هل يوجد في الشمال السوري مشروع ثوري حقيقي؟

هل يوجد في الشمال السوري مشروع ثوري حقيقي؟

لا تكاد تخلو جلسةٌ ثوريةٌ في شمال غربي سورية من طرح ومناقشة مصطلح "المشروع السياسي للثورة"، وعادةً ما تترافق هذه النقاشات بالخلافات والمشادات التي تستنزف وقتنا وجهدنا وربما صحتنا دون الوصول إلى نتيجة.

وإنّ أسباب الخلافات الناشئة عند تناول هذا المصطلح كثيرةٌ ومتداخلة، من أهمها الفصائلية وما تثيره من تخوفٍ واضحٍ لدى أنصار معظم الفصائل من استغلال هذا المصطلح للترويج لفصائل أخرى، إضافةً إلى عدم وضوح مفهوم "المشروع السياسي" عند أغلبنا.

وبما أنّ المشكلة الفصائلية أعقد من أن يتمّ تناولها في هذا المقال، فإنني سأركّز على السبب الثاني لخلافاتنا، محاولاً حلّ جزءٍ من المشكلة من خلال توضيح مفهوم "المشروع السياسي" وأهمّيته وأركانه التي لا يقوم بدونها.

المشروع السياسي لجهةٍ ما: هو البرنامج الذي تصمّمه وتنفذه هذه الجهة بهدف إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤدّي إلى تحسين الظروف المعيشية للأفراد أو المجموعات المستهدفة بهذا المشروع، كما أنّه تصور هذه الجهة عن كيفية إدارة البلد وشكل الحكومة وعلاقة الدولة بالمواطنين والحقوق التي يجب أن تؤمّنها الدولة لهؤلاء المواطنين.

وتكمن أهمَية المشروع السياسي في أنً نجاح الثورات الهادفة إلى إحداث تغييرٍ جذريٍ يقتضي بالضرورة دخولها ونجاحها في مرحلتين اثنتين: مرحلة "هدم النظام القديم" تليها مرحلة "بناء النظام الجديد".

ولقد دخلت الثورة السورية في المرحلة الأولى مرحلة "هدم نظام الأسد القديم" عندما صرخت غالبية الشعب السوري بأعلى صوتها " الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكنّ النتائج بعد 12 سنة من دخول الثورة في هذه المرحلة لم تكن بحجم التضحيات الكبيرة التي تمّ تقديمها، وإنّ عدم تحقيق نتائج جيدة بعد كل هذه السنين والتضحيات يعود لعدّة أسبابٍ من أهمَها غياب المشروع الذي يجعل الثورة قادرةً على الانتصار على الأسد وهدم نظامه.

ولهذا يجب على المعارضة السورية بكل أطيافها أن تدرك أنّ القيام بمشروعٍ سياسي هو أمرٌ مصيريُ فالمتناحرون لن يستطيعوا الوقوف بوجه جهةٍ متماسكة، ويجب أن يدفعهم هذا الإدراك إلى أن يكونوا قوةً واحدةّ تمتلك رؤيةً مقبولةً على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقادرةً بعد سقوط النظام على حكم وضبط هذا البلد الذي يتمتع بموقعٍ جيوسياسي هام، وإلّا فلن يسمح لهم المجتمع الدولي بالانتصار، فالعالم كان ولا زال وسيبقى يفضل العصابة المنظّمة التي لديها تراتبية هرمية ومركزية في القرارات السياسية والعسكرية والأمنية، والقادرة على ضبط البلاد التي تقودها، على الثوار المظلومين أصحاب الحق إذا كانوا مشتتين متناحرين يقتل بعضهم بعضاً.

وبعد توضيح مفهوم المشروع السياسي وأهمّيته بالنسبة للثورة السورية، لا بدّ من الحديث عن الأركان التي يقوم عليها هذا المشروع.

لا يمكن لأي مشروعٍ أن يقوم وينهض وينمو دون خمسة أركانٍ أساسيةٍ هي:

الرؤية: ويٌقصد بها الهدف النهائي الذي يسعى المشروع السياسي لتحقيقه، بمعنى آخر، كيف سيكون الشكل المستقبلي للمجتمع أو الدولة أو المنطقة التي سينفّذ هذا المشروع فيها، ويجب أن تكون هذه الرؤيا مكتوبةً ومعلنةً للجميع.

الخطة التنفيذية: ويقصد بها تحديد الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق الرؤيا التي تمّ وضعها، وتحديد ما يلزم من موارد بشرية ومالية لتنفيذ هذه الخطوات.

القيادة: لا يمكن نشوء ونجاح أي مشروع سياسي وحتى غير سياسي دون وجود القيادة المؤهلة والقادرة على رسم الأهداف ووضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات، بالإضافة إلى تحديد آليات الاتخاذ القرارات وتنظيم العمل ومتابعته.

كتلة بشرية مؤمنة بالمشروع تلتف حول فكرة المشروع وحول قيادته، وتمتلك المهارات والقدرات اللازمة لتنفيذه، ولهذا فإنَ المشاريع السياسية عادةً ما يتم رسمها وتخطيطها وتنفيذها من قبل حزبٍ أو جماعة.

القاعدة الشعبية: لا يمكن الحديث عن مشروعٍ سياسيٍ ثوريٍ دون وجود قاعدة شعبية عريضة تشكًل وسطاً مساعداً على تنفيذ المشروع وتعطيه الشرعية المطلوبة، وتنبع شعبية أي مشروع من اتفاقه مع الاتجاهات العامة للمجتمع والتزامه بمبادئه، وسعيه لتحقيق مصالح وتطلعات أفراد هذا المجتمع.

والآن عزيزي القارئ: لو نظرنا إلى "المناطق المحررة" من نافذة المعلومات التي ذكرناها سابقاً، فهل ستقع أعيننا على مشروعٍ واضح الأركان قادرٍ على قيادة الثورة نحو تحقيق أهدافها؟

إذا كانت الإجابة بـ "لا" فاعلم أنه يجب علينا أن نسعى بكل طاقاتنا لبناء هذا المشروع بالسرعة القصوى لأنَ الوقت لم يعد في صالحنا أبداً.

والسؤال الذي يفرض نفسه بعد كل ما سبق هو كيف يمكن أن يقوم مثل هذا المشروع؟ 

هل سيقوم باتفاق مختلف أطياف المعارضة ونبذ خلافاتها، أم أنّ تاريخ الثورات يخبرنا أنّه في مثل حالتنا يقوم مختلف الفاعلين بطرح مشاريعهم، ثم يكون النجاح من نصيب المشروع الذي يمتلك أدواتٍ أفضل وتخطيطاً أدق، وقدرةً أعلى على حشد الجماهير وباقي القوى الفاعلة؟

 

 

 

 

 

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد