أهداف الحوثيين الحقيقية من مهاجمة إسرائيل
بينما يُلقِي الصراع بين إسرائيل وحماس بثقل ظلاله على جميع أنحاء الشرق الأوسط. فإن بيانات جماعة أنصار الله (المعروفة باسم الحوثيين) التي تحذر من شنّ هجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد إسرائيل تزيد من شبح المواجهة الإقليمية المتوسعة. ويكمن وراء التهديد الأمني المباشر الذي تُشكّله هذه الهجمات دافع واضح. بعيداً عن المعارضة المباشرة لإسرائيل أو محاولة مساعدة الفلسطينيين، وبدلاً من ذلك. يستخدم الحوثيون هذه الإجراءات بشكل إستراتيجي كوسيلة لتعزيز موقفهم المحلي والإقليمي. ووضع أنفسهم في مواقع متقدمة في الصراع من أجل السيطرة على اليمن. من الواضح للمراقب عن كثب أن هذه الأعمال العسكرية تعمل كأداة إستراتيجية. وتعكس الديناميكيات الإقليمية والحسابات السياسية المحلية.
وسط الاعتبارات المتعلقة بإعادة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية، من الضروري أن يكتسب صُنّاع القرار الأمريكيون فهماً دقيقاً لدوافع الجماعة وعلاقاتها بجمهورية إيران الإسلامية من أجل تقليل التهديد الحوثي لحلفاء الولايات المتحدة والمساهمة في حلّ مشكلة الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن.
أنصار الله في اليمن يدخلون المعركة
في 31 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن يحيى سريع، المتحدث باسم الحوثيين. عن نية الجماعة تنفيذ "عملية ثالثة لنصرة إخواننا المظلومين في فلسطين". من خلال نشر صواريخ شديدة التأثير وهجمات بطائرات بدون طيار من مواقع يسيطر عليها الحوثيون "حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي". ومن المفترض أن تأتي هذه التصرفات "من منطلق الشعور بالمسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية والوطنية تجاه شعب غزة. في مواجهة ضعف العالم العربي، وتواطؤ بعض الدول العربية مع إسرائيل". وجاء هذا الإعلان في الوقت الذي اعترض فيه الجيش الإسرائيلي، والمملكة العربية السعودية. صاروخاً وأربع طائرات بدون طيار فوق البحر الأحمر.
وتشير هذه الهجمات إلى اتجاه متصاعد للأعمال الهجومية التي يقوم بها الحوثيون. والتي تمتد إلى ما هو أبعد من شِبه الجزيرة العربية. تشمل الحوادث البارزة الهجمات على الحدود السعودية اليمنية. والهجوم الذي تم اعتراضه على إسرائيل من قِبل السفينة الحربية الأمريكية "كارني"، مستهدفاً موقعاً عسكرياً سعودياً، والهجوم المقصود ضد إسرائيل والذي أثر عن غير قصد على مدينتين مصريتين على البحر الأحمر، واختطاف سفينة في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر لها صلات بإسرائيل في البحر الأحمر.
ترسانة واسعة
كذلك قد راكم الحوثيون ترسانة واسعة من الصواريخ الموجهة بدقة، والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. والمقذوفات المضادة للسفن. والعبوات المفخخة المائية- إلى حد كبير من خلال دعم إيران. منذ الانفراج الذي حدث في آذار/ مارس بين طهران والرياض. لا يزال مدى التعاون بين إيران والحوثيين غير مؤكد. وبالنظر إلى أن الاتفاق كان يهدف إلى تقليص التعاون الدفاعي بين إيران والحوثيين، فمن المهم أن نلاحظ أن العلاقات بين إيران والحوثيين تعود إلى تاريخ طويل من التعاون.
وتشير التطورات الأخيرة في الصراع بين إسرائيل وحماس إلى أنه من غير المرجَّح أن يتضاءل هذا التعاون في المستقبل المنظور. وفي الواقع، لفهم هجمات الحوثيين على إسرائيل بشكل أفضل ضِمن السياق الإقليمي، من الضروري وضعها في مقابل العلاقات التاريخية للجماعة مع إيران ودورها في "محور المقاومة".
كما تساهم العديد من العوامل الإقليمية والمحلية في الحسابات الاستراتيجية للحوثيين التي تؤدي إلى الاستهداف العسكري لإسرائيل، بينما تشكل أيضاً تهديداً مستمراً للمملكة العربية السعودية وحلفائها، وهذا ينقل أولاً وقبل كل شيء إلى طهران وشبكات الميليشيات في العراق وسورية والأراضي الفلسطينية ولبنان، النفوذ الجيوسياسي الكبير الذي تمارسه حركتها، وأهميتها في المناطق الرئيسية عَبْر شِبه الجزيرة العربية وبحر العرب والبحر الأحمر وإفريقيا وباب المندب.
فجوات في المفاوضات
ثانياً، مع ظهور فجوات في المفاوضات في الجولة الأخيرة من المحادثات بين السعودية والحوثيين، تتيح هذه التكتيكات الهجومية للحوثيين تعزيز موقفهم التفاوضي، دون إعادة إشعال التزام السعودية بالحرب. مع تزايُد اهتمام السعودية بإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه، يبدو أن الرياض قد استثمرت كل رهاناتها على الحوثيين، متصورة فيهم القوة التي تمثل اليمن الذي لا يسيطرون عليه بالكامل. في الوقت نفسه، يدرك الحوثيون،ط. الذين يَعُونَ تماماً الديناميكيات الداخلية التي تضعهم في مواجهة العديد من الخصوم المحليين -بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي المعين من قِبل السعودية- ضرورة ممارسة الضغط على الرياض لضمان تحوُّل إيجابي في المفاوضات، قبل عودة متوقَّعة لتصاعُد الصراع الأهلي في السنوات القادمة.
ثالثاً، نجحت الهجمات ضد إسرائيل أو المواقع الأمريكية، والتي تشكل إلى حدّ كبير عرضاً رمزياً للعدوان. في تعزيز الدعم المحلي والدعم العربي والإسلامي الأوسع للجماعة. محلياً. يواجه الحوثيون انتقادات عامة ومعارضة متزايدة من أولئك الذين يعيشون تحت سيطرتهم. والتي تفاقمت بسبب عدم دفع رواتب القطاع العامّ لفترات طويلة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تميزت بارتفاع أسعار السلع الأساسية وضعف العملة المحلية.
وعلى الصعيد الإقليمي، على الرغم من امتلاكها ترسانة عسكرية كبيرة والرغبة في استخدامها. فإن أنظمة الأسلحة الخاصة بها غالباً ما تكون بطيئة للغاية وغير دقيقة عن بُعد - وهو التحدّي الذي نشهده بشكل خاص في استهداف إسرائيل البعيدة. ومع ذلك في حين أن الهجمات تحمل الحدّ الأدنى من الأهمية العسكرية. إلا أنها تمارس تأثيراً سياسياً كبيراً. حيث تعمل في المقام الأول كوسيلة للحوثيين لإيصال رسالة قوية إلى ناخبيهم ومؤيديهم والمتعاطفين معهم، بهدف تعزيز الولاء العامّ لقضيتهم.
الصراع يتسع
كذلك يُشكّل الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس مصدر قَلَق كبير للفاعلين الإقليميين والمجتمع الدولي. حيث تمارس الولايات المتحدة الأمريكية أكبر تأثير خارجي على مجراه. في الواقع توفر الأزمة الحالية للولايات المتحدة العديد من الفرص في المنطقة. في اليمن. يشمل ذلك نهجاً ثلاثي الأبعاد يتضمن استمرار تقديم المساعدات الإنسانية، وتقديم النصح لحلفائها في الرياض لمتابعة المفاوضات الشاملة، واستمرار الدوريات لمراقبة الشحنات غير المشروعة وتأمين طرق البحر.
كما إنه من الأهمية بمكان أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة. حيث يعتمد أكثر من 21 مليون شخص على المساعدات الحيوية للبقاء على قيد الحياة. في أوقات الأزمات، من المهم للولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على حُسن النية تجاه المواطنين اليمنيين العاديين، معززة التزامها بأنها لن تتخلى عنهم.
في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية تشجيع الرياض على مواصلة المفاوضات مع الحوثيين.
ومع ذلك، من الضروري أن تشمل المفاوضات أعضاء من المعارضة، المجتمع المدني اليمني. الجهات الفاعلة الرئيسية. والمجتمعات التي تمثل طيفاً واسعاً من وجهات النظر. صياغة إستراتيجية تُسهّل التوصل إلى حلّ تفاوُضي مع الشمولية والتأييد العام من السكان قد يساعد في التخفيف من الفراغ المحتمل والصراعات الأهلية التي يعول عليها الحوثيون.
خطوة خاطئة
لنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ الجهدين السابقين، ستكون خُطوة خاطئة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. بعد أن قامت بإزالتهم من هذا التصنيف في عام 2021. تكمن الأهمية الأساسية لهذا التصنيف في رمزيته أكثر من كونه ذا تأثير كبير على مجموعة تاريخياً جمعت التمويل من خلال وسائل مثل الاستغلال الاقتصادي، وسرقة الموارد. والضرائب غير القانونية. علاوة على ذلك، يعيق هذا التصنيفُ جهودَ المساعدات الإنسانية والمعونة لليمنيين، ويُقوّض إمكانية وساطة الدبلوماسيين الأمريكيين في محادثات السلام الحاسمة.
في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية مواصلة القيام بدوريات بحرية حول اليمن، حيث إن الوجود الأمريكي يخدم غرضاً مزدوجاً، من ناحية منع وصول الأسلحة إلى الأراضي اليمنية ومن ناحية أخرى يساعد في التصدي لأي صواريخ، أو طائرات بدون طيار، أو أعمال قرصنة تهدد حرية الملاحة البحرية.
قد تؤدي إستراتيجية أمريكية ناجحة في الوقت نفسه إلى تقليل التهديد الذي يُشكّله الحوثيون لحلفاء الولايات المتحدة ومصالحها، وتسهم في حلّ أشد أزمة إنسانية في العالم في اليمن.
المصدر: نيوزويك
بقلم: مسعود مستجابي
ترجمة: عبدالحميد فحام