هيئة التفاوض السورية في جنيف.. ماذا في جعبتها بعد إحاطة بيدرسون؟

هيئة التفاوض السورية في جنيف.. ماذا في جعبتها بعد إحاطة بيدرسون؟

قدّم المبعوث الأممي إلى الملف السوري "جير بيدرسون" إحاطته أمام مجلس الأمن بما يخصّ تطور القضية السورية بتاريخ الثلاثين من شهر أيار 2023، هذه الإحاطة أتت بعد خطوات تطبيع عربية، تمثلت بإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وتشكيل لجنة متابعة لمتابعة تنفيذ مخرجات قمة جدّة واجتماع عمان.

هيئة التفاوض السورية، التي تابعت التطورات الخاصة بالموقف الإقليمي والدولي من القضية السورية، باتت على قناعة أن هذين الموقفين يتبدلان وفق تطورات خاصة، فدول التحالف الغربي، وفي مقدمته الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أكّدوا مراراً، أن مسألة إعادة إعمار سورية لا يمكن أن تتم بغير انخراط نظام الأسد جدّياً في العملية السياسية، التي ترعاها الأمم المتحدة، على قاعدة قرار مجلس الأمن رقم 2254.

هيئة التفاوض التي ستجتمع في جنيف في الثاني من حزيران/ يونيو، إنما تريد أن توضح أن قوى الثورة والمعارضة لا تزال ثابتة على موقفها من التفاوض في جنيف مع نظام الأسد على قاعدة تنفيذ القرار 2254، وأن من يعرقل هذا التفاوض هو النظام الأسدي، الذي يريد أن يتملّص من استحقاقات هذا القرار.

هيئة التفاوض لا تزال على موقفها الثابت من الرعاية الدولية للحل السياسي للقضية السورية، فهي تدرك أن الحل الحقيقي لا يكون بالقفز من فوق القرارات الدولية، وتدرك أيضاً أن نقل التفاوض مع نظام الأسد خارج جنيف سيفقده شرعيته الدولية، وسيسمح بتفريغ القرارات الدولية من مضمونها، وفي مقدمتها القرار 2254.

لهذا، فاجتماع هيئة التفاوض في الثاني من حزيران (أي بعد يومين) في جنيف يتلاقى فعلياً مع الضرورة التي تحدّث بها المبعوث الأممي "جير بيدرسون" حول استئناف مفاوضات اللجنة الدستورية لإنجاز مهماتها.

بيدرسون في إحاطته أوضح بصورة جلية، أن الوضع المعيشي للسوريين عموماً، لا يزال يزداد سوءًا، وبالتالي لم يعد بمقدور النظام إدارة هذا الوضع، مما يفترض أن تسهم الدول المعنية بالصراع السوري بوضع خارطة طريق لتنفيذ القرار 2254.

إن المسار المسمى خطوة مقابل خطوة يمكن أن يفضي إلى حلٍ تدريجي في حالة واحدة لا غير، هذه الحالة، يجب أن تجد لها ضامنين دوليين، أما إذا تركت تحت مسمى "إرادة السوريين، فهذا لن يُنتج حلاً، لأن النظام الأسدي لن يكلف نفسه بتقديم تنازلات لا يرى فيها مصلحته الضيقة.

هيئة التفاوض جاهزة لمتابعة تفاوض جادٍ ومثمر، تفاوض محدد بإطار زمني تقرره الأمم المتحدة، وتمنع تمديده. هذا الأمر، يقف خلف اجتماع هيئة التفاوض في جنيف، والتي ترى، أن التراخي في دفع العملية السياسية الخاصة بالحل في سورية، سيزيد تعقيدات هذا الحل بصورة أكبر، وسيزيد المخاطر على دول المنطقة والسلم الدولي.

إن تعريج دولٍ نحو تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد يكشف عن مراهنات لديها بتغيير موقف هذا النظام، هذه المراهنات تغفل بنية نظام مغلق على نفسه، لا يمكن تغييره بدون تغيير بنية نظام الحكم عبر قرارات الأمم المتحدة، التي تنادي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، واتفاق على وثيقة دستورية، تجري بموجبها انتخابات شفافة لهيئات الحكم في سورية، بإشراف تام وشامل لهيئة الأمم المتحدة.

إن الدول التي هرولت بعض الوقت نحو تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، نسيت أن هناك قوانين أمريكية (قانونا قيصر والكبتاغون) يقفان بوجه أي تطبيع، فهي تخيّلت أن الولايات المتحدة مشغولة بالحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وربما تغض الطرف عن هذا التطبيع، دون الأخذ بعين الاعتبار، أن الصراعات الدولية بين معسكرين (غربي تقوده الولايات المتحدة وشرقي تقوده الصين وروسيا) هي حزمة واحدة، بمواقع متعددة.

وفق هذه الرؤية، ينبغي أن تزيد هيئة التفاوض السورية من نشاطاتها السياسية والدبلوماسية في كل الاتجاهات المؤثرة بالقضية السورية، داخلياً وإقليمياً ودولياً. وأن تلتف الحاضنتان الشعبية والثورية حول مؤسسات قوى الثورة لتزيد من صلابة موقفها الثابت والمتمثل بالخلاص من نظام الأسد الاستبدادي.

العالم يرى قوى الثورة السورية التي خرجت بمظاهرات عظيمة ضد التطبيع العربي مع نظام الأسد، وهذا يعني أن هذه القوى تريد تنفيذ القرارات الدولية دون ترددٍ أو تمييع لها.

العالم الذي شاهد هذه المظاهرات أدرك بالملموس أن ثورة شعبية قدّمت مئات آلاف الشهداء وملايين المهجرين والنازحين هي ثورة لن تُطفَأ نارها قبل تحقيق هدفها الرئيسي بإزالة الاستبداد وبناء دولة المواطنة الديمقراطية التعددية.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد