ما الذي يدور في واشنطن؟ هل يبتلع PKK اللوبي السوري الأمريكي بعد كسر المحظور

ما الذي يدور في واشنطن؟ هل يبتلع PKK اللوبي السوري الأمريكي بعد كسر المحظور

لم تكن زيارة رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس الأخيرة إلى الولايات المتحدة بلا ثمارٍ ومخرجاتٍ، مهما حاول تغليفَ أغراض تلك الزيارة بالنوايا الحَسَنة التي قد لا تكون معدومة تماماً، إلا أن تلك الثمار والمخرجات التي أفضت إليها الزيارة ستجنيها، كالعادة، أطراف لا تصبّ سياساتهم في صالح القضية السورية، بفعل ارتهانهم لأجندات غير محلية، وذلك لكون مشاريعهم بالأساس هي مشاريع عابرة للحدود، تعتمد الأيديولوجيات العرقية العنصرية أكثر من كونها مشاريع انفتاح على الآخر السوري، وهي حال ما تعرف باسم الإدارة الذاتية المنبثقة عن حزب العُمّال الكردستاني الذي نقل نشاطه إلى شمال سورية والعراق بعد تراجُع دوره في بلد المنشأ تركيا.

أدرك ما يُعرف باسم ”مجلس سورية الديمقراطية“ أنه ليس بوُسْعِه الاكتفاء بدعم الولايات المتحدة العسكري، الذي يتعامل معه ومع فصيله العسكري ”قسد“ كبندقية للإيجار في حرب واشنطن والتحالف الدولي ضدّ تنظيم ”داعش الإرهابي“، وقرّر بناءً على ذلك الانتقالَ إلى طور آخر، باستغلاله لنشاط المنظمات الأمريكية السورية التي تمكنت حتى الآن من الضغط لاستصدار قانونَيْ ”قيصر“ و“الكبتاغون“ وهي في نمو متصاعد أكثر تنظيماً وأكثر فعالية. فلماذا لا يستثمر هذا كلّه لصالح ضرب خصومه في المشهد السوري والإقليمي؟

زيارة وفد هيئة التفاوض التي جرت قبل أسبوعين، أثارت الكثير من الجدل، غير أن ما يمكن تسميتها بـ“القطبة المخفية“، تمثّلت في استخدام جاموس والهيئة وأعضاء وفدها، كممثلين للمعارضة الرسمية السورية الحليفة لتركيا، لتنفيذ مهمة أساسية هي ”شَرْعَنة التواصل مع حزب العُمال الكردستاني“، الحزب الذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا كتنظيم إرهابي وتشنّ الأخيرة عليه الغارات الحربية بشكل يوميّ ويعتبر الموقف منه اليوم مكسر عصًا بين المتنافسين في الانتخابات المُزمَع تنظيمها في تركيا.

وبغض النظر عن نفي جاموس ووفده والمبعوث السابق للملف السوري جويل رايبورن لأي ضغط تعرّض له الوفد السوري المعارض لفتح قنوات اتصال مع ”الإدارة الذاتية“، إلا أن تلك القنوات كانت قد فُتحت وانتهى الأمر، لمجرد عَقْد لقاءات، غير رسمية، وأخرى أُرِيدَ لها أن تكون عفوية وعابرة في مركز هوفر للأبحاث، ستكون بوابة لكل مَن يريد التواصل مع ممثلة حزب العُمّال الكردستاني في واشنطن سينم محمد لاحقاً، وما الذي يمنعه من ذلك، ورئيس هيئة التفاوض القادم من إسطنبول يلتقيها ويلتقي أعضاء بعثتها بكل أريحية؟

طاولة الخسائر المستديرة

سارعت ممثلة ما تُعرف بـ ”الإدارة الذاتية“ إلى دعوة المنظمات الأمريكية التي كان بعضها يحاول سَتْر عورة اللقاء معها في السابق، إلى طاولة مستديرة للحوار ”الوطني“، ستُعقد في واشنطن يوم 12 من شهر أيار/ مايو الجاري، لمناقشة المبادرة التي طرحها كل من ”قسد“ و“مسد“ مؤخراً، والتي يوصي بندٌ من بنودها صراحةً -دون خجل- بالتنسيق مع ”الحكومة السورية في دمشق“، ضِمن مَسار التطبيع العربي والتركي الحالي مع نظام الأسد.

وإذا لم تجد تلك المنظمات الأمريكية أي حساسية في التعامل مع طرف أجنبي مصنف حتى في المؤسسات الأمريكية كتنظيم إرهابي، فلعلها تبحث عن قِيَم أخلاقية سياسية تمنع المرء من التعامل مع ميليشيات تحتلّ ثلاث محافظات سورية هي الرقة ودير الزور والحسكة، مُطبِّقةً كل ما يمكنها من صنوف التمييز العنصري والتهجير السكاني والقمع والتغيير الديموغرافي بحق الغالبية العربية من سكان المنطقة الشرقية والتي تتجاوز التسعين بالمئة في المحافظات الثلاث. ناهيك عن التجنيد القسري للقصّر والقاصرات وفرض المناهج التعليمية التي تزدري ثقافة السوريين وهُوِيّتهم وتدس أفكاراً غريبة عنهم ومرفوضة من تقاليدهم، وتروّج لشخصية عبدالله أوجلان مؤسس PKK الذي ترعرع في أحضان نظام الأسد وتم تمويله وتسليحه وتدريبه في سورية، قبل أن يتخلى عنه الأسد تحت ضغط الأتراك وبوساطة مصرية.

إن التحوّل بالثورة السورية، باسم نمط من البراغماتية الساذجة، من انتفاضة خرجت من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية إلى مجرّد ”قنوات اتصال“، لا يُعَدّ تراجُعاً عن فحوى تلك الثورة وخنقاً لها عن سابق إصرار وترصُّد، بل أيضاً انزلاقاً سريعاً نحو الارتطام بجدار التحول من مقام إلى آخر، ومن هيئة مؤسسات ونخب ومنظمات مجتمع مدني عالية التأهيل تمثّل شعباً قدّم أكبر التضحيات بملايين الشهداء واللاجئين، إلى منزلة الميليشيات، بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ التصقت بسلوك الميليشيات.

ما الذي يجعل اجتماعاً كهذا الذي سيُعقد برعاية PKK في واشنطن، مختلفاً عن اجتماع يمكن أن تعقده هذه المنظمات مع ممثلين ”مدنيين“ عن أي تنظيم شيشاني أو أفغاني مصنف كتنظيم إرهابي، من أولئك الذين قدموا إلى سورية للجهاد مع ”داعش" أو مع ”النصرة“؟ أو مع ميليشيات ”فاطميون“ الأفغانية و“عصائب الحق“ العراقية و“فيلق القدس“ و"حزب الله“ التي جلبها الأسد لحماية نظامه؟

ما هو الفارق العلمي والأخلاقي والسياسي؟ فالجالس على الطرف الآخر من طاولة الحوار الوطني المزعوم هذه، هو طرف أجنبي، لا سوري، برامجهم خارجة تماماً عن برامج أي حزب سياسي سوري، حتى تلك الأحزاب والتيارات السورية المؤيدة للأسد.

وماذا لو فكّر هؤلاء في فداحة ”السابقة“ والتي ستكون لها نظائر تتلوها بعدها، فيتم الطلب من الجهات السورية ذاتها الاجتماع مع المجنّسين من الإيرانيين الذين منحهم الأسد الجنسية السورية في درعا وريف دمشق وحمص وحلب وحماة والسويداء من أجل النقاش حول مستقبل الوطن السوري ذات يوم؟ ما الذي سيقولونه عندئذ؟

وطالما أن مسيرة PKK، وواجهاته المزعومة، التاريخية وخلال سنوات الثورة وحتى آخِر مبادراتها، كانت التنسيق مع نظام الأسد، فلماذا لا تذهب تلك المنظمات السورية الأمريكية صَوْب الأسد مباشرة، بدلاً من التعامل مع وكلائه؟

الفارق أن العامل الأمريكي الذي يستخدم PKK كورقة للضغط على تركيا وغيرها، ويغري سوريِّي أمريكا بالتواصل مع ممثلي ”قسد“ و“مسد“ في واشنطن، يريد لهذا الذي بات يُعرف بعد جهود كبيرة باسم ”اللوبي السوري الأمريكي“ أن يقزّم نفسه، ويفقد مكتسباته في الشارع السوري، ويتحوّل بدوره إلى ورقة لا أكثر ولا أقل.

ولا يدرك هؤلاء في الوقت ذاته، أن مشكلة السوريين مع PKK لا تنبع من موقف تركيا من هذا الحزب، بل من موقف PKK منهم، وهو الذي استجلب لهم مشكلته مع تركيا وصراعه القومي معها، فيما لم يكن لدى السوريين أي مشكلة اجتماعية كردية عربية، كان الكرد والعرب ضحايا للاستبداد ذاته، ولولا ذلك لما عرفت سورية عدداً من رؤساء الجمهورية الأكراد، ولما كان الأكراد جزءاً أساسياً من النسيج الوطني السوري من دمشق إلى القامشلي.

الأكراد السوريون أنفسهم عانوا ولا يزالون يعانون من حشر تنظيم ”غير سوري“ بينهم وفي ساحة نضالهم من أجل المزيد من الحقوق الثقافية، وعجزوا -وتحت رعاية الأمريكيين أنفسهم- عن التوصل إلى أي تفاهُم مع هذا الحزب الإرهابي وممثليه عَبْر كل الجولات التي جرت خلال الأعوام الماضية، والتي عُرفت باسم ”الحوار الكردي - الكردي“، والنتيجة ذاتها توصّل إليها من هُرعوا نحو ”مسد“ وانضموا إليه من الأحزاب والتشكيلات العربية السورية المختلفة، لينسحبوا منه لاحقاً. فعمَّاذا يبحث اللوبي السوري الأمريكي عند PKK اليوم يقوده قصور الرؤية وانعدام الإستراتيجية ”الذاتية“؟ لا تملك الميليشياتُ ذاتُ الاستخدامِ المؤقتِ أيَّ شيء يمكن أن تُقدّمه سوى تلويث المشاريع وعرقلة أي عمل قد يشكّل تهديداً لبعض مشغّليها، (وهنا المقصود راعيها الأساسي نظام الأسد) وهي اليوم في ”مهمة أمنية جديدة“، أو إنْ شئت ”غزوة سياسية جديدة“ تنفيذاً لتوجيهات من أجهزة الأسد بغضّ طرفٍ أمريكي رسمي مفضوح، ليس بعيداً عن غضّ الطرف الأمريكي ذاته عن التطبيع الجماعي الحاصل حالياً مع الأسد.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد