إعادة التأهيل لطاغية سورية الملطخ بالدماء: خطوة مُشِينة قام بها العرب
ترجمات- المصدر: هآرتس
بقلم: عقيل ماركيو
ترجمة: عبدالحميد فحام
إن مصافحة الديكتاتور السوري الأسد من قِبل شخصيات بارزة من العالم العربي هي بمثابة دعس على جثث أكثر من نصف مليون ضحية سورية، والرابح الأكبر من تلك الجهود المحمومة للقاء بشار الأسد، هو إيران ولا حديث عن ضمير الغرب مع مثل هذه التحركات.
لقد أصبحت دمشق من خلال هذه التحركات مرة أخرى وجهة يقصدها وزراء الخارجية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فقد كانت هناك حملة مكثفة من النشاط الدبلوماسي لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد الديكتاتوري. وقد توّجت الآن بالترحيب بعودته إلى جامعة الدول العربية.
وهم يصافحون الديكتاتور السوري في قصره المطلّ على مرتفعات دمشق، يسير هؤلاء المسؤولون فوق جثث أكثر من نصف مليون قتيل. إنهم يُديرون ظهورهم لنصف سكان هذا البلد الذين يعيشون في مخيمات الإذلال والبؤس، نازحين في بلادهم أو كلاجئين في البلدان المجاورة.
على مدى السنوات الـ 12 الماضية من الحرب السورية، استخدم نظام الأسد جميع أنواع الأسلحة التقليدية والمحظورة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، ضد معارضيه والسكان المدنيين. الدول العربية في الخليج، التي موّلت وشكّلت قواعد خلفية للجماعات المسلحة المعارضة للنظام، بما في ذلك الأكثر تطرُّفاً وجهادية، تقف الآن في طوابير لمصافحة الديكتاتور.
وتكاد تكون هذه قصة تستحق أن تكون في كتاب ألف ليلة وليلة: الدبلوماسية الدولية أمر غير قابل للتصديق، حيث هُرعت الجهود الدبلوماسية للقاء الطاغية. وهذا ما أرادته دول الخليج العربية، كما أرادته دول المغرب العربي ومصر.
يتم ذكر "الروابط الأخوية التاريخية" في البيانات الرسمية بلغتها المنمقة النموذجية حيث يقوم وزير الخارجية السوري بزيارة الرياض، ويقوم وزير الخارجية السعودي بالحديث عن تجديد العلاقات مع إيران برعاية الصين أثناء زيارة إلى دمشق، وبعد أن قامت جامعة الدول العربية بعقد جلسة مغلقة في القاهرة تهدف كجهد دبلوماسي شنيع، للتقرب من النظام السوري .
عملية الإغواء والتأهيل هذه تجاه النظام السوري تؤكد ضعف الموقف الأمريكي وحلفائه البريطانيين والفرنسيين- في سورية والشرق الأوسط بشكل عامّ. وهذا لا يعود تاريخه إلى إدارة بايدن فقط.
فباراك أوباما، الذي أعلن عن "خط أحمر" بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية، وقف متفرجاً بينما استخدم الديكتاتور السوري هذه الأسلحة مرتين على الأقل ضد رعاياه. وبعدها حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام. في هذه السلسلة من الإخفاقات الأمريكية في المنطقة وآخِرها كان الانسحاب المهين من كابول والعراق، والتي لا تزال دولة فاشلة بعد 20 عاماً من الإطاحة بديكتاتورها، يقوم أعداء الغرب، من الأسد إلى روسيا إلى إيران، بالاحتفال بالنصر.
قبل كل شيء، تُظهر هذه الملحمة السورية عجز العالم العربي عن تقديم نموذج حكم ديمقراطي يلبي تطلعات شعوبه. إن الاعتقال الأخير لزعيم المعارضة التونسية، حيث بدأ ما يسمى بـ "الربيع العربي" منذ أكثر من عشرة أعوام، يشير إلى فشل النخبة العربية في مواجهة الثورات المضادة.
https://nedaa-post.com/%d9%81%d8%a7%d9%8a%d9%86%d9%86%d8%b4%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%a7%d9%8a%d9%85%d8%b2-%d8%a8%d8%b4%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af-%d9%8a%d8%b1%d9%81%d8%b6-%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85-%d8%a3%d9%8a-%d8%aa%d9%86%d8%a7%d8%b2%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d9%85%d8%b9%d9%87/
إن الفشل العربي لا يرجع إلى "مؤامرة صهيونية" ولا إلى "خطة إمبريالية"، حتى لو كانت إسرائيل والولايات المتحدة حاضرة في تعقيد المنطقة وعلاقاتها الدولية. بل هذا فشل العالم العربي في الانضمام إلى النظام الحديث وهو الفشل الذي يعود تاريخه إلى إنشاء الدول القومية في المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، قبل فترة طويلة من وجود دولة إسرائيل.
هناك أطراف إقليمية ودولية أخرى مسؤولة عن التعقيد الحاصل في الحرب السورية حيث إن مشكلة اللجوء جعلت القضية السورية مسألة في غاية التعقيد إذ تستضيف بعض الدول ملايين السوريين مما جعل مصالح تلك الدول تتشابك، كتركيا على سبيل المثال.
ففي ظل حمّى الانتخابات التي تعصف بالبلاد، تصارع أنقرة من أجل موازنة سياساتها وتقوم ببعض التواصُلات مع النظام المجرم في دمشق، حيث يريد الرئيس التركي الحالي أن يحسم نتائج التصويت بأي ثمن.
وفي مثل هذا التسابق المحموم للقاء بشار، تظهر إيران بصفة الرابح الأكبر، في سورية وخارجها. فمنذ توليه السلطة في عام 1979، كان نظام طهران حليفاً لنظام عائلة الأسد، مما أعطى شرعية لسيطرة طهران على كل من دمشق وبيروت، حيث كان لبنان تابعاً منذ فترة طويلة لإيران وسورية، ويمتد الآن إلى بغداد منذ ذلك الحين بعد سقوط صدام حسين؛ لأن الأغلبية الشيعية هي من تتولى السلطة في العراق.
https://nedaa-post.com/%d9%86%d9%8a%d9%88%d9%8a%d9%88%d8%b1%d9%83-%d8%aa%d8%a7%d9%8a%d9%85%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%a3%d8%af%d8%aa-%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%82-%d8%b9%d8%b6%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b2%d8%a7%d9%84-%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%85%d8%a9/
يُعَدّ هذا عكساً لمصير نظام الأسد الديكتاتوري المتعطش للدماء، والذي لا يزال يخضع لعقوبات دولية. هل يعني هذا أننا يجب أن نوافق على فرضية "لا تغيير"، حيث يعيد الشرق الأوسط إنتاج نفسه بشكل جبري وإلى الأبد؟
بالطبع ليس كذلك! فالطبقة الحاكمة في الشرق الأوسط هي المسؤولة عن سلامة وأمن منطقتها. لكن دول تلك المنطقة حصلوا على مساعدة من قِبل قوتين استعماريتين سابقتين، بريطانيا وفرنسا، اللتين سهلتا الطريق أمام العديد من الأنظمة العربية الشمولية والجمهوريات الديكتاتورية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي دعمت الوهابيين السعوديين في المملكة العربية السعودية.
فيما يتعلق بسورية، يجب على هذه القوى أن تُظهر الآن بعض الصلابة. فهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولديهم دور حاسم في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومجموعة الدول السبع الصناعية. وقبل كل شيء، يتوجب عليهم واجب أخلاقي يجب أن يُسدِّدوه إذا كانوا لا يزالون يفهمون معنى هذا المصطلح.
https://nedaa-post.com/%d8%aa%d9%88%d8%a7%d9%81%d9%8f%d9%82-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9/