الجدل حول التطبيع مع نظام الأسد في واشنطن

الجدل حول التطبيع مع نظام الأسد في واشنطن

المصدر: مركز سيتا
بقلم: قادر أوستن
ترجمة: عبد الحميد فحام

يستخدم النظام السوري دبلوماسية الزلزال لاكتساب المزيد من الشرعية وتسريع عملية التطبيع في المنطقة. ففي أعقاب الزلزال التقى وزير الخارجية المصري شكري بالأسد في دمشق وقدم مساعدات إنسانية لسورية عبر النظام، وفي اليوم التالي لزيارة وزير الخارجية الإماراتي آل نهيان، الذي يحاول قيادة عملية التطبيع مع سورية، سمح الأسد لفرق الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بالعبور إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سورية، لا يخفى على أحد أن العديد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات ومصر، تفضل تطبيع العلاقات مع النظام السوري. ورغم أن الإدارة الأمريكية أعربت عن معارضتها لجهود التطبيع مع نظام الأسد في المنطقة، إلا أنه لا يوجد مؤشر على ممارسة ضغوط جدية على هذه المسألة.

إن استخدام الأسد لدبلوماسية الزلازل، من خلال عدم تفويت فرصة السفر إلى دول مثل عمان وروسيا والإمارات العربية المتحدة، هو محاولة لإظهار أنه ليس منعزلاً. كما أدت اتصالات تركيا المحدودة مع النظام السوري بشأن القضايا الأمنية إلى زيادة آمال النظام في التطبيع، ولكن مع ذلك، فإن المعارضة السعودية لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية تظل عقبة رئيسية أمام تطبيع الأسد، ومن المعروف أيضاً أن الصين نصحت روسيا بتخفيف موقفها من قضية التطبيع الذي جاء نتيجة اتفاق تطبيع بين السعودية وإيران، مع قيام الصين بدور الوسيط، إن تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل في مؤتمر ميونيخ للأمن بأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر وأن دمشق يجب أن تشارك في مرحلة ما، يظهر أن التطبيع هو أيضاً على الأجندة السعودية.

يمكن ملاحظة أن الإدارة الأمريكية مبدئية في الاعتراض على إضفاء الشرعية على النظام السوري من خلال عدم ممارسة الضغط الدبلوماسي على الشركاء في الشرق الأوسط الذين يظهرون ميلاً تجاه التطبيع. وقد اختصرت إدارة بايدن سياستها في سورية إلى سياسة "الهزيمة الدائمة لداعش" من خلال دعم هيكل قوات سورية الديمقراطية تحت سيطرة وحدات حماية الشعب. يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية، التي ليس لها مبعوث خاص إلى سورية، قد تركت سياستها تجاه سورية لقواتها على الأرض، ففي وقت سابق من هذا الشهر، قام الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بزيارة شمال شرق سورية، مشيراً إلى أنه فعل ذلك لتفقد أمن القوات الأمريكية المهددة من حين لآخر من قبل المليشيات الإيرانية. وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن الإدارة لم تبذل أي جهد لوضع سياسة عامة فيما يتعلق بوجودها في المنطقة، كما أنها لم تتمكن من اقتراح خطة سلام لحل القضية السورية، وتتمثل سياسة واشنطن تجاه سورية في دعم قوات سورية الديمقراطية ضد داعش وتقديم مساعدات إنسانية وفرض عقوبات غير فعالة على النظام.
وقد قام خبراء في الشأن السوري، ممن يعتقدون أن هذه السياسة غير الفعالة بمثابة غض الطرف عن تطبيع النظام السوري، بتحذير إدارة بايدن هذا الأسبوع. حيث أصدرت مجموعة من الشخصيات المؤثرة من الخبراء في المسألة السورية وخدموا في الحكومة، رسالة حثت فيها الإدارة على اتخاذ موقف فعال ضد إضفاء الشرعية على نظام الأسد. تدعو الرسالة، التي تضم شخصيات ثقيلة الوزن مثل السفراء السابقين جيمس جيفري وفريد هوف وجيفري فيلتمان، من بين الموقعين عليها، إلى وضع سياسة سورية شاملة لا تأخذ في الاعتبار عواقب الحرب فحسب، بل أسبابها أيضاً.

وتسلط الرسالة الضوء على قضايا مختلفة في سورية، بما في ذلك دور الحكومة في إحداث مشاكل مثل الهجرة والإرهاب، وعدم قدرتها على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الاستقرار، وكيف يفيد ذلك جماعات مثل داعش. وبالإضافة إلى ذلك، تشير الرسالة إلى أن غالبية السوريين لا يريدون العيش تحت سيطرة النظام، وأن الحلول السياسية لتطبيع العلاقات بين الدول المجاورة ليست أولوية.

وتدعو الرسالة إلى موقف واضح من نظام الأسد، وإجراء تحقيق في جرائم الحرب والمفقودين، ومحاربة التضليل الإعلامي، والتعاون مع إسرائيل لمواجهة النفوذ الإيراني في سورية. ولكنه من غير المرجح أن يكون لهذه الدعوة تأثير كبير على سياسات إدارة بايدن تجاه سورية. فبالنظر إلى الوضع الحالي، حيث أرسلت إيران طائرة مسيرة انتحارية إلى قاعدة أمريكية في سورية وقيامها بقتل مواطن أمريكي، فمن الواضح أن الولايات المتحدة ستستمر في تجنب تصعيد التوترات مع إيران في سورية.

على الرغم من هذه الصراعات منخفضة المستوى بين الولايات المتحدة وإيران في سورية، إلا أنه من المعروف أن الجانب الأمريكي يركز أكثر على روسيا والصين. ويختلف نهج بايدن تجاه سورية عن نهج ترامب، حيث لا يرى الأول سورية مسرحاً لمنافسة إقليمية مع روسيا وإيران. ولكن مع ذلك، أدى عدم وجود استراتيجية شاملة واختزال السياسة السورية إلى مجموعة قليلة من الأولويات الثانوية إلى تردد الولايات المتحدة في دفع التكاليف وتولي القيادة في الشرق الأوسط.

هذا الموقف غير فاعل في ظل التطبيع الذي يحدث حالياً في المنطقة، ويضعف رسائل واشنطن المناهضة للتطبيع تجاه الأسد.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد