لماذا يُهدِّد التطبيع مع النظام السوري بالمزيد من الصراع؟

لماذا يُهدِّد التطبيع مع النظام السوري بالمزيد من الصراع؟

المصدر: Global Policy
بقلم: محمود الحسين
ترجمة: عبدالحميد فحام


على مدى ثلاثة عشر عاماً، ارتكب نظام بشار الأسد العديد من الجرائم ضد الإنسانية في سورية، بما في ذلك قتل المدنيين وتهجير السكان. ورغم ذلك، قامت بعض الدول العربية بتطبيع علاقاتها السياسية مع النظام واستئنافها، متجاهلة التَّبِعات المحتملة على الشعب السوري والدولة السورية والمنطقة والدول نفسها التي قامت بالتطبيع.
دوافع التطبيع
بالنسبة لبعض الدول العربية، وفّر الزلزال المدمر الذي ضرب كلاً من سورية وتركيا في شباط/ فبراير 2023، لحظة مناسبة لكسر الجمود في العلاقات مع نظام الأسد، حيث قامت المملكة العربية السعودية بدعوة رئيس النظام السوري للمشاركة رسمياً في قمة الجامعة العربية في السعودية في أيار/ مايو 2023، ثم للمرة الثانية حضر بشار الأسد قمة الجامعة العربية في البحرين في أيار/ مايو 2024. وبحسب بعض التقارير، فإن الأهداف المعلنة للتطبيع مع النظام السوري هي ثلاثة: أولاً مكافحة تهريب المخدرات، وخاصة حبوب الكبتاغون، من سورية إلى دول الخليج. ثانياً الحدّ من الزحف والتمدُّد الإيراني في سورية. وثالثاً البحث عن حلّ سياسي للصراع الدائر في سورية. وأشار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في تبريره للتقارب العربي مع نظام الأسد، إلى عدم وجود "إستراتيجية فعّالة لحل الصراع السوري".
الوعود الفاشلة واستمرار سوء السلوك
ومنذ الإعلان عن استئناف العلاقات العربية مع النظام السوري، فشل الأخير في الوفاء بالتزاماته تجاه الدول العربية. ولم يقدم بشار الأسد قوائم مفصلة بمنتجي ومصدري المخدرات، فضلاً عن طرق التهريب المتعلقة بتجارة حبوب الكبتاغون. علاوة على ذلك ألقى بشار الأسد باللوم على الدول العربية، قائلاً: "أولئك الذين جلبوا الإرهاب إلى سورية هم الذين جلبوا المخدرات". ومن الواضح أن النظام لم -وعلى الأرجح لن- يتوقف عن تجارة حبوب الكبتاغون. أولاً تُستخدم هذه التجارة كوسيلة للابتزاز والضغط السياسي على دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي. ثانياً تحولت تجارة حبوب الكبتاغون إلى اقتصاد موازٍ يحقق أرباحاً كبيرة للنظام السوري، مما يجعل التخلي عنه أمراً بعيد المنال. وبحسب بعض الإحصائيات، بلغت إيرادات النظام السوري من تجارة الكبتاغون عام 2023، 2.4 مليار دولار.
النفوذ الإيراني والديناميات الإقليمية
وفيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، تشير المؤشرات إلى أن النظام السوري غير قادر على تقليص النفوذ الإيراني بسبب اعتماده على الدعم الإيراني، وذلك في المقام الأول لأن إيران تؤكد باستمرار على ضرورة بقاء نظام بشار الأسد في السلطة، بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية لإيران. وتشمل هذه المصالح بشكل خاص السيطرة على الطريق البري الذي يربط إيران ولبنان عبر العراق وسورية بالإضافة إلى التغلغل الإيراني في مؤسسات الدولة السورية والجيش والأجهزة الأمنية. فمنذ تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، يتواصل التواجد الكبير لقادة إيرانيين رفيعي المستوى، خاصة من الحرس الثوري الإيراني، على الأراضي السورية. وقد تجلى هذا في استهداف إسرائيل المستمر لهؤلاء القادة، وكان آخِر حادث هو الغارة الإسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان/ إبريل 2024. وأسفرت هذه العملية عن مقتل قادة إيرانيين بارزين من الحرس الثوري الإيراني، أبرزهم الجنرال محمد رضا زاهدي ونائبه محمد رحيمي وخمسة ضباط آخرين مرافقين له.
نهج النظام اللامبالي تجاه المبادرات السياسية: تعثُّر التقدُّم
الدافع الأخير وراء التطبيع هو دفع العملية السياسية قُدُماً، فمنذ عام 2011، لم يشارك النظام السوري بشكل فعّال في المفاوضات بشكل حقيقي. وبدلاً من ذلك سعى إلى إطالة أمد الإجراءات وإغراق الأطراف الأخرى بالتفاصيل. ولم يلتزم النظام بالعديد من المبادرات الإقليمية والدولية مثل: مبادرة الجامعة العربية عام 2012؛ ومبادرة كوفي عنان، وبيان جنيف رقم 1 لعام 2012؛ ومفاوضات جنيف؛ ومحادثات أستانا. وحتى يومنا هذا، يعيق النظام مفاوضات اللجنة الدستورية، ويرجع ذلك أساساً إلى اعتراضه، بدعم وتحريض من روسيا، على اختيار جنيف مكاناً للمفاوضات.
وهنا لا بد من تحديد المؤشرات الأولية التي تؤدي إلى استنتاج يجب على دول التطبيع الاعتراف به، وهو أن بقاء النظام وقبوله كواقع لا مفر منه يشكل خطراً مباشراً وتهديداً لسلامة الدولة السورية والشعب السوري، وإلى المنطقة الأوسع.

النزوح واللاجئون
أصبح السوريون من أبرز طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، حيث وصلت أرقامهم إلى ذروتها في عام 2023. ووَفْقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يشكل السوريون حوالَيْ خُمس اللاجئين على مستوى العالم. ويبلغ عدد النازحين قسراً في سورية 13.5 مليون نسمة، وهو ما يتجاوز نصف إجمالي سكان سورية، مع وجود 6.8 مليون نازح داخلياً.
وقدمت وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA)  رسماً بيانياً يشير إلى زيادة مطّردة في أعداد اللاجئين السوريين لتصل إلى 181 ألفاً بحلول نهاية عام 2023، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 38٪ عن عام 2022.
محتوى الرسم البياني
Applications for asylum in the EU
طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي


Jan-Jun 
Jul-Dec
من كانون الثاني حتى حزيران
من تموز حتى كانون الأول

ويلجأ السوريون في الغالب إلى أوروبا، ويهربون من مناطق السيطرة المختلفة داخل سورية. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، يواجه الشباب التهديدات المحدقة بالاعتقالات التعسفية، والتجنيد الإجباري، وعدم الاستقرار الاقتصادي، إلى جانب ندرة فرص العمل. وفي منطقتَي الجزيرة والفرات شرقي سورية، يعاني المدنيون المقيمون على ضفتَي النهر من ظروف قاسية للغاية. ويجد العرب السُّنة، الفئة السكانية الأساسية في هذه المناطق، أنفسهم عرضة للتهجير القسري والتلاعب الديموغرافي، الذي تنظمه قوات سورية الديمقراطية والميليشيات الإيرانية. وتسيطر هذه الفصائل على طرفَي محافظة دير الزور، اللذيْنِ يفصلهما نهر الفرات. ونتيجة لذلك، يواجه السكان الأصليون للمحافظة النزوح القسري.
إن بقاء بشار الأسد وأجهزته الأمنية في السلطة يؤدي إلى بقاء قوى الأمر الواقع الأخرى، مما يؤدي في النهاية إلى عدم الاستقرار في سورية، وتقسيم البلاد، وانعدام البيئة الآمنة فيها، وبالتالي فرار المزيد من اللاجئين من سورية.
خلاصة وتحذير
وسط الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب السوري، وجَّه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، في إحاطته الإعلامية في نيسان/ إبريل 2024، رسالة تنبيه إلى المجتمع الدولي. وقال إن:
“أي إغراء لتجاهُل أو مجرد احتواء الصراع السوري نفسه سيكون خطأً. ينبغي ألا يكون صراعاً مجمَّداً؛ فهو صراع لا يمكن لمس آثاره في سورية وحدها. في الواقع لا توجد علامات على الهدوء في أي من ساحات القتال في سورية - فقط الصراعات التي لم يتم حلها، والعنف المتصاعد، والاشتعال الحادّ للأعمال العدائية، أي منها يمكن أن يكون بمثابة إشعال حريق كبير جديد."
إن الرسالة الأكثر أهمية للدول التي تفكر في تطبيع العلاقات مع النظام السوري هي الامتناع عن إشعال حرب أخرى في سورية. وبدلاً من السعي للتطبيع مع النظام، ينبغي التركيز فقط على تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية للتوصُّل إلى حلّ سياسي عادل وسلام مستدام يحفظ كافة الحقوق والتطلعات المشروعة للشعب السوري. وهذا يستلزم العيش في حرية وسلام وأمن وعدالة بدون أي تواجُد لمرتكبي الجرائم ضدّ الإنسانية. إن مثل هذا الحلّ يمثل الضامن الحقيقي لإنهاء المأساة التي طال أمدها والتي يعاني منها الشعب السوري منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً.
إن تحقيق هذا الحل يتطلب ممارسة ضغط أكبر على النظام السوري، بدلاً من مكافأته أو تطبيع العلاقات معه. كما يتطلب الضغط على حليفتَي النظام، روسيا وإيران، لإقرار حل سياسي يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار 2254.
التطبيع مع النظام السوري قد يوفر هدوءاً مؤقتاً في مناطق معينة، وهو شكل من أشكال “السلام السلبي”، إلا أن هذا النوع من السلام وهمي، ويُخفي وراءه مخاطرَ كامنةً. وفي حين قد يكون هناك هدوء مؤقت في الأنشطة العسكرية، فمن المرجَّح أن تظهر ديناميكيات مختلفة، مما قد يؤدي إلى تأجيج موجة ثانية أكثر عنفاً وشدة من الصراع. إن تداعيات دورة العنف المتجددة هذه ستكون وَخِيمة ومدمِّرة، ليس فقط على سورية وشعبها، بل أيضاً على الدول العربية المجاورة، والمجتمع الدولي، والعالم بأسره. إن الأحداث التي وقعت في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هي بمثابة مثال مؤثِّر ودرس يجب تعلُّمه.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد