان "شرفاً له" في مؤتمر صحفي مع نظيره السوري فيصل المقداد. شكري ليس فقط الزائر المصري الأعلى مستوى منذ بداية الحرب، ولكنه يمثل أيضاً دولة ذات أهمية تاريخية متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات شديدة على سورية كما تعارض تطبيع العلاقات مع الأسد. وفي 7 شباط/ فبراير، بعد يوم واحد من الزلزال الذي ضرب المنطقة الحدودية بين تركيا وسورية وأودى بحياة 6000 سوري، اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هاتفياً بالأسد لأول مرة منذ توليه منصبه قبل نحو 10 سنوات، وكذلك فعل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.

كما دفع الزلزال بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى القيام بزيارته الأولى إلى سورية، وهي الخطوة التالية في التقارب التدريجي الذي بدأ مع إعادة فتح المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين عام 2021. وكذلك قام سلطان عمان، هيثم بن طارق آل سعيد، باستقبال الأسد. كما أعادت عمان سفيرها إلى دمشق قبل ثلاث سنوات بعد غياب دام ثماني سنوات. وأصدرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) مقطع فيديو (مصحوباً بموسيقى رسمية) لزيارة الدولة التي يقوم بها الأسد إلى عمان، وذلك يظهر بوضوح الأهمية السياسية والرمزية لعودة سورية إلى الحضن العربي.

وتقول لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" إن دمشق، “تحاول استغلال الكارثة الإنسانية لكسر العزلة الدولية. وبدلاً من تقديم التعازي للشعب السوري المتضرر من المأساة، كان رد فعل النظام العلني هو السعي وراء شرعية الأمر الواقع للأسد على الساحة الدولية".

وأشارت الخطيب إلى أن الأسد لم يصدر أي تصريحات عن زلزال 6 شباط/فبراير حتى زار حلب المنكوبة بعد أربعة أيام، على الرغم من تلقيه العديد من الرسائل والمكالمات من قادة أجانب. في عام 2011، قام بشار الأسد بقمع الاحتجاجات السلمية بوحشية التي انطلقت بعد اندلاع أحداث الربيع العربي، مما أدى إلى أزمة تحولت إلى حرب داخل البلاد تسببت في مقتل 500 ألف شخص ونزوح 13 مليون سوري، أي أكثر من نصف سكان البلاد. وقد اتُهمت قوات الأمن السورية بالآلاف من حالات الاختفاء القسري وتعذيب السجناء والهجمات بالأسلحة الكيماوية وإلقاء البراميل المتفجرة المليئة بالمتفجرات والوقود والشظايا المعدنية على المدنيين.

التمسك بالسلطة

إن موجة اللقاءات الودية التي يجريها النظام في سورية مع جيرانه لا تمثل تحولاً كاملاً، بل تمثل تسارعاً في الاتجاه الأخير. وتقول دارين خليفة، كبيرة المحللين السوريين في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية: "يوفر الزلزال فرصة سياسية لأنه يوفر ذريعة لإظهار التضامن أثناء وقوع كارثة طبيعية، وهو أمر يصعب مواجهته". بالإضافة إلى هذا التضامن الإنساني المفهوم، خلصت العديد من الدول العربية قبل سنوات إلى أن الأسد قد انتصر في الحرب، وعلى الرغم من أنه لا يسيطر على شمال سورية، إلا أن قواته تسيطر على المناطق الأكثر كثافة سكانية في البلاد، وقد تمسك بشار الأسد بالسلطة بطريقة ما، لذا فقد حان الوقت لتبني السياسة الواقعية.

بعض الدول، مثل لبنان والعراق والجزائر والسودان، لم تدر ظهرها له قط، حيث التقى الرئيس السوداني السابق عمر البشير مع الأسد في عام 2016، وهو أول زعيم عربي يفعل ذلك منذ اندلاع الحرب في عام 2011.

وفي شهر شباط/فبراير، تحدث وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عن هذه الديناميكية الجديدة في مؤتمر ميونيخ للأمن، إذ قال: "هناك إجماع متزايد، ليس فقط داخل مجلس التعاون الخليجي ولكن في جميع أنحاء العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار"، وشدد وزير الخارجية بن فرحان على "ضرورة الحوار مع الحكومة في دمشق لتحقيق أهم الأهداف، لا سيما من منظور إنساني وعودة اللاجئين". لقد تجنب بعناية ذكر هدف السعودية لتحرير سورية من وصاية إيران، المنافس الإستراتيجي الأهم لبلاده.

يعتقد الخبير في الشأن السوري جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأدنى في جامعة أوكلاهوما (الولايات المتحدة)، أن الامتيازات هي المفتاح، "إنهم يحاولون معرفة ما سوف يتطلبه الأمر لإعادة البلاد إلى الحضن العربي، لكن ذلك لن يكون سهلاً." لانديس متأكد من أن "واشنطن ستستنكر بشدة" أي مبادرات تجاه سورية ، "لكنها لن توقفها"، خاصة بعد رفع بعض العقوبات الأمريكية مؤقتاً للسماح بالمساعدة في التعافي من الزلزال. ففي عام 2020، وسّعت إدارة ترامب العقوبات المفروضة على الأفراد والشركات التجارية مع دمشق، مما زاد من إضعاف بلد يعيش 90٪ من سكانه تحت خط الفقر.

ويقول لانديس: "إذا كنت لا تريد تجويع الشعب السوري، فعليك التعامل مع الأسد، لأنه يحتجز البلد كرهينة".

مواجهة النفوذ الإيراني

إن الإمارات العربية المتحدة هي التي تقود التقارب مع سورية. وبعد سنوات من دعم الثوار السوريين، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في عام 2018. وبعد أربع سنوات، تجنبت الإمارات بمهارة التقاط ونشر صور لقادتها وهم يرحبون بالأسد خلال زيارة رسمية. حيث التقى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد مع الأسد ثلاث مرات في دمشق.

الإمارات العربية المتحدة تقود مجموعة الدول العربية التي "قررت إعادة العلاقات مع النظام في سورية دون قيد أو شرط لمواجهة نفوذ إيران"، كما يقول خليفة، الذي أشار إلى نهجين آخرين للتعامل مع سورية. "مصر ترغب في تطبيع العلاقات لكنها لا تريد أن تنأى بنفسها كثيراً عن الموقف الأمريكي والسعودي". حيث تمنح الولايات المتحدة مصر أكثر من مليار دولار من المساعدات السنوية بينما تغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. وتعتبر المملكة العربية السعودية أيضاً مصدراً مهماً للتمويل لمصر. وخلال رحلته الأخيرة إلى دمشق، تجنب وزير الخارجية المصري الأسئلة حول تطبيع العلاقات وقال: إن زيارته كانت "إنسانية بالدرجة الأولى".

قطر - داعم بارز للثوار السوريين - والمملكة العربية السعودية تسعى إلى "التطبيع المشروط"، كما يقول خليفة، وهو أمر من غير المرجح أن ينجح لأن الأسد "لا يريد ولا يستطيع تخفيف النفوذ الإيراني ويقبل بعودة الكثيرين من اللاجئين"، وهي الشروط الأساسية لهذا النهج، وتفضل قطر البقاء على مسافة بعيدة، ولم تنقل سوى المساعدات الإنسانية إلى منطقة الثوار المتضررة من الزلزال عبر تركيا.

في الأساس، هناك تصور في العالم العربي بأن العقوبات الدولية تضر بالمدنيين أكثر من إضعاف الأسد، مما يؤدي إلى سيناريو جديد سيجبر جيران سورية على اتخاذ موقف. وبعد سنوات من وصف الأسد بأنه "قاتل" و"فاشي"، يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمبادرات مبدئية مع جارته المجاورة. فهناك أيضاً شكوك سائدة بأنه عندما يترك بايدن منصبه، فإن الولايات المتحدة ستكمل انسحاب القوات من كردستان السورية الذي بدأه ترامب في عام 2019، مما تسبب في نفس الفوضى التي شهدتها أفغانستان عندما انسحبت القوات الأمريكية وقوات التحالف في عام 2021.
وقالت بثينة شعبان في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية (آر تي): إن الأسد "لا يزال يؤمن بإقامة علاقات جيدة" مع جميع الدول العربية لأنهم "يشتركون في المصير".

ورددت كلمات شعبان صدى رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الذي قال مؤخراً للمندوبين في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي: "لا نستطيع أن نعيش بدون سورية، ولا يمكن لسورية أن تحيا بدون العالم العربي الذي نأمل أن تتمكن من العودة إليه".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد