إيران يجب أن تعلم أن الولايات المتحدة لن تسكت عن أفعالها المزعزعة للاستقرار

إيران يجب أن تعلم أن الولايات المتحدة لن تسكت عن أفعالها المزعزعة للاستقرار

إن سياسة الاحتواء والدفاع والردع التي تنتهجها الولايات المتحدة لمنع توسُّع الحرب في غزة لم تكن ناجحة. وقد حانَ الوقت للإعلان عَلَناً عن نهج أكثر حزماً.

في الثالث والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، تعرضت الناقلة Chem Puto  لهجوم بطائرات مسيرة إيرانية في المحيط الهندي. لم يكن هذا هجوماً بالوكالة من قِبل الجماعات المدعومة من إيران مثل حماس في غزة. أو الحوثيين في اليمن، أو الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، وإنما كان هجوماً مباشراً على الشحن الدولي نفذته جمهورية إيران الإسلامية.

وفي أعقاب الهجوم، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون: إنه «من المهم للغاية أن تتلقَّى إيران رسالة واضحة ولا لَبْس فيها أنه لن يتم التسامح مع هذا التصعيد».
يُعَدّ هذا الهجوم دليلاً واضحاً على أن سياسة الاحتواء والدفاع والردع التي تنتهجها واشنطن لمنع انتشار الحرب في غزة لم تكن ناجحة. لقد حان الوقت، قبل وقوع هجوم أكبر وأكثر فتكاً –وهو ما سيحدث بكل تأكيد- للإعلان بالفم المَلْآن عن سياسة أكثر حزماً. مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستعتبر أي هجوم دموي من قِبل إيران على أفراد أو مصالح أمريكية فعلاً عدائياً، وسوف تردّ وفقاً لهذا المبدأ.

احتواء الصراع

منذ هجمات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على جنوب إسرائيل. سَعَتِ السياسة الأمريكية إلى احتواء الصراع ومنع حدوث أيّ تصعيد في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك. قامت واشنطن بزيادة كبيرة في وجودها في مسرح العمليات. ونشرت أسراباً مقاتلةً إضافيةً، وحاملة صواريخ موجهة من طراز أوهايو Ohio-Class ، والأهم من ذلك. مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات. وقد ركَّزت هذه الأصول على إنشاء طَوْق من السلاح المضادّ حول غزة. وإرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لديها قدرة أكيدة للرد على أي تهديد في المنطقة.

بعد ذلك، عززت الولايات المتحدة موقفها الدفاعي، ونشرت دفاعات جوية كبيرة لحماية الأصول الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن مزيد من التدابير، وتفعيل عملية "حارس الازدهار" Operation Prosperity Guardian لحماية طريق الشحن والدفاع عنه في المياه الدولية التي تمرّ من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر.
لقد سعت الولايات المتحدة أيضاً إلى ردع التوسع الإضافي للصراع من خلال سلسلة شِبه مستمرة من التواصُلات الدبلوماسية والزيارات والرسائل إلى إسرائيل.

ضبط النفس

في البداية، طمأنت هذه الدعوات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالدعم الأمريكي المطلق. لكنها أصبحت في الآونة الأخيرة تنصح بمزيد من ضَبْط النفس. ومما لا شَكَّ فيه، أنهم قدموا أيضاً مشورة قوية لمنع ضربات إسرائيلية أحادية الجانب ضدّ إيران. التي تعتبرها حكومة نتنياهو العقل المدبر وراء هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر - وكذلك المحرِّض على الهجمات اللاحقة التي شنها حزب الله والحوثيون والميليشيات التابعة لهم في العراق.

لقد نشطت التحرُّكات الدبلوماسية بصورة مكوكية في جميع أنحاء المنطقة أيضاً. حيث حشدت دعم الحلفاء لاحتواء الصراع. فضلاً عن رسائل صارمة للبلدان التي توجد فيها جهات فاعلة غير حكومية.

ومع ذلك، منذ وقوع هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تعرضت القوات الأمريكية للهجوم أكثر من 100 مرة في العراق وسورية. ونفذ الحوثيون في البحر الأحمر والمحيط الهندي عدداً مماثلاً من الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ التي استهدفت السفن التجارية. كما يقوم حزب الله بشنّ عدة هجمات صاروخية على إسرائيل كل يوم.

وبموجب معظم المقاييس، يبدو أن سياسة الولايات المتحدة قد فشلت في تحقيق هدفها المتمثِّل في احتواء انتشار العنف. الذي ترتكبه الجهات الفاعلة غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة. والأسوأ من ذلك أن هجوم 23 كانون الأول/ ديسمبر. الذي نفذته إيران بشكل مباشر وليس من خلال وكيل، كان بمثابة نقطة تحوُّل في الحرب.

قتال مفتوح

هذا يدلّ على أن إيران مستعدّة الآن للانخراط في قتال مفتوح، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تشجيع الجهات الفاعلة غير الحكومية. وبما أن السياسة الأمريكية الحالية من غير المرجَّح أن تمنع المزيد من التصعيد، فإن دخول إيران في الصراع يستدعي خُطوة مماثلة فيما يتعلق بالتصعيد.

على كل الأحوال، لا ينبغي اتخاذ مثل هذا القرار باستخفاف أو كردّ فعل أو بشكل تعسُّفي، ولا ينبغي للرئيس الأمريكي جو بايدن. أن يتعجل في الإعلان عن طريقة التعامل مع مثل هذا الوضع على عجل، بل يجب على إدارته إقناع الكونغرس وإقناع الشعب الأمريكي بهدفه وتكلفته وعواقبه المحتملة. ويجب أن يكون واضحاً أن رفع المخاطر ضدّ إيران ليس عملاً استفزازياً - بل هو وضع

حدود حاسمة - والفشل في القيام بذلك سيكلف الأمريكيين أرواحاً.

سيحتاج حلفاؤنا أيضاً إلى الاقتناع بمزايا هذه السياسة الجديدة وجلبهم كشركاء ومستفيدين. علاوة على ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة أن تشرح هذا التحوُّل للأمم المتحدة. التي لم تفعل الكثير حتى الآن لمحاولة كبح جماح إيران ووكلائها. وإنّ عدم القيام بأيّ شيء أو الاعتماد ببساطة على السياسة الحالية لم يَعُدْ خياراً مناسباً. وإنما النهج الأكثر صرامة هو الطريقة المسؤولة للردّ.

زعزعة الاستقرار

تحتاج طهران إلى أن تعرف أن الولايات المتحدة لن تقبل بعد الآن بأفعالها المُزعزِعة للاستقرار، وأنه لا داعي لخسارة أرواح ومصالح أمريكية خوفاً من التصعيد. والأهم من ذلك، أن هذه الرسالة يجب أن تكون واضحة ومُركّزة، لأن أيّ تصعيد في الوقت الحالي من المرجَّح أن يأتي عن طريق الصدفة أو الخطأ أو سوء التقدير.

في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1980، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر ما أصبح يُعرَف فيما بعد بمبدأ كارتر. كان هذا موجَّهاً ضدّ الاتحاد السوفييتي، وكان إعلاناً بأن الولايات المتحدة ستستخدم القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج العربي، إذا لزم الأمر.

كانت كلماته حاسمة ومتبصرة بشكل كبير حين قال: "ليكن موقفنا واضحاً تماماً: أي محاولة من قِبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي سوف تُعتبر بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم الردّ على مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية”، وقد وصلت تلك الرسالة الواضحة إلى مسامع الاتحاد السوفييتي، ولم يتجاوز حدّه مطلقاً لا هو ولا الاتحاد الروسي.

أزمة الرهائن

كان بايدن حاضراً أثناء إلقاء ذلك الخطاب، وهو كان آنذاك سيناتوراً شاباً من ولاية Delaware، وهو كذلك شهد خروج كارتر من منصبه في العام التالي - ليس لأن الاتحاد السوفييتي كشف خدعته، ولكن لأسباب أخرى إضافية، منها أزمة رهائن إيران عام 1979، ومنذ ذلك الحين لم يَقُم الاتحاد السوفييتي بتجاوز الحدود التي وضعها كارتر.
والآن، بعد مرور 44 عاماً، سيلقي الرئيس بايدن قريباً خطاب حالة الاتحاد الثاني، وهو يواجه تحديات أكبر بكثير من طهران.

يُعَدّ هذا الخطاب فرصة فريدة للإعلان عن سياسة أمريكية أكثر وضوحاً وحزماً تجاه إيران التي تزداد عدوانية، ويجب أن يكون بايدن واضحاً بنفس القدر في أن "الهجوم على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية من قِبل أي دولة أو وكلائها سيكون بمثابة تهديد وسيتمّ التصدِّي له بأيّ وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوّة العسكرية”.

هذا ليس تهديداً أو استفزازاً أو إثارةً للحرب، وإنما هو فنّ الحكم، ويجب أن يتمّ ذلك قبل أن يؤدي المزيد من التصعيد الإيراني إلى خسارة أرواح الأمريكيين ومصداقية السياسيين.

 

المصدر: بوليتيكو الاتحاد الأوروبي
بقلم: مارك كيميت
ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد