معلمون في مناطق سيطرة النظام السوري لـ"نداء بوست": رواتبنا لا تكفي ليومين!
يرفض محمد وهو مدرس في إحدى المدارس الابتدائية في مدينة حمص العودة لممارسة عمله ضمن القطاع التعليمي الحكومي بسبب تدنِّي الرواتب معتبراً أنها تكفي ليومين فقط.
إلا أن شغف محمد بالتعليم حمله على افتتاح معهد خاص لتدريس المناهج التعليمية للمرحلتين الإعدادية والثانوية.
هذه الخطوة التي تدرّ عليه أضعافاً مضاعفة من الراتب الذي سيحصل عليه فما لو عاد للكوادر التعليمية الحكومية والتي لا يتجاوز مرتبها الشهري حاجز المئةِ وخمسين ألف ليرة سورية بأحسن الأحوال.
بدوره، تحدث "حسام. أ" موظف ضِمن جامعة البعث بمدينة حمص أنه يضطر للعمل بوظيفة حارس ليلي ضِمن إحدى المنشآت الصناعية على أطراف المدينة من أجل الحصول على مدخول إضافي يسد به رمقه واحتياجات أسرته اليومية.
وبين حسام أن راتبه الوظيفي البالغ ١٦٥ ألف ليرة يضطر لدفع ثلثه أجوراً للمواصلات خلال الشهر الواحد الأمر الذي دفعه مرغماً للبحث عن عمل آخر يكفيه عن حاجة الناس.
في سياق متصل تحدثت أم علي العاملة ضِمن أروقة مستشفى الباسل كمستخدمة مدنية أنها اضطرت للقبول بهذه الوظيفة ليس طمعاً بما تحصل عليه من راتب شهري لا يتجاوز ٧٥ ألف ليرة، وإنما تعتمد بشكل كامل على ما تحصل عليه من أموال (إكرامية) من قِبل ذوي المرضى الذين تقدم لهم العناية في فترة غيابهم.
وآثر العديد من الموظفين العاملين ضِمن القطاع والدوائر الحكومية التابعة لنظام الأسد التخلي عن وظائفهم التي باتت تشكل طوقاً حول أعناقهم مانعة إياهم من الوصول إلى حياة كريمة نسبياً ضِمن مناطق سيطرة النظام في الداخل السوري.
وأفاد مراسل "نداء بوست في حمص بأن شريحة واسعة من الموظفين الذين ينحدرون من مناطق وأحياء مدينة حمص التي ساندت الثورة السورية جرت ملاحقتهم على الصعيد الأمني عقب خضوعهم لتسوية سياسية مع نظام الأسد الحاكم.
وبيَّن مراسلنا اعتقال مخابرات النظام العشرات من الموظفين الذين حاولوا العودة لوظائفهم التي فُصلوا منها بعد فترة انقطاع طويلة الأمد، الأمر الذي دفع بمن تبقى منهم خارج المعتقل للعزوف عن فكرة العودة للوظيفة لسببين رئيسيين أولهما الخوف من الاعتقال العشوائي، والثاني هو الراتب الشهري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في حال تمكنوا من الحصول على موافقة بالعودة إلى وظائفهم.
"لا يكفي راتب الموظف في الدوائر التابعة لحكومة النظام سوى ثلاثة أيام فقط في ظل ارتفاع الأسعار والتدهور المعيشي لا سيما بعد انهيار الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي" هذا ما أجاب به المدرس علاء الخطيب لموقع "نداء بوست" وهو معلم سابق كان يعمل في إحدى مدارس الريف الأوسط عند سؤاله عن أسباب تقديم استقالته.
ويتابع المعلم المنحدر من محافظة درعا أنه: "يبلغ متوسط الرواتب ما يعادل 15 دولاراً بينما تحتاج العائلة لما يقارب الـ 400 دولار على الأقل لتأمين احتياجاتها الضرورية فقط، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته والعمل في المشاريع الزراعية لسدّ رمق عائلته".
أما شهد الزعبي وهي موظفة في إحدى المصارف الحكومية لا يتجاوز راتبها الشهري 95 ألف ل.س فقالت لـ "نداء بوست": إن أكثر من 40 ألف ليرة من راتبها تذهب أجوراً للنقل بينما لا يكفيها ما تبقى لتأمين شيء بسيط من حاجاتها الأساسية لذا اضطرت للعمل في الخياطة كعمل إضافي لتستطيع إكمال شهرها وتأمين إيجار المنزل الذي تسكن فيه.
أيهم الديري أخبر "نداء بوست" أنه يفكر بالاستقالة فور إيجاده فرصة عمل إضافية؛ لأن راتبه الذي يبلغ 100 ألف ليرة لا يسمن من جوع في ظل ارتفاع الأسعار كما أنه يحتاج لعشرة أضعافه كي يتمكن من تدبر أمور عائلته الشهرية لكنه يتمسك بالوظيفة نظرا لعدم قدرته على إيجاد فرصة عمل في وقت تنحسر فيه فرص العمل بشكل كبير.
من جهته أضاف رامي العاسمي أن راتبه المتدني دفعه للعمل كسائق تاكسي أجرة بعد الدوام بدءاً من الساعة الرابعة عصراً وحتى 12 ليلاً للحصول على قليل من المال يستطيع من خلاله تأمين تكاليف أسرته في ظل الغلاء الكبير الذي تشهده الأسواق.
وطالت الاستقالات العديد من القطاعات بسبب قلة الأجور والرواتب وعدم كفايتها وسط تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية الذي تشهده المحافظة فيما تُقابل طلبات الاستقالة بالرفض لعدم وجود البديل وخوفاً من إفراغ الدوائر الرسمية بشكل كامل كما أنها تحتاج إلى واسطات ورشاوى تصل إلى ملايين الليرات للموافقة عليها مما أدى إلى رفع نسبة التسرب الوظيفي.
ومع ازدياد الأزمة الاقتصادية والضائقة المعيشية وغلاء الأسعار تزداد معاناة الموظفين في المؤسسات التابعة لحكومة النظام، وذلك لأنها الشريحة الأكبر في السويداء حيث يضطر الموظف إلى أخذ إجازة من العمل من أجل تأمين المصاريف والمتطلبات اليومية ولتفادي دفع أجور المواصلات .
أحد الموظفين قال لموقع "نداء بوست": إنه إذا أراد أن يحسب ماذا يشتري بالراتب الذي لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية مع غلاء الأسعار فإنه يجد أنه لا يكفي لشراء البصل الذي تجاوز سعره 12 ألف ليرة للكيلو الواحد.
ويضيف بأنه لا يريد أن يتكلم عن اللحمة بأنواعها؛ لأنها أصبحت من الممنوعات حيث وصل الكيلو الواحد منها 55 ألف ليرة ودجاج 40 ألف، لذلك يضطر للعمل الإضافي وهو ينتظر قبول استقالته من أجل البحث عن فرصة عمل خارج سورية.
ويشار إلى أن عامَيْ 2021 و 2022 قد شهدا استقالات للمئات من مختلف القطاعات خاصة مديرية التربية بالسويداء التي تضم العدد الأكبر من الموظفين وتعاني اليوم من نقص المدرسين نتيجة الاستقالات.
وتعتبر الاستقالة والبحث عن عمل آخر أحد الحلول التي اتبعها العاملون في الدولة في المحافظة ولكن يبقى الاعتماد الأكبر في تصريف أمور الحياة هو ما يصل من المغتربين لذويهم في الداخل فلولا هذه الشريحة الكبيرة لزادت نسبة معدومي الحال بأرقام قياسية.
https://nedaa-post.com/?p=56477
ناهيك عن وجود شريحة ليست كبيرة لكنها موجودة وفاعلة تتبع أساليب منحرفة مستغلة حالة الفلتان الأمني لتجني الأموال عن طريق التهريب وتجارة المخدرات والسرقات التي باتت تسجل بشكل يومي، هذا بالإضافة لعودة الكثير من الأهالي للعمل في الأرض واستغلال حواكيرهم وقطع الأرض الممكن استغلالها واستثمارها بهدف تأمين أبسط المتطلبات من خضار وحبوب.
ومن الملاحظ بأن زلزال ارتفاع الأسعار طال جميع المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية، مما شكَّل ضغطاً كبيراً على الجميع والموظفين بشكل خاص في ظلّ ضعف القدرة الشرائية، وبالتالي أدت إلى عجز الجميع عن تلبية أبسط متطلبات أُسَرهم، كما جعلت عدداً ليس بالقليل من الأُسَر دون خطّ الفقر في حين أدى واقع الحال للجوء أُسَر كثيرة إلى المعونات المقدمة من الجمعيات الخيرية وغيرها من الجهات وهذا ما جعل المواطنَ بحالة استجداء لقمة العيش.