ماذا تعني الحرب في غزة بالنسبة لسورية؟
The new humanitarian
بقلم: آرون لوند
ترجمة: عبدالحميد فحام
الرابط:
https://www.thenewhumanitarian.org/analysis/2023/12/07/what-war-gaza-means-syria
بعد 12 عاماً من الحرب، أصبحت سورية بلداً ممزقاً حيث لا تزال الاحتياجات الإنسانية في تزايُد ومن المرجح أن يزيد العنف الدائر في غزة الأمور سوءاً، وفي حين أن الصراع المسلح في جميع أنحاء سورية شهد انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، إلا أن الحرب لم تنتهِ بعد وقد شهد شهر تشرين الأول/ أكتوبر تجدُّد الغارات الجوية والقصف في الشمال الغربي الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، في حين يواصل الاقتصاد الهبوط إلى مستويات غير مسبوقة.
حوالَيْ نصف سكان سورية وفقاً لإحصائيات ما قبل الحرب إما فرّوا إلى الخارج أو نزحوا داخل البلاد، وتقول الأمم المتحدة: إن ثلثَي السكان المتبقين بحاجة إلى مساعدة، لكن هذه المساعدات تتناقص بسبب نقص التمويل، وقال برنامج الأغذية العالمي هذا الأسبوع إن بعض هذه التخفيضات ستكون أكثر دراماتيكية بدءاً من كانون الثاني/ يناير.
كان لاندلاع الحرب في غزة، بين إسرائيل وحماس -الحركة الفلسطينية التي تسيطر على الأراضي التي يقطنها أكثر من مليوني شخص– أثر مدمر للغاية، فمنذ هجوم حماس الذي أسفر عن مقتل حوالَيْ 1200 شخص في إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تقول وزارة الصحة في غزة والجيش الإسرائيلي إن إسرائيل قتلت أكثر من 15000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين. لكن من المرجح أيضاً أن تضاعف الحرب من معاناة الملايين من السوريين، حيث يمكن أن يمتد الصراع عَبْر الحدود، وحتى إذا لم يحدث ذلك، من المرجح أن يؤدي الدمار في غزة إلى تحويل التمويل الضروري للمساعدات عن سورية.
إليكم نظرة على كيفية تأثير النزاع في غزة على سورية حتى الآن، وإلى أين قد تتجه الأوضاع:
مَن هم الجماعات الرئيسية في حرب سورية؟ وكيف تفاعلوا مع غزة؟
تظل معظم سورية تحت سيطرة الحكومة الاستبدادية لرئيس النظام بشار الأسد، والتي تُظهر عداءً شديداً تجاه إسرائيل وتُعَدّ حليفاً وثيقاً لإيران وللجماعة السياسية والعسكرية اللبنانية حزب الله، وحماس. يتمتع الأسد أيضاً بدعم روسيا، التي لديها قواعد في سورية وتسيطر على الكثير من المجال الجوي للبلاد، وبينما قام الأسد بالابتعاد عن الانخراط في الحرب في غزة نسبياً، إلا أن حكومته تتهم إسرائيل بـ "الفاشية" و قيامها "بالإبادة الجماعية".
في الشمال، تسيطر فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة على معظم الحدود السورية التركية وتحتفظ جماعة إسلامية تُدعى هيئة تحرير الشام بسيطرتها على منطقة إدلب الشمالية الغربية، بينما تسيطر مجموعة متنوعة من الفصائل الوكيلة التركية على مناطق الحدود الأبعد شرقاً، وكل هؤلاء يؤيدون الفصائل الفلسطينية المقاتلة لإسرائيل، كما يفعل الشيء نفسه راعيهم التركي.
يسيطر تحالف يُديره الأكراد يُسمى قوات سورية الديمقراطية على معظم شمال شرق سورية، حيث تقوم القوات الروسية بتوفير الحماية لـ "قوات سورية الديمقراطية" في بعض أجزاء البلاد، وفي أماكن أخرى يحميها الجيش الأمريكي، لكنها أكثر تحالفاً مع الأمريكيين. يُظهر القادة الأكراد السوريون أيضاً تعاطُفاً مع القضية الفلسطينية، لكن تصريحاتهم حول النزاع في غزة أكثر اعتدالاً من تصريحات المجموعات السورية الأخرى، وتركز أكثر على إدانة العنف والتطرف.
قد يكون ذلك لأنهم لا يرغبون في تعريض دعمهم الأمريكي للخطر، لكن السلطات الكردية في سورية لديها أيضاً أمور أخرى تشغل بالها - فهي تكافح لجذب الانتباه إلى الهجمات التركية على المناطق التي تسيطر عليها.
على الرغم من ذلك، تُدار قوات سورية الديمقراطية من قِبل فرع لحزب العمال الكردستاني، أو PKK، الذي يقاتل الحكومة التركية؛ ويدين قادة PKK الأفعال الإسرائيلية ويصفونها بأنها "إبادة جماعية".
ما الذي يحدث في سورية؟
على عكس لبنان، حيث تبادل حزب الله إطلاق النار مع إسرائيل منذ بدء النزاع، لا تتصدر سورية واجهة الأحداث. تم الإبلاغ عن بعض القذائف الصاروخية من الأراضي السورية في الأسابيع الأخيرة، مما دفع إسرائيل للرد بغارات جوية إضافية. على الرغم من ذلك، لا تزال الحدود بين البلدين هادئة بشكل ملحوظ مقارنة بجبهة "إسرائيل-لبنان"، لكن هذا لا يعني أن الأمور مستقرة بشكل عام، فخلال الأسابيع القليلة الماضية، زادت إسرائيل من حملتها للغارات الجوية على أهداف في سورية يُزعم أن لها صلات بإيران. وبشكل خاص، هاجمت مطارات دمشق وحلب مراراً وتكراراً، دون تأكيد رسمي لهذه الضربات.
تقول إسرائيل إن الحكومة السورية تساعد في تهريب الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله والجماعات المدعومة من إيران في سورية، وقد حذر وزير الدفاع يوآف غالانت من أن إسرائيل "لن تسمح بوجود جبهة جديدة لحزب الله في سورية أو بوجود عسكري إيراني هناك".
ومع ذلك، فإن أهم تصعيد متعلق بغزة في سورية لا يتضمن إسرائيل أو حماس، بل يتعلق بالعراق، فمنذ السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، قامت مجموعة جديدة تسمي نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق" بإطلاق النار على القواعد الأمريكية في شرق سورية عشرات المرات. المجموعة، التي تبدو واجهة لعدة ميليشيات شيعية عراقية مدعومة من إيران، قد هاجمت القواعد الأمريكية في كل من سورية والعراق.
ردت واشنطن بضبط نفس نسبي، من خلال إطلاق عدد قليل من الغارات الجوية العقابية، دون تأثير واضح. ومع ذلك، توقفت الهجمات مع بداية الهدنة الأخيرة في غزة، لتُستأنَف بمجرد انتهائها - مما يوضح أن المسلحين المدعومين من إيران يحاولون الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح حليفتها إسرائيل.
بالإضافة إلى كل هذا، هناك الحرب السورية نفسها، فعلى الرغم من أن هذا الصراع كان يسير ببطء لسنوات، إلا أنه لم ينتهِ بعد.
في الواقع، شهد شهر تشرين الأول/ أكتوبر أسوأ تصعيد في الحرب منذ أربع سنوات، حيث شن جيش النظام السوري وحلفاؤه الروس حملة كبرى من الغارات الجوية في إدلب، بذريعة الانتقام لهجوم بطائرة مسيرة في 5 تشرين الأول/ أكتوبر أسفر عن مقتل العشرات في الأكاديمية العسكرية في حمص. فقد العديد من المدنيين السوريين حياتهم في هذه الهجمات، وتعرضت المدارس والمرافق الطبية للقصف، واضطر حوالَيْ 120,000 شخص للفرار من منازلهم.
ماذا يؤثر كل هذا على العمليات الإنسانية؟
على المدى القصير، قد تكون الأمور أسوأ، وعلى المدى الطويل كذلك، فقد يتسبب القصف المتكرر من قِبل إسرائيل لمطارات حلب ودمشق في إعاقة ليس فقط للسفر والتجارة المدنية، ولكن أيضاً للوجستيات الخاصة بالأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وقد حذرت الأمم المتحدة العام الماضي من أن هذا القصف له "عواقب إنسانية شديدة".
كما يمكن أن يؤدي التصعيد في النزاع إلى قيام حكومة النظام السوري بتشديد القيود على توصيل المساعدات إلى الأشخاص في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة.
لطالما قام مجلس الأمن الدولي بالتصويت على مشاريع قرارات بشأن إيصال شحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة عبر الحدود التركية إلى الشمال الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة، حيث يعيش ملايين السوريين النازحين والفئات الضعيفة، ولطالما رفضت السلطات السورية ما وصفته بالمساعدات لـ "الإرهابيين" وطالبت بأن يكون لها سلطة على أي شحنات تابعة للأمم المتحدة إلى سورية. بعد الكثير من المداولات الدبلوماسية، استخدمت روسيا حق النقض ضد تفويض مجلس الأمن الدولي القائم منذ فترة طويلة لتلك الشحنات العابرة للحدود الصيف الماضي، مما اضطر الأمم المتحدة لطلب موافقة الحكومة السورية.
ومع ذلك، واصلت دمشق السماح بتدفق المساعدات حتى الآن، ففي الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الأخير، سُمح للأمم المتحدة باستخدام معبرين حدوديين شماليين لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لكن السلطات الحاكمة في مناطق النظام السوري أصرّت على أن تكون التصاريح قصيرة ومحدودة زمنياً، مما يعني أن المسألة ستعود إلى مكتب الأسد مطلع عام 2024.
وبالنظر إلى المدى البعيد، يبدو من المؤكد أن الأزمة الإنسانية الرهيبة في سورية ستزداد سوءاً، وستساهم الحرب في غزة بتعجيل هذا التراجع.
حتى دون الأخذ في الاعتبار السيناريوهات الأسوأ، مثل حرب كبيرة بين إسرائيل ولبنان تمتد عَبْر الحدود، يمكن أن تؤدي التوترات الإقليمية إلى عدم استقرار سورية. وربما الأهم - نظراً لأن القنابل الإسرائيلية قد ألحقت أضراراً بنسبة تصل إلى 60% من المساكن في الأراضي الفلسطينية في غزة- ستحتاج الأخيرة إلى مساعدة إنسانية كبيرة، وسيؤدي هذا إلى خفض الميزانيات المخصصة للمساعدات التي جرى اعتمادها مسبقاً، ومع اقتراب عام 2023 من نهايته، يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في سورية بنسبة 33% فقط، مما أدى إلى إيقاف المساعدات عن ملايين الأشخاص.
في شهر تموز/ يوليو الماضي، قلّص برنامج الأغذية العالمي المساعدات لـ 2.5 مليون مستفيد، من أصل 5.5 مليون، مشيراً إلى "أزمة تمويل غير مسبوقة". وفي الرابع من كانون الأول/ ديسمبر، قال برنامج الأغذية العالمي: إن برنامج المساعدات الغذائية الرئيسي سينتهي تماماً في سورية في كانون الثاني/ يناير. كانت الوكالة تحذر لأشهر من أن التخفيضات الجذرية ستكون حتمية إذا لم يتحرك المانحون، وكان ذلك قبل أن يعني النزاع في غزة أن الملايين من الأشخاص في المنطقة أصبحوا بحاجة إلى المساعدة.
هل ستزداد الأوضاع سوءاً؟
الوضع على الحدود "اللبنانية-الإسرائيلية" هو المحفز الأكثر احتمالاً لنشوب صراع كبير يشمل سورية، حيث يوجد تبادل لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بشكل يومي تقريباً باستثناء فترة الهدنة في غزة التي امتدت من 24 إلى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، وعلى الرغم من أن كِلا الطرفين بدا أنهما حاولا تجنُّب الصراع الشامل، إلا أن الهجمات وصلت تدريجياً إلى داخل إسرائيل ولبنان، ويُقال إن أكثر من 100 شخص قُتلوا في لبنان، بما في ذلك حوالَيْ 80 مقاتلاً من حزب الله، وجندي من الجيش اللبناني، وعدد من المدنيين. في إسرائيل قُتل سبعة جنود وثلاثة مدنيين في الاشتباكات الحدودية وفقاً للتقارير الإخبارية.
إذا قرأ أي من الطرفين الطرف الآخر خطأً أو ارتكب خطأً، يمكن أن تتدهور الأوضاع بسهولة لتُفقد السيطرة، ويُقال أيضاً: إن غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، صرح بأن إسرائيل يمكن أن تستخدم القوة لطرد حزب الله بعيداً عن الحدود الإسرائيلية، بمجرد انتهاء القتال في غزة.
من شِبه المؤكد أن سورية ستنجر إلى صراع "إسرائيل-لبنان"، نظراً لأن حزب الله وإيران يستخدموا المنشآت العسكرية السورية.
تبدو الهجمات المدعومة من إيران على القواعد الأمريكية في شرق سورية أقل احتمالية لإشعال حريق كبير بمفردها، ولكن إذا سُمح لها بالتصاعد، فقد تكون الاحتكاكات "الأمريكية-الإيرانية" في العراق وسورية لها تأثيرات مزعزعة للاستقرار. يمكن أن يؤدي التوتر المتزايد إلى منع الوصول البري العسكري الأمريكي إلى سورية، وربما حتى يجبر على انسحاب القوات الأمريكية. سيؤدي انسحاب الولايات المتحدة إلى تغيير جذري في الوضع في شمال شرق سورية من خلال انهيار قوات سورية الديمقراطية، وإشعال حروب إقليمية عنيفة، وزيادة خطر التوغل التركي.
تدخلت القوات التركية في سورية عدة مرات منذ عام 2016، بينما تم كبح جماح تحرك قواتها العسكرية مؤخراً بمعارضة من الولايات المتحدة وروسيا، حيث إن أنقرة لم تُخفِ يوماً رغبتها في سحق قوات سورية الديمقراطية. مع انشغال واشنطن وموسكو بأزمات أخرى، قد تقرر أنقرة أن الوقت قد حان لزيادة الضغط على طول الحدود مرة أخرى، ومع وجود العديد من القُوَى الخارجية تعمل داخل المجال الجوي السوري وعلى أراضيها، يمكن أن يأتي التصعيد أيضاً بمحض الصدفة.
على سبيل المثال، في الماضي كانت إسرائيل تُخطر روسيا عندما تخطط للقيام بضربات داخل سورية، وقد تكون هذه السياسة قد انتهت الآن، مما يزيد من خطر أن تؤدي هذه الهجمات إلى مقتل جنود روس وتشعل صراعاً بين البلدين، كما قد تتعرض أنظمة تجنب الصدام الأمريكية والروسية التي تهدف إلى منع وقوع وفيات عسكرية بصورة عرضية - والتي بدأت بالفعل في التفكك قبل النزاع في غزة - للضغط إذا انجرت القوات الأمريكية إلى دوامة انتقامية مع الفصائل الوكيلة الإيرانية التي تعمل من مناطقِ النظام المحميةِ من قِبل روسيا.