من اجتماع جدّة إلى اجتماع عمّان، إلى...؟
يبدو أنّ القادة لمّا يصل إليهم المثل العربي"فاقد الشيىء لا يعطيه" ولم يصل إليهم المثل العامّي الآخر" دق المَي وهي مَي" فالمثل العربي الأول مفهوم ،أما الثاني فهو يضرب لمن يكرر المحاولات في أمر ما ولكن تبقى مع محاولته النتيجة واحدة، لأن الشروط نفسها في كل محاولة لم تتغير فيها شيى لتعطي نتيجة مختلفة عن سابقاتها.
فالأمثال الفصحى منها الشعبية لم تأت عبثا فهي جاءت عن تجارب وممارسات مارسها بعض الأشخاص، أو أقوال صدرت عنهم اتجاه شخص ما لأمر ما في قضية ما، ولا ريب أن هذه الأمثال جاءت نتيجة تجارب وحقائق وسياسات، ولكن القادة العرب لم يأخذوا بها أو يدركوها، ذلك أنهم لم يفهموا طبيعة النظام السوري وخاصة في السنين التي تلت الثورة والتي قام خلالها وبعد أن كاد أن يسقط بالاستقواء على شعبه وقتله بدول احتلت سورية وباتت هي صاحبة القول الفصل في كل أمر من الأمور المهمة وحتى في أمور غير مهمة.
فقد رهن النظام البلاد والعباد لهذه الاحتلالات من روس ومجوس وباقي ميليشيات الأرض فهل بعد كل هذا يمكن تصور أن بشار الأسد قادر على اتخاذ أي قرار بعيداً عن هؤلاء الذين بفضله بقي حتى اللحظة، فأي قرار يُطلب منه لابد أن يمر من خلالهم وهذا حق لهم فهم أصحاب الفضل الأول ببقائه على رأس السلطة ولو شكلياً أو "ديكوريّاً".
القادة العرب من خلال اجتماعاتهم التي يجرونها من أجل مناقشة الوضع في سورية ولدراسة موضوع إعادة النظام للجامعة العربية وإعادة العلاقات معه وضعوا له شروطاً لأجل ذلك، فهم لم يعوا الدروس من كل ما جرى في هذا الحقل ولمّا يصلوا إلى نتيجة ويستفيدوا من هذه الأمثال التي تنطبق تماماً مع ما يجري بمحادثاتهم مع النظام.
فكل منهم أعني -القادة العرب- سوف يَدعوُن إلى اجتماع في بلده بعد اجتماع جدة واجتماع عمان ولا ندري غداً أو بعده أين سيكون القادم بعد عمان؟
فكل منهم يريد أن يجرب حظه لعل وعسى، والكل يريد أن يعيش تجربته مع هذا النظام في إقناعه بالشروط العربية لعودة علاقات النظام معها، وربما تنطبق عليهم نتيجة محادثاتهم مع النظام نتيجة محادثات "الناسك والراقصة" اللذان لم يستفد أحدهما من تجربة الآخر وأراد كل منهما أن يعيش تجربته بنفسه دون الاستفادة من تجربة الآخر توفيراً للوقت وللجهد.
فممّا يُروى أن كان هناك راقصة قد مضى عليها زمن في الرقص وأرادت أن ترجع إلى الله بعد رحلة طويلة من حياة اللهو والمجون والفسق، فركبت راحلتها ومضت تبحث عن حياتها الجديدة، وفي الطريق رأت شيخاً راكباً راحلته فاستوقفها واستوقفته، فقال لها: ما خطبك؟ فقالت له: مللتُ من حياة الفسق والرقص والمجون وخرجت أبحث عن حياة جديدة أعود فيها إلى الله لأقضي ما بقي من عمري عسى ربي أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي.
ثم قالت الراقصة للناسك: وأنت ما خبطك إلى أين تنوي؟ فقال لها الناسك: مللت من حياة النسك والصومعة، وأردت أن أجرب حياة أخرى من لهو ومجون وخلافه لعلي أجد نفسي فيها.
فافترقا ومضى كل إلى غايته وإلى وجهته الجديدة فلا الناسك استفاد من تجربة الراقصة كيف كانت حياتها التي تركتها خلفها، ولا الراقصة استفادت من تجربة الناسك مع النسك والصومعة، وأراد كل منهما أن يعيش تجربته الجديدة بشكل شخصي ويدفع ثمن تجربته ليشقى فيها أو ربما سيسعد.
ما يحدث مع القادة العرب مثلهم فيه كمثل الراقصة والناسك في تعاملهم وتعاطيهم مع نظام الأسد فهم لا يستفيدون من تجارب غيرهم.
فعلى الرغم من التجارب الكثيرة مع النظام إن على المستوى الدولي أو على المستوى العربي لا يزالون يأملون خيراً فيه، فجميع هذه الاجتماعات والمشاورات لم ولن تؤتي أكُلها لأنه وببساطة يتشاورون ويعقدون اجتماعات لأجل شخص ميؤوس منه لم يعد يملك قرار نفسه أن يدخل الخلوة لقضاء حدثيه الأكبر أو الأصغر، فما الحال إن كان ما يطلبه القادة العرب قضايا كبيرة كمكافحة الإرهاب وقضايا تهريب المخدرات وعودة اللآجئين والنازحين إلى مدنهم وقراهم آمنين مطمئنين وكذلك فهم يطلبون من النظام الدخول مع المعارضة في الحل السلمي وفق القرار الأممي 2254.
فقد كنا منذ أيام قليلة مضت في إجتماع جدة التشاوري وقد تناول المجتمعون من دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن ماتناوله اجتماع عمان اليوم من شروط القادة العرب للعودة بسورية للجامعة العربية لشغل مقعد سورية فيها، وذلك بشروط منها عودة المهجرين واللآجئين والنازحين إلى قراهم ومدنهم بشكل آمن مطمئنين، وإخراج الميليشيات والقوات الأجنبية من سورية ومكافحة الإرهاب، ومكافحة تجارة المخدرات التي تدخل بلاد العرب عن طريق سورية، وكذلك العمل على التسوية السياسية وفق القرار الأممي2254، وبعض الشروط الأخرى.
بيدَ أن النظام رفض هذه الشروط واعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية لسورية وقام بعد صدور البيان بمهاجمة الدول العربية التي أصدرت بيان الاجتماع وذلك على لسان الكثير من أبواقه الإعلامية.
اليوم كان اجتماع عمان التشاوري بين دول السعودية والأردن ومصر والعراق و وذلك للغرض ذاته وذلك لبحث المسألة هذه، وقد جاء اجتماع عمّان متطابقاً تماماً في بيانه الختامي مع بيان جدة الذي رفضه النظام وقام بمهاجمته، وأعتقد لن يكون اجتماع عمّان بأفضل حالاً من اجتماع جدة الذي كان كسابقه هباء منثوراً وللتدليل على أن سيكون كذلك فقد أوردت "أسيشيوتيد برس" أن رأس النظام رفض ماجاء باجتماع عمان.
يُتعبُ أنفسهم القادة العرب في هكذا اجتماعات لا طائل منها سوى للممطالة والتسويف لأنهم يعرفون النتائج مسبقاً أن النظام لا يمكن له أن يقبل بها لأن قبولها مجتمعة أو قبول أي منها فهذا لا يعني سوى سقوط النظام وانهياره.
فهم يعرفون أو على الأقل يجب أن يعرفوا ان مثل هكذا قرارات وهكذا شروط ليس من صلاحية النظام الموافقة عليها أو قبولها أوحتى مناقشتها فكان من الأولى أن تكون اجتماعات القادة العرب مع السيد والمتبوع روسيا وإيران والميليشيات التي تتحكم بمفاصل الدولة لا أن يتجهوا إلى التابع والعبد الذي لا قِبل له وغير مسموح له أن ينبس ببنت شفة في أمور كهذه.
فمثل هكذا أمور ومناقشات وشروط يجب أن تعرض أولا على روسيا وإيران وميليشياتها فهم من يتحكمون بسورية، فمالك الشيىء يمكن له أن يعطيه، أما فاقده بشار الأسد فأنى له أن يعطيه؟.
الاجتماعات التشاورية حول سورية مرشحة للتكاثر فمن اجتماع جدة إلى مثله في عمان وإلى اجتماع غداً لا ندري أين سيكون وكلها لا جدوى منها ولا ثمرة فيها البتة، وسيكون كل اجتماع كسابقه في الفشل نظراً للأسباب الموما إليها أعلاه فإن بقيت هذه الاجتماعات مع العبد والتابع دون وجود السيد والمتبوع فسنبقى ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها اللهم إلا إذا كان العرب وقادتهم يأملون من النظام ما لايجب أن يرجى منه وأن كل منهم سيدعو إلى اجتماع في بلده لعل وعسى وغيرها من أفعال المقاربة والرجاء والأمنيات فإن فعلوا فهذا سيقربهم أكثر وأكثر من حكاية الراقصة والناسك "ودق المي وهي مي".
وستظل مثل هكذا اجتماعات قيل عنها أنها تشاورية ستظل كاجتماعات القواعد من النساء مع غير أولي الإربة من الرجال.