نداء بوست" على درب رحلة آلام ونجاحات المرأة السورية أحلام الرشيد

نداء بوست" على درب رحلة آلام ونجاحات المرأة السورية أحلام الرشيد

نداء بوست- فيتشر- أحمد عكلة

كونها ربة منزل وأُمًّا لـ 4 أولاد أمر لم يمنع السورية أحلام الرشيد من الدخول في ميادين العمل الإنساني لتكون مثالاً يُحتذى به في سورية والعالم.

أحلام الرشيد مهجَّرة من ريف إدلب الجنوبي بسبب القصف الهمجيّ والحملات العسكرية التي شنَّتها قوات الأسد والجيش الروسي،  على بلدتها التي تم تهجيرها منها قسراً.

هذه الرحلة التي ابتدأت قبل اثنَيْ عَشَرَ عاماً والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم، كانت مليئة بالألم والمعاناة والخوف، مليئة بالمفاجآت من الدول التي وقفت بجانب الأسد المجرم ضد الأطفال والنساء.

تقول الرشيد لموقع "نداء بوست":  "كنت مدرسة منذ عام 1991 إلى عام 2005، ومن عام 2005 كنت أعمل مدرسة لغة عربية في المدرسة الثانوية في بلدتِي حاس في ريف معرة النعمان، وبعد تهجيرنا درست أيضاً في بلدة أطمة على الحدود السورية التركية، بعدها بدأت عملي في المنظمات الدولية بسبب توقف رواتبنا من الدولة لعدم قدرتنا على الذهاب إلى مناطق سيطرة نظام الأسد،
عملت في أكثر من خمس منظمات دولية، لكن عملي لم يكن يقتصر على أوقات الدوام، كنت حتى بعد أوقات الدوام أقوم بزيارة الخيام وتفقد أحوال الناس من المساء والأطفال الأيتام أيضاً والأطفال غير المصحوبين وغيرهم، وأقوم بمساعدتهم قدر الإمكان".

وكذلك أثناء التهجير القسري من ريف دمشق وأحياء حلب، كانت متواجدة مع النساء والأطفال في المشافي ومراكز الإيواء وأقوم بمساعدتهم، أيضاً قمت باستقبال أكثر من خمس عشرة عائلة أثناء النزوح الكبير بريف إدلب الجنوبي.

وتضيف في حديثها "حصلتُ على عدة جوائز دولية كجائزة المرأة الأكثر إلهاماً ومن بين أكثر النساء عطاءً، وكنت بين أكثر مئة امرأة تأثيراً بالعالم في عام 2018، أيضاً حصلت على الوسام الذهبي لصناع التغيير في بيروت عام 2019، أيضاً حصلت على المركز الأول في الفيلم الوثائقي والذي ساعدني في إنتاجه الإعلامي يمان الخطيب الذي تُوفي إثر الزلزال الأخير في محل إقامته في تركيا وأخوه فادي الخطيب عام 2020".

وتكمل الرشيد "بعدها قمت ببناء مدرسة خاصة في عام 2021 تستقطب جميع الأطفال والطلاب في منطقة أطمة وما حولها، صحيح أنها مدرسة خاصة لكن فيها جزء إنساني كبير جداً، نحاول أن نقدم التعليم للأطفال أبناء الشهداء والمعتقلين غير القادرين على التعلم وخاصة الفتيات، هذه المدرسة أثبتت جدارتها وتخرج منها طلاب على مستويات عالية جداً".

وتتابع "أيضاً فقدنا كثيراً من أهلنا وعوائلنا وأقاربنا بسبب الإجرام، وكذلك دُمرت بيوتنا وسُلب منا  ممتلكاتنا، نحن ناس مثقفون لدينا أفكار وقدرات وإمكانيات عظيمة، كل هذا استولى عليه الأسد لغاية التمسُّك بكرسيه".

لكن رغم كل ذلك لم تضعف عزيمتها ولم تجعلها تستكين ، على العكس تماماً جعل لديها عزيمة، مدتها بالقوة والإصرار أنه أمامها مستقبل مشرق، لأطفال السوريين وأولادهم مستقبل خالٍ من الإجرام خالٍ من الفساد، تسكنه المحبة والتكاتف، وتسوده روح الأُلفة والحرية والديمقراطية، والانتماء إلى أرض هذا الوطن.

وتوضح في حديثها "بدأت رحلتي إلى أقصى الشمال بعيداً عن القصف الهمجي منذ عام ٢٠١٢، بدايةً كنت مدرسة لغة عربية، درّست لأجيال لمدة ستة عشر عاماً، ثم انتقلت إلى سورية أيضا ودرست لسنوات عديدة فيها، وفي مدينة معرة النعمان، حتى بعد التهجير قدمت المساعدات للطلاب بشكل أساسي وللنساء فهذا واجب أُلقي على كاهلنا لأنه واجب كبير باتجاه أهلنا، فنحن في أوضاع وظروف صعبة تستدعي تكاتفَنا مع بعضنا البعض لتقديم الخدمات حتى نستطيع التعايش مع الواقع المرير الذي يحدث، واقع المعاناة واقع الأمل واقع الفقر.

بدأت الرشيد العمل بشكل طوعي من عام ٢٠١٢ إلى الآن، إضافة إلى عملها في عدة منظمات دولية وعالمية، أيضا حضرت دورات تدريبية مهمة جداً تعلمت منها أشياء ممتازة، بعدها بدأت تدريب وتأهيل الآلاف من الشباب والنساء حول حقوق الإنسان وحقوق الطفل، أيضا حول حقوق المرأة، حول مواضيع الحماية، أيضا عن كيفية تقديم الدعم للمتضررين.

وتشير الرشيد "طبعاً هذا الشيء شجعني أن أبني وأنمي قدرات كبيرة وأنشئ فِرَقاً تطوعية في شمال غرب سورية، هذه الفِرَق التطوعية تعمل في كل شمال سورية في ريف حلب.

منذ عام ٢٠١٢ قامت بتخديم آلاف الناس من خلال ضمان ربطهم بالخدمات من خلال مساعدتهم في بناء قدراتهم من خلال تعليم الأطفال ومنع التسرب المدرسي من خلال مساعدة كبار السن من خلال مساعدة النساء اللواتي فقدْنَ أزواجهنَّ خلال الحرب  على إقامة مشاريع صغيرة لإعالة عوائلهنَّ في الظروف الصعبة التي طرأت عليهنَّ، كان التركيز  على معايير معينة لكن بشكل عامّ قُامت بمساعدة جميع النساء.

وتنوه المعلمة السورية "قمنا بتدريب جميع النساء فيما بينهن النساء المثقفات حتى نساعد الناس ضمن جولات تطوعية في المخيمات لنقوم بتفقد أوضاع النساء والأطفال وأوضاع الخيام ووضعهم المعيشي، كان يتركز عملنا على الأطفال والنساء فكان دوري أنا أن أتفقد خيمهم والتعرف على أحوالهم بشكل مباشر؛ لأن الرجال من الممكن ألّا يستطيعوا الدخول إلى الخيام، فكان دوري بشكل كبير التعامل مع المرأة والأطفال".

وتقول "لم أتوانَ في لحظة واحدة عن تقديم أي خدمة، حتى في تقديم الدورات للطلاب بشكل دائم إلى أن يحين موعد الامتحان، كنت دائماً أرافقهم حتى في قاعات الامتحان، ورغم القصف والخوف الذي كان يلاحقنا.. رغم ذلك كله لم أتخلَّ عنهم".

أيضاً في أزمة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم والشمال السوري، قامت بخياطة ١٥٠٠ كمامة واقية في بداية الوباء حتى تستطيع مساعدة النساء على اكتساب قوت يومهن وخاصة النساء المُعيلات لأسرهن، أيضاً حتى يحافظْنَ على الإجراءات الوقائية من هذا الوباء القاتل، بعد ذلك انتشرت هذه الفكرة حتى أصبح عدد كبير من النساء في المخيمات يقُمْنَ بخياطة هذه الكمامة حتى يحمين أنفسهنّ وأطفالهنّ والمجتمع المحيط بهن ضمن طرق الوقاية، ويقمن بتعليمهم هذه الإجراءات اللازمة.

وتضيف الرشيد "كنت أقوم بعمل جلسات توعية ضِمن المخيمات عن الاحتراز والوقاية من هذا الفيروس وعن كيفية حماية أنفسهن وحماية أطفالهن من هذا الوباء".

وعن الزلزال الأخير الذي ضرب مناطق شمال سورية توضح السورية أحلام "في ظل الزلزال الذي حدث مؤخراً كان له نتائج مؤلمة وحزينة، عائلات بأكملها دُفنت واختفت تحت الأنقاض،في صباح الزلزال كنت متواجدة في مكان وقوع الكارثة بين المنازل التي سقطت على قاطنيها، قمنا بشكل فوري ومباشر بالتنسيق مع المجالس المحلية بحيث إنه يتوجب علينا أي نوع من المساعدة فنحن على أهبة الاستعداد ولا نتوانى عن أي خدمة".

وتستطرد الرشيد "أيضاً قمنا بالتنسيق مع المنظمات والفرق التطوعية من أجل مساعدة العوائل المتضررة لتأمينهم ضِمن مراكز إيواء طارئ،وخاصة النساء كنت معهن بكل خطوة وقمت بنقل النساء بسيارتي الخاصة، أيضاً حتى الفرق التطوعية قمت بنقلهم في سيارتي الخاصة".

وتألمت كثيراً وحزنت عندما رأيت ثياب الأطفال بين الركام ممزقة، عندما رأيت الجثث في كل مكان، عندما رأيت الناس تحت الأنقاض تناشد الأمم المتحدة والدول لتساعدهم بالخروج من تحت الركام، لكن للأسف الشديد خذلتنا كل الدول والأمم المتحدة، فنحن ليس لدينا إمكانيات مثل الدول المتقدمة كوننا مجتمعاً مرت عليه حرب لاثنَيْ عشر عاماً، هذه الحرب أنهكت البيوت وأنهكت قوانا وأنهكت الجميع، لكنها لم تُنهِك إرادتنا، كنا دائماً شعباً واحداً شعباً متكاتفاً بجميع فئاته، نساءً وأطفالاً وشباباً متطوعين تُرفع لهم القبعات، وخاصة رجال الدفاع المدني الذين ضحوا بأنفسهم في خدمة أهليهم وفقاً للرشيد.

عن الاستجابات التي أتت من السوريين أنفسهم تقول: "كانت استجابة سيذكرها التاريخ عن أهل سورية لأهل سورية، من أشخاص يربط بينهم عرق التآخي والغيرة على بعضهم البعض، استجابة أذهلت العالم الذي وقف يشاهد وقوف السوريين مع بعضهم البعض، مثل شبان متطوعين هبوا لرفع الأنقاض عن أهلهم دون أي أدوات أو معدات، بأيديهم وبمعدات بدائية وبسيطة يمتلكونها عسى أن يخرجوا بعض الناس الذي يستغيثون تحت الركام، فهم وإنْ كانت معداتهم متواضعة بسيطة لكن عزائمهم وهِمَمهم تطاول السحاب".

أيضا قالت: ذهبت إلى جنديرس وإلى حارم وإلى قرية بثنية وإلى كل المناطق المنكوبة، عندما رأيت الوضع الكارثي لم أتمالك دموعي، أحزنني خذلان العالم لنا وبُطء وصول المساعدات، أتساءل بيني وبين نفسي ألَسْنَا بشراً مثلنا مثل الشعب التركي؟، لِمَ هبت كل الدول والأمم المتحدة لمساعدة تركيا ولم يكترثوا لأمرنا، شعرت بالحزن أيضا حيال الشعب التركي الشقيق، وأسأل الله أن يرحم موتاهم وأن يشفي جرحاهم، لكن نحن السوريين أيضاً بشر مثلنا مثلهم،كنتُ في مقدمة الناس الذين قدَّموا الدعم النفسي للأطفال مع زملائي وزميلاتي، أيضاً قُمْنا بتفصيل الخيام وتجهيزها لإيواء الناس الذين انتهى بهم الحال تحت الأشجار وفي العراء يصارعون البرد والمطر".

وذكرت الرشيد "هذا العمل الذي قمت به أقل من واجبي تجاه أهلي وأبناء بلدي ومهما عملت فسأكون مُقصرة بحقهم،  قُمنا مع زميلاتي بتقديم الخيام للمتضررين الذين لم يستطيعوا تأمين مكان يلجؤون إليه، قمنا بربط هؤلاء العوائل بمراكز إيواء أيضا، قُمنا بتفقُّد أحوالهم وما هي احتياجاتهم، وعملنا توجيه الفِرَق التي تريد تقديم الخدمة أيضا لهؤلاء العوائل".

وتوضح "قُمنا بتقديم الحليبات والحفاضات للأطفال وملابس للنساء وأيضاً قدمنا بعض السلال الغذائية رغم الإمكانيات الضعيفة ومما توفر من بيوتنا قمنا بتجميعها وقدمناها لهؤلاء العوائل".
وكما قلت مسبقاً هذا أقل من واجبي وجميعنا تعلمنا درساً من هذا الزلزال أنه يجب علينا جميعا الوقوف إلى جانب بعضنا بعضاً أثناء المصائب،

أيضاً قمنا بتوزيع بعض المبالغ المالية وبعض المواد الطبية الأولية من شاش ومعقمات بسبب نقص في الكوادر الطبية والأدوية في المشافي،

أيضاً قمت بتفقد الجرحى ضِمن المخيمات وقمت بربطهم بالفِرَق الإسعافية، أيضاً لدينا بعض الزملاء منهم ممرضون ومنهم أطباء أيضاً لم يتوانوا لحظة عن التطوع في سبيل خدمة أهلهم فقاموا بتجميع بعضهم وقاموا باستطلاع على المخيمات ومراكز الإيواء لتقديم الإسعافات الأولية ومساعدتهم،

قالت أيضاً: كثير من الأشخاص تعرضوا للكسور العظمية في اليدين والرجلين والحوض، أيضاً قمنا بربطهم بالخدمات اللازمة لهم، كنت بنفسي أقوم بالذهاب إلى  المراكز التي يمكنها مساعدتهم من خلال الأدوات المساعدة للحركة وأقوم بتوصيلها إلى الأشخاص المتضررين، حتى لو كان مكانهم بعيداً، لدرجة أنني كنت قد أقوم بالتنسيق مع كثير من الأشخاص كوسطاء حتى أتمكن من الوصول إلى أولئك الأشخاص المتضررين، فعلاً كانت مرحلة عصيبة مرت علينا، أحمد الله الذي وضعني بهذا المكان الذي من خلاله أستطيع قضاء حوائج الناس، وأسأل الله أن يسخرنا لخدمة أهلنا".

وأضافت : خلال عملي على مدار اثنَيْ عشر عاماً أصبحت على دراية كاملة بالمنطقة، أعلم ماذا يوجد بالمخيمات أعلم أين تكمن احتياجات الناس من خلال عملي الرسمي، بعض الناس كانت ترشدني إلى بعض العوائل المحتاجة والمتعففة، أيضاً إلى بعض العوائل المتضررة، إلى الأشخاص الذين بحاجة إلى مساعدات طبية، فأقوم بنفسي بالتحقق ورصد تلك الحالات ومن ثَم أقوم بتقديم الاحتياجات اللازمة لهم.

قبل يومين كان هناك امرأة بحاجة إلى خيمة، المرأة كبيرة بالسن وهي مهجرة قسراً من دمشق وزوجها رجل كبير السن مقعد بالأرض، وابنتها التي تقيم معهم أيضاً فقدت بعض أطفالها في كارثة الزلزال الأخير، كانوا يقطنون في أحد مراكز التعليم المتصدعة بفعل الزلزال، فقمت بزيارتهم وتفقد أوضاعهم مع زملائي واستطعنا تفصيل خيمة وتقديمها لهم، لا أنسى دعوات تلك المرأة المسنّة لي. بحسب أحلام الرشيد.

أوضحت في حديثها أيضاً: أعمالنا في جميع أنحاء شمال غرب سورية، في المخيمات ومراكز الإيواء والشوارع، بالإضافة إلى ذلك قُمت بزيارة الأشخاص الذين ذهبوا إلى مدن أخرى التي لم تتضرر بالزلزال عند أقربائهم وذويهم، لا يقتصر عملنا على مناطق معينة.

وتؤكد أحلام في حديثها "قمت ببناء مدرسة خاصة وأعمل أيضاً منسقة حماية في شمال وشمال غرب سورية، لكن المشاريع التي أعمل عليها هي لدعم ومساعدة المحتاجين والمتضررين، أقوم على العمل بمشروع الحماية طبعاً كما نعلم هي تدخل بجميع القطاعات، سواء بالمجال الطبي أو في مجال الإيواء أو في مجال التعليم، أو حتى في مجال حماية الطفل وحماية المرأة، مشاريعنا تعتمد على تقديم المساعدة وربط المتضررين بالخدمات والتعريف بهذه الفئات الهشة والضعيفة، والتنسيق مع الجهات والمنظمات والمجالس المحلية، ونقوم بعمل ما بوسعنا لكن الظروف والأوضاع أقوى منا جميعاً، لكننا نحاول قدر المستطاع.

وختمت بالقول "نسأل الله أن يتقبل منا عملنا وأن يكون عملاً خالصاً لوجه الله، وكما قلت لن أتوانى لحظة عن خدمة أهلي، وما زِلتُ أعمل لأكون قدوة ومثلاً يُحتذى  لجميع النساء، بأننا رغم الظروف الصعبة وظروف الحرب، وظروف التهجير والدمار والألم، وكل الكوارث التي تُحيط بنا من وباء كورونا والكوليرا والزلازل، فنحن ما زِلْنا مستمرين نسير  على طريق الحق وبأننا مستمرون مهما حدث، وأملنا أننا سوف ننتصر ونقوم بأمة قوية ومتينة لا تخشى الصعوبات والتحدِّيات، فهذه الأمة أمامها مستقبل مشرق وجميل بِهِمَّة أبنائها الأحرار".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد