يظهر عدوان إيران المتزايد ضد أمريكا ضعف بايدن
المصدر: واشنطن بوست
بقلم: جون بولتون
كان جون ر. بولتون مستشاراً للأمن القومي في عهد الرئيس دونالد ترامب، وهو مؤلف كتاب "الغرفة التي حدثت فيها: مذكرات البيت الأبيض"، والذي سيتم نشره قريباً في غلاف ورقي مع مقدمة جديدة.
إن تركيز الرئيس بايدن على الصراع بين حماس وإسرائيل يصرف انتباهه بشكل خطير عن العمليات العسكرية التي يقوم بها وكلاء إيرانيون آخرون ضد أهداف أمريكية في الشرق الأوسط. ويتعين علينا أن نردّ على عدوانية إيران بأكثر من مجرد كلمات، وبالتالي نُظهِر بوضوح أن هذه العمليات يجب أن تتوقف.
منذ شهرين، تزايدت الأعمال العدائية، فمنذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما بدأت الهجمات، ضربت الميليشيات الشيعية أهدافاً عسكرية ومدنية أمريكية في سورية والعراق أكثر من 100 مرة، وكان آخرها قصف سفارتنا في بغداد بالصواريخ لأول مرة منذ أكثر من عام، وقد سقط حتى الآن ما لا يقلّ عن 66 قتيلاً. لقد نفذ الحوثيون المتمركزون في اليمن العديد من الهجمات ضدّ السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر، وأسقطت مدمرة أمريكية مؤخراً طائرة بدون طيار يُشتبَه في أنها تابعة للحوثيين كانت متجهة في طريقها خلال إحدى هذه الهجمات باتجاه سفينة تجارية.
لا يوجد شكّ في أن وكلاء إيران الإقليميين يتصرفون بشكل مُنسّق في الأزمة الحالية، ويرى هؤلاء بوضوح أن هذه الهجمات المتفرقة هي انتقام من حرب إسرائيل على غزة، وقد صرّح كبار المسؤولين في إدارة بايدن -بشكل لا لَبْس فيه- أن إيران لا تُقدّم الدعم المالي فحَسْبُ، بل توجه وتساعد أيضاً في التخطيط لهجمات الحوثيين، وكان وزير الخارجية الإيراني أكثر صراحة، حيث قال مؤخراً لصحيفة نيويورك تايمز: " إذا واصلت الولايات المتحدة دعمها العسكري والسياسي والمالي لإسرائيل وساعدت في إدارة الهجمات العسكرية الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين، فعليها أن تواجه عواقب ذلك."
حتى الآن، كانت ردود بايدن متواضعة ولا قيمة لها، إذ إن الهجمات غير المتكررة ضد مواقع الميليشيات الشيعية في العراق تشير إلى الضعف، وليس إلى وجود أي عزيمة على الردع، وقد فشلت تلك الهجمات الهزيلة في الحدّ من هجمات الميليشيات. رغم أن هذه الهجمات الإيرانية لم تسفر بعدُ عن خسائر كبيرة في صفوف قواتنا المسلحة، إلا أن ذلك لا يرجع إلى عدم قيام إيران بالمحاولة. وقد علّق أحد مسؤولي الدفاع مؤخراً قائلاً: "إنهم يهدفون إلى إحراز قتلى". "لقد كنا محظوظين بعدم وجود قتلى." وكما قال رئيس القيادة المركزية السابق فرانك ماكنزي مؤخراً: "لم نُظهر لهم أي شيء يُثنيهم عن الاستمرار في الهجمات."
إن إدارة بايدن لا تفشل في إنشاء حتى الحدّ الأدنى من الردع فحَسْبُ؛ بل يبدو أنها غير قادرة على التفكير بشكل إستراتيجي بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، مما يثير استياء الأصدقاء والحلفاء على حدّ سواء.
لقد كانت حماية حرية الملاحة دائماً من أهم أولويات الولايات المتحدة الأمنية، وقد أثبتت السفن التي تعبر البحر الأحمر، من قناة السويس إلى مضيق باب المندب، أنها أهداف مناسبة للحوثيين. إن ما يقرب من 12 في المائة من التجارة العالمية -أي ما يصل إلى 30 في المائة من حركة الحاويات العالمية- تبحر في هذا الطريق، وقد أدى إغلاق قناة السويس عام 2021 بسبب جنوح سفينة إلى تعطيل الأسواق العالمية بشدة.
وقد أدت الهجمات المستمرة إلى ارتفاع أسعار التأمين البحري، وقامت أربع من أكبر شركات الشحن في العالم، بعد تعرض سفنها لضربات مباشرة أو حوادث كادت أن تلحق بها، بـ "إيقاف" الدخول مؤقتاً إلى البحر الأحمر.
وحذت شركة النفط العملاقة BP حَذْوها بأسطولها من الناقلات، وبكل تأكيد ستحذو شركات الشحن الصغيرة حذوها قريباً. سيتم إرسال السفن حول إفريقيا، مما يضيف التكاليف والتأخير إلى سلسلة التوريد الدولية التي لا تزال هشّة. إن أسعار النفط ترتفع بالفعل بسبب حالة عدم اليقين.
لقد سعت إدارة بايدن إلى تشكيل قوة متعددة الجنسيات لمرافقة حركة المرور التجارية، ولكن هذا إجراء دفاعي بحت، وبالتالي فهو غير كافٍ. ومثل الهجمات الخادعة ضد الميليشيات الشيعية، فإنها لن تردع الحوثيين المتمركزين على الأرض والمتنقلين أو مورِّدي الأسلحة الإيرانيين، وقد طلبت الإدارة من الحوثيين وقف هجماتهم، وفرضت عقوبات محدودة عليهم ولكن هذا أيضاً لن يُجدي كثيراً من النفع.
لقد أزال بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في غضون شهر من توليه منصبه في عام 2021. كبداية يجب عليه إعادة تصنيفهم على الفور، وعليه أن يتغلّب على أي تأنيب ضمير داخل فريقه بشأن ضرب الحوثيين بشكل مباشر.
ولكن يجب عليه أيضاً أن يفكر على نطاق أوسع، فلا شك أن إيران تقف وراء كل هذه التصعيدات، ويتعين عليها أن تتلقى إشارة قوية مفادها أن سلوكها غير مقبول، ويجب على واشنطن إنشاء ردع واضح، بما في ذلك من خلال استخدام القوة. ومن خلال فرض تكاليف على إيران الآن، فإنه سيقلل من احتمالات التصعيد الأكثر شمولاً في وقت لاحق.
تُعتبر الأصول العسكرية الإيرانية في البحر الأحمر أو القواعد البحرية على طول الخليج الفارسي أهدافاً منطقية للردع، وحتى الهجمات ضد الدفاعات الجوية الإقليمية الإيرانية أو قواعد فيلق القدس في إيران من شأنها أن تشير إلى عزم ولكن ليس نوايا تهدد النظام. بالإضافة لذلك، يمكن أن نجعل إيران تشعر بالقلق الآن بشأن ما إذا كانت برامج أسلحتها النووية وصواريخها الباليستية معرضة للخطر أيضاً.
إيران لا تبحث عن سُبُل للتعايش مع أمريكا في الشرق الأوسط، فطهران تريد خروجنا، خاصة من قواعدنا العسكرية في الخليج، وتريد طهران أيضاً عزل إسرائيل بشكل أكبر والقضاء عليها في نهاية المَطاف. لا ينبغي أن يكون أي من هذا مقبولاً بالنسبة للولايات المتحدة.
بالنسبة للملالي، فإن ضبط النفس الذي تمارسه الولايات المتحدة لا يُظهر حُسْن النية، بل يُظهر تراجُعاً، فنحن لا نضرب إيران أبداً، والملالي يستخلصون النتائج التي تناسب تفكيرهم، إن الضربات الانتقامية القوية ضدّ وكلاء إيران وَحْدَها قد تُشكّل قوة ردع، لكن واشنطن لا تحاول حتى القيام بذلك.
إنّ الردع لا يعتمد على الخطابات، بل على القوة والأداء، والوقت ينفد بالنسبة لبايدن لكي يفهم هذه النقطة.