هل آنَ أوانُ سحب الثقة من المِنصّات السورية؟

هل آنَ أوانُ سحب الثقة من المِنصّات السورية؟

الثقة.. يا لَها من كلمة! صعبة جداً هذه الأيام، فالخيباتُ كثيرةٌ، والطعناتُ متعددةٌ. وتتجلى أكثر في عالم السياسة والاقتصاد والفن. ويزيد من شرخها -كهزات أرضية متعاقبة متفاوتة في الشدة- المقالات والمرئيات والمسموعات عَبْر وسائط التواصل الاجتماعي، عما جرى في الماضي القريب لا البعيد، وعما يجري الآن، وَفْق زوايا ووجهات نظر متعددة تزيد من زعزعة البناء الخاص بالثقة، ذلك البيت القادر على لمّ شمل الذين كُتب لهم أن يعيشوا في بقعة محددة، ومكان محدد وفي زمن محدد، يحكمهم حاكم بطريقة ما.

فشل المعارضة التركية جعل بعضَ الأصوات في المعارضة التركية تقول: "طالما هذه المعارضة التركية لم تقدر على تغيير النظام عليها أن تتغير هي، وهذا يقع على عاتق الشعب." وهذا إنْ دلّ على مسألة الثقة بمقدرة المعارضة عَكسَ ما أظهرته شركات الاستطلاع.

يقول الكاتب الصحافي التركي أحمد هاكان في صحيفة "حريات" في مقاله الأخير: "أنا لا أحب المقاربة التي تقول " هو جيد ولكن مَن حوله سيئ" ولكن يمكن أن أقول، والكلام له- "قد لا يكون كمال كليجدار أوغلو سيئاً، ولكن حتماً من حوله سيئون جداً" ومعقباً بأنه لا يقصد الدائرة الضيقة فقط وإنما الدائرة الأوسع.

ثم ينتقد أحد مهندسي شركات الاستطلاع ويصفه بالمغرور والمتعالي لإصراره رغم كل نتائجه المغلوطة على أن يقدم تحليلات صائبة وأنه يرى كل شيء ممكناً في الجولة الثانية، وأن كمال كليجدار أوغلو حصل على أعلى نسبة تصويت في تاريخه متجاهلاً -والكلام للصحافي أحمد هاكان- أن نسبة الـ 25% لا تعود لحزب الشعب بمفرده وإنما هناك أصوات لحزب الجيد وكذلك الأحزاب الأخرى، بينما بولنت أجاويد أحد أقطاب السياسة في تركيا في القرن العشرين ورئيس حزب الشعب قبل أن ينشق عنه حصل على نسبة 40% دون دعم ومساندة أحزاب أخرى.

أعضاء الصالون السياسي في غازي عنتاب في اجتماعهم الأخير وخلال تداوُل نتائج الانتخابات وتأثيرها على السوريين، ظهرت رؤية مشتركة حول هذه النتائج وأنه تم تناولها كل من وجهة نظره، يمكن أن نضع خلاصة لها: بأن الانتخابات تمت في أجواء ديمقراطية عالية جداً، ولا يمكن تجاهُل طبيعة المجتمع التركي بأنه شعب ينتمي للشرق الأوسط، ولذا كان هناك استقطاب أيديولوجي، وهو سيتوضح أكثر في الجولة الثانية، وأن الطاولة السداسية متناقضة لن تقدر على فعل المزيد، وهذا التفوق البرلماني سيعيد من تفكير الكثيرين وستكون لصالح حزب العدالة، فخطابه أكثر عقلانية من خطاب الآخر الهوائي والأجوف. وأن مؤسسات الاستطلاعات فشلت في التوصل إلى الأكثرية التي عبرت عن رأيها في الانتخابات.

بالمجمل سنرى مسألة الثقة في الطاولة السداسية تصدعت، وبدأ كمال كليجدار أوغلو أكثر ارتباكاً حين ذهب للقاء رئيس حزب النصر العنصري الذي لم ينجح في انتزاع مقعد برلماني واحد، بل جعله يفقد ثقة أنصار حزب الشعوب المتزعزعة أصلاً، وقد تجلت في عدم منح مقعد برلماني لها في إزمير مع أن لها مساهمة تتجاوز الـ 10% هناك.

المُلاحَظ في تركيا اليوم، هو غلبة العنصر القومي على المشهد التركي، ولكنْ هناك نوعان من المشهد القومي. قومي ذو نزعة إسلامية، ويمثله اتفاق الجمهور، وقومي ذو نزعة علمانية، ويمثله اتفاق الأمة. بالنسبة لسنان لا أعتقد أن يكون هو شخصياً بيضة القبّان أو لاعباً أساسياً -وهو رأي أميل إليه- لأن كتلة الذين صوّتوا له لا يملك آلية تسيطر عليهم أو توجههم، وهو أصلاً تم طرده من الحزب القومي قبل فترة لخلافات في توجُّهه. وأعتقد أنه سيلعب دور الثقة بشكل أسوأ في الجولة الثانية، وهذا ما دفع البعض للقول بضرورة تغيُّر قيادة المعارضة.

والسؤال: هل هذه المقاربة (تغيُّر قيادة المعارضة ومن الشعب) صالحة في الحالة السورية؟

في الحالة التركية ممكن لك لتوفر الشروط اللازمة والموضوعية، دولة ذات سيادة، قوانين، أحزاب، مجتمع مدني، وشعب يتسلح بوعي ثقافي سياسي على الأقل يدرك قوة الصوت الانتخابي.

ولكن ماذا عن الحالة السورية؟

يوجد شيء ولا يوجد، هناك نظام يحكم ولا سيادة دولة، توجد قوانين ولا يوجد تطبيق، فيها أحزاب لكنها غير منتجة، ونرى منظمات مجتمع مدني ولكنه همها إغاثي صحي أكثر من أن يكون توعوياً سياسياً مجتمعياً ثقافياً، وهناك وعي سياسي وإدراك لقيمة الصوت ولكن الشعب لا ثقة له بآلية الانتخابات والتصويت.

ثَمة مُقارَبات بدأت بخجل تدور في مناقشات المهتمين بالشأن العامّ السوري، سواء على الصعيد المدني أو السياسي، من أهمها المقاربة التي تقول: "طالما فشلنا ثلاث مرات في دحر نظام الأسد، ويقصد محاولة الإخوان في الثمانينيات ومحاولة رفعت وكذلك الثورة السورية فلماذا لا نعمل على تغيُّر المجتمع وجعله قادراً على فعل التغيير".

هذه المُقارَبة قريبة لحدّ بعيد لمقاربة المعارضة التركية التي تطلب تغيُّر القيادات وبفعل الشعب. وهناك التحدي عندنا بأن الإرادة الشعبية القادرة على فعل التغيير تحتاج عندنا لوقت أكثر وجهد أكبر وصراع أكبر وزمن أكبر لإنتاجها. وبغض النظر عن فعالية هذه المقاربة التي بدأت ضِمن أوساط المجتمع المدني أرى أن من الضروري التفكير بشكل جدي في هذه المقاربة، وأنه طالما أملها على الأقل أن تكون خاصة بسورية فهي أفضل حالاً من انتظار الحل من الخارج.

وربما تُسهم وتساعد في جعل المقاربة الأخرى التي تقول بأن المعارضة بحاجة لمنصة جديدة بدلاً من المنصات المتعددة التي باتت ممثلاً للجهة الراعية لها أكثر من أن تكون ممثلة لمصالح الشعب السوري".

بتصوُّري وبوجود حركات مدنية وسياسية أكثر استقلالية يمكن ظهور مقاربة تمكّن من دمج المقاربتين وتقول: لقد حان الوقت لسحب الثقة من هذه المنصات وتشكيل ممثل حقيقي لتطلُّعات الشعب السوري.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد