وول ستريت جورنال": الحرب في أوكرانيا خلقت "محور شر" جديداً

وول ستريت جورنال": الحرب في أوكرانيا خلقت "محور شر" جديداً

كان ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونج أون مبتهجاً عندما أجرى جولة لزيارة منشآت الصناعة العسكرية الروسية في أيلول/ سبتمبر، رفقة مضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قاده لزيارة مصنع المقاتلات النفاثة من طراز Su-35، وتفقد الرجلان فرقاطة تابعة للبحرية الروسية، وصواريخ Kinzhal في ميناء فوستوشني الفضائي.

بعد ذلك بوقت قصير، بدأت قطارات محملة بقذائف المدفعية الكورية الشمالية تتدفق على القوات الروسية في أوكرانيا -وفقاً للحسابات الأمريكية-، فيما يصل عدده إلى مليون قذيفة، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما تمكنت الدول الأوروبية من توفيره خلال عام كامل.

قام شريك آخر متزايد الأهمية لروسيا، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بزيارة بوتين هذا الشهر، حيث لعبت الذخائر والطائرات بدون طيار الإيرانية دوراً رئيسياً في الجهود الحربية الروسية. الآن ناقش رئيسي الثمن المطلوب، وهو طائرات روسية متطورة ودفاعات جوية من شأنها أن تجعل من الصعب بشكل كبير على الولايات المتحدة أو إسرائيل ضرب إيران وبرنامجها النووي.

استخدم الرئيس جورج دبليو بوش مصطلح "محور الشر" لوصف كوريا الشمالية وإيران والعراق في عام 2002، في أول خطاب له عن حالة الاتحاد بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وقد سخر الكثيرون من هذه الفكرة في ذلك الوقت، ولكن الآن أصبح المحور الذي يوحّد موسكو وطهران وبيونغ يانغ حقيقة جيوسياسية - ومع لعب روسيا الرجعية والمتهورة دوراً مركزياً فيه، فإنه أصبح يشكل تهديداً متزايداً للولايات المتحدة والديمقراطيات الحليفة لها.

ويتجمع هذا المحور الجديد في الوقت الذي يُظهر فيه التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة تصدعات بنيوية، فقد توقفت المساعدات الأمريكية التي لا غنى عنها لأوكرانيا بسبب معارضة الجمهوريين في الكونغرس، كما تعرضت جهود الاتحاد الأوروبي لمواجهة روسيا للتخريب من قِبَل المجر.

ولم تكن الولايات المتحدة ولا أوروبا مستعدة أو قادرة على تعزيز الإنتاج العسكري لمواكبة النمو الروسي الأخير في تصنيع الذخيرة والأسلحة.

والصين، وهي قوة استبدادية أخرى، صديقة للمحور المزدهر بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية، لكنها لم تنضم إليه عسكرياً رغم أنها قد تفعل ذلك في المستقبل، إذا قرر الغرب ذلك.

"الصينيون يراقبون: كيف نتصرف؟ وردودنا غامضة ولا تتوافق مع احتياجاتنا"، هكذا قال أرتيس بابريكس، وزير الدفاع والخارجية اللاتيفي السابق الذي يترأس الآن مركز سياسة شمال أوروبا، وهو مركز فكري، وأضاف: "لقد قلّلنا من شأن تأثير العدوان الروسي في أوكرانيا بشكل كبير".

لقد ظهر بالفعل رمز جديد في واشنطن للدلالة على هذه التشكيلة الاستبدادية: CRINKs، ويعني الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية. وقد قامت هذه الدول بتقريب مواقفها من بعضها البعض على نحو متزايد، ليس فقط بشأن أوكرانيا، بل وأيضاً بشأن الأزمات الأخرى التي تضعها في مواجهة الولايات المتحدة، مثل الحرب في غزة.

وقالت السيناتور جين شاهين، وهي ديمقراطية من نيو هامبشاير وعضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية، إنه لا ينبغي الاستهانة بهذا التنسيق الدبلوماسي.

وأضافت: "روسيا تمنح إيران وكوريا الشمالية القبول والمصداقية، وهو أيضاً أحد الأشياء التي تقدمها الصين لروسيا: أنهما ليسا وحدهما في المجتمع الدولي".

خلال رئاسة جورج دبليو بوش قبل عقدين من الزمن، كانت روسيا تضع نفسها كقوة عالمية مسؤولة، وتعاونت مع الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين في ضبط سلوك إيران وكوريا الشمالية. وحتى بعد غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، كانت روسيا أحد الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الصفقة التي تهدف إدارة أوباما من خلالها إلى كبح طموحات إيران النووية. وحتى عام 2017، صوتت روسيا لصالح فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي ضد كوريا الشمالية.

ولكن عندما فشل غزو أوكرانيا عام 2022 في تغيير النظام في كييف ودفع الغرب إلى تحويل الأموال والأسلحة إلى الحكومة الأوكرانية، تغيرت حسابات موسكو.

ومع إصابة روسيا بالشلل بسبب العقوبات الغربية، لجأ بوتين إلى الدول المارقة الأخرى التي يمكن أن تزوده بمساعدات عسكرية قيمة، والتي تتوق إلى التكنولوجيات الروسية.

دخلت طائرات شاهد الإيرانية بدون طيار القتال في أوكرانيا في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وتم استخدامها على نطاق واسع ضد محطات الطاقة الأوكرانية والبنية التحتية للموانئ والأهداف العسكرية. أصبح إنتاج الطائرات بدون طيار الآن محلياً جزئياً داخل روسيا. ويقول مسؤولون عسكريون إن مثل هذا الاختبار الميداني في ظروف قتالية حقيقية، ضد الدفاعات الجوية التي يزودها بها الغرب، سمح لإيران بتحسين تصميم وفعالية طائراتها بدون طيار.

وحتى الآن، لم تصل إيران إلى حدّ تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية، مستخدمة تلك الخطوة كورقة مساومة في محادثاتها مع الغرب، ولكن قد يختفي هذا النوع من ضبط النفس الآن بعد اشتعال الحرب في غزة.

لقد استفاد برنامج الصواريخ الإيراني، وصناعاته العسكرية بشكل عام، منذ فترة طويلة من المعرفة الكورية الشمالية. لكن روسيا تمتلك أسلحة لا تنتجها كوريا الشمالية. إن نقطة ضعف إيران هي افتقارها إلى الطائرات المقاتلة الحديثة، وقد وقّعت بالفعل اتفاقيات للحصول على طائرات روسية من طراز Su-35.

بينما كان الاتحاد السوفياتي في السابق حليفاً رسمياً لكوريا الشمالية، كانت روسيا بعد عام 1991 حذرة، وطورت علاقات وثيقة مع كوريا الجنوبية بدلاً من ذلك.

تحول هذا البرود إلى مغازلة تقريباً مُتّصفاً بالإذلال لكيم عندما واجه الجيش الروسي نقصاً في الذخيرة هذا الصيف. لقد اعتادت القوات الروسية على تفوُّق مدفعي ساحق في ساحة المعركة، لكن القوات الروسية في جنوب أوكرانيا وجدت نفسها فجأة تواجه قوة نيران أوكرانية أفضل في بعض أجزاء جبهة القتال. ومن المفارقات أن نسبة كبيرة من ذخيرة المدفعية التي استخدمتها أوكرانيا خلال هجومها الصيفي قدمتها كوريا الجنوبية، عَبْر وسطاء أمريكيين.

في تموز/ يوليو، بعد أسابيع من بدء الهجوم الأوكراني، سافر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى بيونغ يانغ، وظهر في عرض عسكري بمناسبة الذكرى السبعين لـ "انتصار" كوريا الشمالية على القوات الأمريكية، إلى جانب كيم خلال العرض. وعندما قام كيم بزيارة استغرقت أسبوعاً إلى الشرق الأقصى الروسي بعد شهرين، تم تكريمه على عكس الاستقبال البارد نسبياً الذي حظي به في رحلته السابقة في عام 2019.

"نحن في عالم مختلف، ولقد أظهرت الحرب الروسية أنها لم تكن بالكامل وفقاً لخطط بوتين"، هكذا قال سونغ-يون لي، أحد المتخصصين في شؤون كوريا الشمالية في مركز "وودرو ويلسون" الدولي.

"بوتين يحتاج إلى كيم، وكيم يحتاج إلى بوتين، وأضاف سونغ-يون لي أنه في هذه البيئة الجديدة، عادت ديناميكيات الحرب الباردة القديمة في شرق آسيا، مع روسيا وكوريا الشمالية والصين من جهة والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان من جهة أخرى.

هذا لا يتوافق تماماً مع مصالح بكين، فالصين تتمتع، على عكس روسيا أو كوريا الشمالية أو إيران، باقتصاد عالمي يعتمد على التجارة. في الوقت الحالي على الأقل، تسعى بكين إلى عدم إلحاق المزيد من الضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة أو أوروبا - وهو أحد الأسباب وراء رفض الزعيم الصيني شي جين بينغ تقديم الأسلحة لروسيا، كما تشعر بكين بالقلق من تعدِّي روسيا على علاقتها المميزة مع كوريا الشمالية.

وقال فيكتور تشا، رئيس قسم كوريا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، والمسؤول الكبير السابق في البيت الأبيض: "ليس من مصلحة شي أن يجرّ الروسُ شِبهَ الجزيرة الكورية إلى الحرب في أوكرانيا". "إنه يتسبب فقط في تشديد العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، مما يجعل جوار الصين أكثر صعوبة."

ما حصلت عليه كوريا الشمالية من روسيا حتى الآن ليس واضحاً بالضبط. نجحت بيونغ يانغ في إطلاق أول قمر صناعي للتجسُّس في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر بعد محاولات فاشلة سابقة، وهو إنجاز قال مسؤولون أمريكيون إنه قد يكون نتيجة لمساعدة روسية. لكن حتى الآن، لا توجد أدلة واضحة تشير إلى أن روسيا تشارك في تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والغواصات التي يسعى إليها كيم بشكل خاص.

"تريد روسيا قذائف مدفعية، لكن في المقابل، ليس عليهم مساعدة كوريا الشمالية بتكنولوجيا عسكرية متطورة. هناك أشياء أخرى يمكن لروسيا القيام بها: المساعدات المالية، المعونات الغذائية، الطاقة"، هكذا قال جيمس براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تمبل باليابان. "يبدو أن روسيا تروّج عمداً، لأسباب سياسية، فكرة أنها يمكن أن توفر تكنولوجيا عسكرية متقدِّمة، إنها طريقة لتهديد كوريا الجنوبية واليابان بأنه، إذا استمروا في دعم العقوبات ومساعدة أوكرانيا، فسيكون لذلك عواقب عليهم".

المصدر: وول ستريت جورنال

بقلم: ياروسلاف تروفيموف

ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد