مستقبل سورية 

مستقبل سورية 

بعد انطلاق مبادرتَي التطبيع التركية والعربية مع النظام السوري، أصبح الحديث عن مستقبل سورية هو أكثر ما يشغل السوريين في مختلف أماكن إقامتهم وبمختلف توجُّهاتهم "موالين، معارضين، محايدين"، وأعينهم جميعاً تترقب رؤية حلّ يمكن أن يُخرج البلد من الواقع الجحيمي الذي أوصلها إليه الأسد ويضعها على طريق مستقبلٍ أفضل.

وبغض النظر عما يمكن أن ينتج عن هذه المبادرات إلا أن سورية والسوريين على المدى البعيد وربما المتوسط أمام سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما:

أولاً: سيناريو سورية الأسد

لم تشهد سورية منذ استلام عائلة الأسد للحكم فيها أي تطوُّر حقيقي، وبينما كان العالم يتطور بشكل سريع، كان النمو في سورية يسير سير السلحفاة أحياناً أو لا يسير في أحيانٍ أخرى، ومع بداية الألفية الثانية أصبحت فرصة العمل خارج سورية حلماً يراود الكثير من الشباب السوري وأنا واحد منهم، وبدأ خبراء الاقتصاد يحذرون من أن الاقتصاد السوري لا يشهد معدلات نموٍ تتناسب مع معدلات النمو السكاني، ومنهم الدكتور أسامة القاضي الذي أشار في دراسة له إلى أن المؤشرات الاقتصادية في سورية سنة 2025 ستكون مشابهة لمؤشرات الاقتصاد المصري المتهاوي سنة 2005. وأصبح واضحاً للجميع أن سورية تتجه نحو المزيد من التدهور الاقتصادي.

وإذا كان هذا هو أداء نظام عائلة الأسد خلال أربعين سنة من حكمهم لبلدٍ مستقرٍ غني بالموارد، فكيف سيكون أداؤهم بعد الحرب في بلدٍ مدمرٍ من حيث البناء والبشر؟

وحتى لو كانت هناك أموال لإعادة الإعمار، فكلنا يعلم أنه ستتم سرقتها وتوزيعها بين إيران وروسيا ومؤسسات أسماء الأسد التي باتت تسيطر على ما تبقى من مفاصل الاقتصاد السوري، أما الشعب فلن يرى إلا الفُتات من هذه الأموال التي ستسجل ديوناً عليه تلاحقه وتلاحق أبناءه من بعده لعشرات السنين.

أما من الناحية الأمنية، فأول ما يحضرني عندما أتخيل بقاء الأسد هو قصةٌ حدثت قبل عشرين سنة وكنت شاهداً عليها، فبعد الاجتياح الأمريكي للعراق سنة 2003 عاد إلى شارعنا في مدينة حماة شابان في أول عمرهما، كِلاهما وُلد في العراق بعد سنة 1982 أي بعد السنة التي هرب فيها أبوهما من مدينة حماة إثر مجزرتها الشهيرة، وبعد عدة أشهر من قدومهما تم استدعاؤهما من قِبل أحد الأفرع الأمنية، ومن وقتها وحتى الآن لا يعلم أحد عنهما شيئاً.

وإذا كان هذا تعامُل بشار مع أبناء مَن عارضوا حكم أبيه، فكيف سيكون تعامُله مع مَن عارض حكمه وهدد عرشه؟

ثانياً سيناريو سورية الشعب:

رغم ما تركته عمليات التهجير القسري من آثار مؤلمةٍ على المجتمع السوري، إلا أنها جعلت السوريين يرون عالماً مختلفاً خارج السجن الأسدي الكبير، رأوا كيف يمكن للإنسان أن يعيش بكرامته ويعبر عن رأيه وكيف يمكن أن ينتخب مَن يمثله ويحمي حقوقه، وشيئاً فشيئاً بدؤوا ينخرطون بمحاولات العمل السياسي سواء في مناطق المعارضة السورية، أو حتى في الدول التي لجؤوا إليها.

نعم... لقد استطاع الإنسان السوري خلال سنوات الحرب والتهجير أن يمتلك خارج سورية الأسد من الخبرات والعلوم السياسية والإدارية والاقتصادية و الاجتماعية ما جعلته يسبق النظام السوري بل ومؤسسات المعارضة التقليدية المترهلة بأشواطٍ كبيرة، هذه الخبرات التي إن ذهب هذه النظام وأُتيح لها المجال للعمل فإنها قادرة على بناء دولة سورية الشعب، دولة القانون والعدالة التي يأمن فيها الناس على أنفسهم وأموالهم، هذه الدولة التي ستكون قادرة على استقطاب وترشيد أموال إعادة الإعمار، إضافة إلى استقطاب الكوادر من السوريين وغيرهم ليُسهموا بخبراتهم واستثماراتهم في إعادة بناء هذه البلد وتحقيق الازدهار الاقتصادي والسياسي والعلمي والاجتماعي فيه خلال مدة زمنية قياسية.

نعم هما سيناريوهان اثنان لا ثالث لهما: إما سورية الأسد وإما سورية الشعب، إما دولة الخوف والاستبداد والفقر والتخلف، وإما دولة الأمن والحرية والتطور والازدهار، وعلى السوريين أن يدركوا في هذه الأيام المهمة والمفصلية أن لا حلول وُسطى مع الأسد الذي يرى سورية مزرعة لا دولة.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد