هل تركيا والنظام السوري على وشك تطبيع العلاقات؟

هل تركيا والنظام السوري على وشك تطبيع العلاقات؟

المصدر: لوريان لو جور (الشرق اليوم)

بقلم: إيمانويل حداد

ترجمة: عبد الحميد فحام

إن اجتماع 28 كانون الأول/ ديسمبر في موسكو بين وزيرَي الدفاع التركي والنظام السوري هو الخطوة الأولى نحو تقارُب بين البلدين اللذيْنِ كانا عدوَّيْنِ لدودَيْنِ حتى وقت قريب.

معلوماتنا عن الموضوع

هذا هو أول لقاء منذ بداية الثورة السورية في عام 2011, الذي قام خلاله خلوصي آكار وعلي محمود عباس، وزير الدفاع التركي ووزير دفاع النظام السوري، بتبادل وجهات النظر في موسكو إلى جانب نظيرهما الروسي سيرجي شويغو حول "طرق لحل الأزمة السورية" وفقاً لبيان وزارة الدفاع الروسية.

يأتي الاجتماع رفيع المستوى بعد إشارات مبكرة من التقارب الثنائي، فوفقاً لرويترز، التقى رؤساء الاستخبارات من كِلا البلدين عدة مرات في دمشق في أوائل أيلول/ سبتمبر، ثم في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، وبعدها أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه ربما يجتمع مع بشار الأسد، قائلاً: إنه "لا يوجد في السياسة أعداءٌ دائمون".

السياق

يشير هذا التقارب إلى بداية تحوُّل بزاوية تبلغ 180 درجة في العلاقات بين أنقرة ودمشق، حيث كان أردوغان يدعم منذ فترة طويلة المعارضة التي تريد إسقاط بشار الأسد، والذي وصفه بأنه "قاتل" في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة. لكننا في واقع الأمر نرى أن أنقرة قد غيرت نبرتها مع جارتها الجنوبية، كما تقول إليزابيث تسوركوف، الباحثة في معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة.

وبعد دعم فعّال لقوات المعارضة المسلحة السورية وفي أعقاب تدخُّل روسيا المؤيد للنظام في عام 2015، "بدأت أنقرة في تركيز جهودها على محاربة قوات سورية الديمقراطية" التي يرمز لها بـ "قسد" والتي هي حليفة للولايات المتحدة في معركتها ضد تنظيم "داعش" في سورية.

وتشكل حماية الشعب الكردي (YPG) المكوّن الرئيسي في قوات سورية الديمقراطية، وهو فصيل تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية بسبب صِلاته بحزب العمال الكردستاني (PKK).

يأتي اجتماع موسكو بعد أكثر من شهر من إطلاق تركيا عملية "المخلب-السيف" ضد PKK في سورية والعراق، في أعقاب هجوم على شارع الاستقلال الشعبي في إسطنبول منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر. وتهدد أنقرة أيضاً بشن عملية عسكرية برّية جديدة في شمال سورية، مهددة بقتال الجماعات المسلحة الكردية وكذلك بإنشاء "منطقة عازلة" لتشجيع عودة حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري موجودين على أراضيها.

ومع ذلك، فإن روسيا وإيران، المؤيدين الرئيسيين للنظام في سورية، تعملان من وراء الكواليس لتجنب تدخل عسكري تركي جديد. فكنتيجة لضغطهما، لم يطلق أردوغان العملية حتى الآن، وهي العملية التي يقدمها داخلياً كحل لعودة اللاجئين السوريين، الذين يواجهون خطاباً شعبياً أقل ترحيباً من ذي قبل في بلد يصارع أزمة اقتصادية. وبعد أن شعر بالتهديد لسلطته في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة التركية المقرر عقدها في حزيران/ يونيو 2023، كان على الرئيس التركي أن يُظهر للناخبين أنه مستعدّ لاتخاذ مسار مختلف. فوفقاً لتسوركوف، "يتم استهداف أردوغان باستمرار من هذه الزاوية من قِبل أحزاب المعارضة، الذين يقولون إنهم مستعدون لتطبيع العلاقات مع النظام السوري من أجل إعادة اللاجئين إلى سورية إذا فازوا بالانتخابات". ويضيف آرون لوند، الباحث في مؤسسة القرن (سينتشوري فاوندايشن)، أن تحسين العلاقات مع دمشق هو وسيلة لأردوغان للتغلب على المعارضة التركية.

الرهانات

بالنسبة للنظام السوري، أيّ تطبيع يحمل أهمية رمزية، كما تقول تسوركوف, التي تضيف: "إنه بالنسبة للنظام اعتراف بالفشل من قِبل الحكومات التي حاولت سابقاً إسقاط النظام". وقد كانت أنقرة الداعم الرئيسي للمعارضة السورية وتواصل دعمها لقوات المعارضة في شمال البلاد، ولكن لا يزال هناك العديد من التحديات في هذا الصدد، بما في ذلك وجود القوات المسلحة التركية في سورية، والتي يعتبرها النظام "احتلالاً".

وينعكس مثل هذا الاعتراف الرمزي أيضاً على موسكو، راعية نظام الأسد السياسي والتي هي أساس هذا الحوار الثلاثي.

ويأتي هذا الاجتماع "على حساب الولايات المتحدة، التي تتبع سياسة العزلة والعقوبات ضد النظام السوري"، كما تقول تسوركوف. كما تسعى روسيا أيضاً إلى تسريع احتمال إعادة بناء سورية، دون الحاجة إلى دفع التكلفة.

وتضيف تسوركوف: "كلما زاد عدد الدول التي تطبع علاقاتها مع النظام السوري، زادت احتمالات الاستثمار في "كومة الأنقاض" وهي عبارة تمثل وضع سورية الحالي، حيث تُقدر كلفة إعادة بناء سورية بمبالغ تصل إلى عدة مئات من مليارات الدولار.

في الوقت الحالي، "ستستمر إشارات التطبيع قبل الانتخابات في تركيا، لكن لا ينبغي لنا أن نتوقع تغييرات حقيقية على الأرض"، وفقاً لما ذكرته تسوركوف؛ لأن النظام السوري غير قادر على تلبية التوقعات الرئيسية لتركيا: المعركة ضد قسد وإمكانية عودة جماعية للاجئين.

رغم أن دمشق وأنقرة لن يحلّا جميع خلافاتهما، إلا أن هذا التقارب يمكن أن يضع حداً للتصادم بين الجانبين، وفقاً لما قاله لوند.

ففي الوقت الحالي، تم تعيين جهود التقارب بالفعل لمواصلة الاجتماعات بين وزراء الخارجية، التي من المقرر أن تتم في الأشهر المقبلة، وفقاً لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. ففي نهاية المطاف، إذا كان هناك تقدُّم في المحادثات، فقد يتخذ التعاون عدة أشكال، بما في ذلك "القضية" الكردية، وفقاً لـ لوند، حيث يقول: "يمكن أن يكون أحد أشكال التعاون هو إنشاء عمليات مشتركة، أو ضغوط سياسية واقتصادية مشتركة ضد الأكراد".

أخيراً، بالنسبة للسوريين الذين يعارضون النظام والذين يعيشون في تركيا أو في المناطق السورية التي تسيطر عليها أنقرة، فإن هذا التقارب هو "خبر سيئ بكل وضوح"، وفقاً لما ذكره لوند، الذي يضيف أنه في المستقبل: "لا أعتقد أننا سنرى عمليات ترحيل جماعية، لكن الناشطين سيشعرون بالتهديد، فمن الممكن أن تبدأ الحكومة التركية في السيطرة على أنشطتهم بشكل أكثر جدّية، أو حتى إغلاق بعض وسائل الإعلام الخاصة بهم".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد