التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط قد تُعيد رسم الخريطة السياسية
المصدر: ذا كونفرزيشن
بقلم: بول روجرز
ترجمة: عبدالحميد فحام
بعد التطوُّرات السياسية في الأسبوعين الماضييْنِ، من المرجح أن يجتمع تغييران في السياسة على مستوى الدولة في الشرق الأوسط ليكون لهما تأثير كبير على الاستقرار الإقليمي.
في 10 آذار/ مارس، وافقت السعودية وإيران، في صفقة بوساطة الصين ووقعت في بكين، على إعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات بعد انقطاع دام سبع سنوات. وعلى الرغم من أنها لا تعني إنهاء الصراعات مثل الحرب الدائرة في اليمن، إلا أنها، كما أشار سيمون مابون في مقال سابق، تُعَدّ تطوُّراً إيجابياً.
وقد كشف مراسل "الشرق الأوسط" مايكل سبنسر الأسبوع الماضي، في صحيفة "التايمز"، عن خطة لدول الخليج لإعادة العلاقات مع نظام الأسد في سورية.
إذا كان هذا التقرير دقيقاً، فإن تداعيات هذين التطورين على سياسات الشرق الأوسط ستكون كبيرة - ليس أقلها بسبب التطورات الاجتماعية والسياسية الأخيرة في إسرائيل وإيران.
الوفاق العربي
كان جوهر تقرير "التايمز" هو أن بعض الدول العربية تريد تطبيع العلاقات مع دمشق - حتى لو عارض ذلك كلٌّ من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. يجب أن يشمل هذا تخفيف العقوبات والمزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وسيعني ذلك أيضاً إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، التي تم تعليق عضويتها فيها منذ عام 2012 بعد قمعها الوحشي للمتظاهرين خلال ثورات الربيع العربي. هذه الخطوة مدعومة من الإمارات العربية المتحدة، وإلى جانب الاتفاقية "السعودية الإيرانية" لديها القدرة على إعادة ترتيب ميزان القوى في المنطقة.
تشير الدلائل الأولية إلى أن الصين والأنظمة الاستبدادية الإقليمية ذات الحكم القائم على الفرد الواحد المعنية ستكون من بين المستفيدين من هذين التطورين. حيث إن بكين ستستفيد من خلال الاضطلاع بدور رئيسي في تسهيل الصفقة، وبالتالي زيادة مكانتها في جميع أنحاء العالم الإسلامي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
من المرجح أيضاً أن تستفيد روسيا بشكل أقل، إن لم يكن مباشرة. فلقد عززت بعناية علاقاتها العسكرية مع سورية على مدار العقد الماضي، بدءاً من منشأتها البحرية الصغيرة في طرطوس، والتي لديها القدرة على منح روسيا ميناءً على البحر الأبيض المتوسط بالمياه الدافئة. يقع الميناء في طرطوس في منتصف توسعة كبيرة تشمل بناء رصيف عائم جديد لإصلاح السفن.
ولطالما استخدمت روسيا قاعدة حميميم الجوية التابعة للقوات الجوية السورية وقامت مؤخراً بتوسيع أحد مدارجها حتى أصبحت القاعدة الآن بمثابة مركز نقل عسكري يربط القوات الروسية مع ليبيا والدول الواقعة جنوباً على امتداد منطقة الساحل. وتحافظ موسكو أيضاً على علاقات عسكرية وثيقة مع إيران، وهي علاقة تُؤتي ثمارها حالياً في شكل توريد طائرات بدون طيار مسلحة لحربها في أوكرانيا.
صفقة نووية
إذا استفادت كل من الصين وروسيا من التغييرات المحتملة، فماذا عن الدولة الرئيسية الأخرى في المنطقة، التي نعني بها إسرائيل؟ ستعتمد استجابة حكومة نتنياهو طويلة المدى للظروف الجديدة إلى حدّ كبير على حالة الاتفاق النووي الإيراني.
لقد خففت فترة التوترات الأخيرة بفضل الدبلوماسية السريعة التي قام بها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، رافائيل غروسي، الشهر الماضي. فقد كان هناك حديث لاحق عن انفراجة في أنشطة التحقق والرصد. في الوقت الحالي، تضاءلت احتمالية وقوع أزمة ولكنها لم تختفِ بشكل كامل.
بعد سنوات من التقدم التدريجي أثناء وجود باراك أوباما في البيت الأبيض، تم التوصل إلى اتفاق مدته 15 عاماً في تموز/ يوليو 2014 والذي من شأنه أن يحدّ من طموحات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات. وتضمنت خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) إيران والولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا والمملكة المتحدة التي دخلت حيِّز التنفيذ في عام 2015.
منذ البداية لم تعجب تلك الصفقة حكومة إسرائيلية كانت تشك بشدة في إيران. وفي وقت لاحق، خفف دونالد ترامب مخاوف إسرائيل جزئياً، الذي تخلى عن المعاهدة وعزز نظام العقوبات في عام 2018. ومنذ ذلك الحين، اعتبرت إيران نفسها غير مقيّدة وقد كانت تقوم بخروقات طفيفة بدلاً من التخلي عن الالتزام بالخطة بشكل كامل.
تجنب جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي، حتى الآن الإدانة الشديدة لأفعال إيران، وهو ما لم يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
لكن في الوقت الحالي، يتأثر نهج حكومة نتنياهو أيضاً بالاضطرابات السياسية والاجتماعية العميقة التي تؤثر حالياً على إسرائيل نفسها. ينبع هذا من مزيج من الانقسام طويل الأمد بين النهج العلماني والديني.
ويميل الإسرائيليون العلمانيون إلى الرغبة في أن يمارس القضاء في البلاد درجة من السلطة على الهيئة التشريعية للكنيست من خلال المحكمة العليا في البلاد - ليس أقلها في مسائل حقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، تريد الأحزاب الدينية اليهودية في الغالب أن تخضع تلك السلطات لسلطة دينية أعلى تمارس من خلال الكنيست. وتعتمد أغلبية نتنياهو حالياً على دعم حلفائه المتدينين في الائتلاف. وهنا تكمن المشكلة.
في حين أن مقترحات نتنياهو للحدّ من سلطة القضاء قد تحظى بشعبية بين زملائه من اليمين المتطرف في البرلمان، إلا أنها أثارت معارضة شرسة، حيث خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع. وما يجعلها ذات أهمية خاصة أنها تمتد إلى القوات المسلحة، مع انضمام العديد من الطيارين الأكثر خبرة في سلاح الجو الإسرائيلي إلى الاحتجاجات.
تقليدياً، الشكوك حول طهران منتشرة بين كل أفراد الطبقة السياسية في إسرائيل. وهذا متجذّر في فكرة إسرائيل عن نفسها باعتبارها معقلًا للديمقراطية الليبرالية على النمط الغربي في بحر من استبداد الأنظمة المحيطة في الدول المسلمة. ولكن البُعد الديني المتغيّر - والمتطرف بشكل متزايد - في السياسة الإسرائيلية يأخذ ذلك إلى مستوى أقوى من القلق بشأن النوايا النووية الحقيقية لإيران.
ربما تكون إسرائيل قد نجحت في تعزيز الروابط الاقتصادية مع بعض دول الخليج الغنية بالنفط والغاز، لكنها بعيدة كل البعد عن الاقتناع بأن ذوبان الجليد السياسي الإيراني / السعودي سيكون له أي تأثير على نوايا إيران النووية.
من المحتمل أن يكون جزء من ذلك صحيحاً. فإيران لا تثق كثيراً في استقرار نهج الولايات المتحدة تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة بعد ما حدث في عهد ترامب. لذلك، في حين أن التطورات التي حدثت في الأسبوعين الماضييْنِ قد تكون موضع ترحيب من قِبل الكثيرين، إلا أنه لم يتغير شيء يُذكر بشأن هذه المسألة على الأقل.