مركز جسور للدراسات": نهج الخُطوة مقابل خُطوة يعقد فرص تطبيق القرار 2254
نشر "مركز جسور للدراسات" تقريراً تحليلياً حول مقاربة الفاعلين في سورية تجاه نهج الخطوة مقابل خطوة الذي اقترحه المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون، منذ أن تولى مهمته مطلع عام 2019.
وخلص التقرير إلى أن هذا النهج يزيد من تعقيد فرص تطبيق القرار 2254 ويضيف إليه عناصر جديدة ليس لها تعلّق بالحل السياسي، وأنه بسبب عدم تقديم المبعوث مبادرة تبقي النهج ضمن إطار القرار، فقد فتح الباب لعدد من الأطراف الدولية لطرح مبادرات ثنائية بينها وبين النظام، مما شتت النهج، ووضعه في مسارات متعددة ومتناقضة، وجعل بعض الدول تحصره في معالجة موضوع اللاجئين، ومكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات.
على صعيد الدول العربية يرى التقرير أن هناك ثلاث مقاربات عربية تجاه نهج الخطوة مقابل خطوة:
الأولى: مقاربة السعودية والدول العربية التي لم تقطع علاقاتها مع النظام، والدول التي قطعت أشواطاً في التطبيع مع النظام، وتتمثل بإسقاط النهج من سياساتها، وهي وإن ذكرت بعض بنوده، لكنها لا تضعه في مفهوم بيدرسون له، أي أنها تضعه دون خطوات مقابلة من النظام توصل إلى الحل السياسي وفق القرار 2254.
الثانية: مقاربة الأردن المتمثلة في بيان عمّان وفي المبادرة الأردنية التي تدعم نهج خطوة بخطوة وفق مفهوم بيدرسون، وتزيد عليه الشواغل الأردنية التي تريد إضافتها إلى النهج.
الثالثة: مقاربة دول عربية مثل قطر والكويت التي وإن شاركت في اجتماع جدة، إلا أنها أعلنت بعده موقفاً مغايراً يشير إلى عدم رضاها عن المقاربة السعودية، ويمكن وصف موقفها بأنه يؤيد نهج خطوة مقابل خطوة ضمن مفهوم بيدرسون له كجزء من العملية السياسية وفق القرار 2254.
وعلى صعيد الدول الغربية يرى التقرير أن مقاربتها الحالية هي دعم نهج خطوة بخطوة باعتباره جزءاً من عملية بناء الثقة، وبناء الزخم اللازم للمضي نحو حل سياسي شامل وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، وليس جزءاً من الحل السياسي المنصوص عليه في القرار، والمتضمن إنشاء هيئة الحكم الانتقالي، وصياغة دستور جديد تجري عملاً به انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
يرى التقرير أيضاً أن تركيا ليس لديها دعم معلن لنهج الخطوة مقابل خطوة، وأن المسؤولين الأتراك يتجنبون الإشارة إليه سواء في إحاطاتهم في مجلس الأمن، أو في لقاءاتهم مع بيدرسون، ويؤكدون فقط التزام تركيا بدعمها للعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
كما يؤكدون على ضرورة استمرار عمل اللجنة الدستورية في جنيف، التي يعتبرون أنها أُنشئت نتيجة تفاهمات ضامني أستانا، وواحدة من قرارات "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في سوتشي.
ويرى التقرير أنه من الناحية الفعلية فقد وضعت تركيا مسار التطبيع مع النظام السوري وفق نهج خطوة مقابل خطوة يعالج شواغلها، مثل مكافحة الإرهاب، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، وعودة اللاجئين، إضافة إلى شواغل القرار 2254.
على صعيد حلفاء النظام روسيا وإيران يشير التقرير إلى أن الحل السياسي الوحيد القابل للحياة وفق رؤيتهم هو ما يأتي عبر مسار أستانا، وأن استشهادهم بالقرار 2254 في تصريحاتهم يعني فقط اللجنة الدستورية التي يعتبرونها نتيجة تفاهمات ضامني أستانا، وواحدة من قرارات مؤتمر سوتشي وفق ما يتكرر بشكل دائم في البيانات الختامية لاجتماعات أستانا، وأن روسيا أعلنت أكثر من مرة رفضها الصريح لنهج خطوة مقابل خطوة، وتعتبر طرح بيدرسون لهذا النهج هو خارج نطاق ولايته المكلف بها.
وحول مقاربة الفاعلين المحليين تجاه نهج الخطوة مقابل الخطوة، يرى التقرير أن النظام السوري على الصعيد الرسمي يرفض نهج الخطوة مقابل خطوة كسبيل للحل في سورية، ويعتبر أن طرح النهج جاء بعد فشل السياسات المتبعة ضده، وما خلّفته من تداعيات سياسية وإنسانية، وأنه وسيلة ابتزاز من الحلف الغربي "المعادي" له لتقديم تنازلات سياسية تحت ضغط الأزمات الاقتصادية الخانقة الناشئة عمّا يصفه النظام بالعقوبات القسرية أحادية الجانب المفروضة عليه.
المعارضة السورية أيضاً ترفض نهج الخطوة مقابل خطوة، إضافة إلى رفضها -وفق بيان صادر عن هيئة التفاوض- "أي آليات أو مبادرات لا تؤدي بشكل عملي وواضح إلى التنفيذ الكامل والصارم للقرار 2254 (2015) تمهيداً للوصول إلى الهدف الأساسي له، وهو تحقيق الانتقال السياسي"، وتتمثل مقاربة المعارضة في رفض النهج في أنه لا يمكن القبول بإعطاء حوافز مادية أو سياسية أو دبلوماسية للنظام مقابل تنفيذ بنود إنسانية كان هو المتسبب الأساسي فيها، وأن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها تقتضي مساءلته ومحاسبته، وليس السماح له باستخدامها كوسيلة ابتزاز للمجتمع الدولي من أجل إغفالها وجني المكاسب منها، وأن إعطاء النظام حوافز مع استمرار تعطيله للعملية السياسية في جنيف، سيدفعه للمزيد من التعنّت وإعاقة تنفيذ القرارات الدولية.
الإدارة الذاتية التي تسيطر على شمال شرق سورية من جانبها ليس لها مقاربة خاصة تجاه نهج الخطوة مقابل خطوة فهي لا ترى نفسها مشمولة فيه، وهي في المجمل تبحث عن اعتراف النظام بها ضمن نظام إداري سياسي لا مركزي، والتعاون معه في مكافحة الإرهاب، والتعاون في وقف السياسات والإجراءات التركية ضد الإدارة،
خلاصة التقرير أنه من غير المتوقع أن يُفضي النهج إلى تحقيق أي نتائج، لا سيما أنه ما زال عبارة عن آلية غير متبلورة لبناء الثقة، تتعامل معها جميع الأطراف المعنية سواءً كانت دولية أم سورية بشكل غير متسق وبما يخدم سياساتها ومصالحها، والذي من شأنه أن يزيد من استعصاء العملية السياسية بدل دفعها قُدُماً.
كما أن استمرار النهج بشكله الراهن قد يدفع بالنهاية إلى فشله، وبما لا يتيح الاستفادة منه في مهمة المبعوث الأممي الحالي أو أي مبعوث جديد كأداة من الأدوات اللازمة لتطبيق القرار 2254.