لماذا يتورط الحوثيون في حرب بين إسرائيل وحماس؟
هناك مخاوف مبرَّرة من التصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط عقب الردّ الإسرائيلي على عملية "طوفان الأقصى"، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 16 ألف فلسطيني في قطاع غزة.
ربما يكون الفاعل الأقل توقعاً الذي يمكن أن يوسع نطاق النزاع هو جماعة الحوثيين، التي سيطرت على معظم شمال غربي اليمن منذ عام 2014، ويمثل رد فعل الحوثيين على الحرب بين إسرائيل وحماس اختباراً لتوازُن غير مستقر بين التزامات الجماعة الأيديولوجية وسعيها لتحقيق أهداف عملية.
على الرغم من أن صواريخ الحوثيين قد أخطأت أهدافها، فقد كانت الجماعة أكثر نشاطاً في عملياتها البحرية في البحر الأحمر شمال باب المندب، وهو مضيق حيوي بالنسبة للتجارة العالمية.
في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، اختطف الحوثيون السفينة "جالاكسي ليدر"، والتي كانت تسافر من تركيا إلى الهند، أثناء إبحارها على بُعد حوالي 57 ميلاً من مدينة الحديدة اليمنية.
كانت السفينة تشغل بواسطة شركة يابانية وترفع علم الباهاما، وكان الطاقم في معظمه من الفلبين ولكن مالك "جالاكسي ليدر" هو أبراهام أونغار، أحد أغنى رجال الأعمال في إسرائيل وصديق مقرب لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وتقود اليابان حالياً جهود تحرير الطاقم.
في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر، زادت حدة التوترات في المنطقة الجنوبية من البحر الأحمر بشكل أكبر بعد أن أطلق الحوثيون صواريخ ضد ثلاث سفن تجارية في محيط المكان الذي تم فيه اختطاف "جالاكسي ليدر"، وقدمت السفينة "يو إس إس كارني" المساعدة للسفن وأسقطت ما لا يقل عن ثلاث طائرات بدون طيار قادمة من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
ادعى المتحدث العسكري للحوثيين أن الهجمات نُفذت تضامناً مع الفلسطينيين، بينما نفت إسرائيل أن تكون السفن لها أي صلة بها.
معاداة الحوثيين لإسرائيل يعود تاريخها لفترة طويلة، فخلال سلسلة من النزاعات، بدءاً من عام 2004 عندما تمرد الحوثيون ضد الحكومة المركزية للرئيس آنذاك علي عبد الله صالح، استقطبت الجماعة أتباعها تحت شعار: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، لعنة الله على اليهود، النصر للإسلام".
يعتقد حسين الحوثي، مؤسس الحركة، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لديهما خطط لاحتلال كل من مكة والمدينة، أقدس المدن الإسلامية، وكثيراً ما ذكر شقيقه عبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي للحركة، إسرائيل في سياق الحرب اليمنية على الرغم من عدم لعب تل أبيب أي دور معروف في الصراع اليمني. على سبيل المثال، أعلن عبد الملك الحوثي في عام 2021 أن حركته تعتزم السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها أعداؤها في اليمن، الذين "يريدون إخضاع المناطق للأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين".
وفي عام 2021 أيضاً، قام الحوثيون بترحيل آخِر اليهود الذين يعيشون تحت حكمهم.
يُظهر تحليل منشورات الحوثيين على وسائل التواصل الاجتماعي أن محتواهم غالباً ما يتضمن استعارات معادية لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، أفاد لوكا نيفولا، الذي أجرى بحثاً ميدانياً في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن في عام 2012، أنه تم تداول نظريات المؤامرة بأن عملاء أمريكيين وإسرائيليين كانوا مسؤولين عن العديد من الاعتداءات على الأراضي اليمنية التي تضم الحوثيين.
ومن خلال استهداف إسرائيل والسفن المملوكة لإسرائيل في سياق الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس، يشير الحوثيون إلى أن خطابهم الصلب ضد إسرائيل والشعب اليهودي ليس مجرد كلمات فارغة، وفي الوقت نفسه، تسعى هذه الهجمات إلى مواءمة الحوثيين بشكل أوثق مع ما يسمى بـ "محور المقاومة" الذي تقوده إيران ويضم حماس وحزب الله والميليشيات الموالية لإيران في العراق.
وقد تلقى الحوثيون دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً من إيران خلال العقد الماضي، لكن العلاقات الإيرانية الحوثية محدودة المدة والكثافة مقارنة بعلاقات إيران مع أعضاء المحور الآخرين، وخاصة حزب الله، إلا أن طهران تستفيد من مثل هذه التوترات لكي ترسم صورة مفادها أن حليفها الحوثي يقوم بمناوشات ضد إسرائيل رغم نفي الأخيرة لأي علاقة لها بالأهداف التي يتم استهدافها.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انخرط حزب الله وإسرائيل في مناوشات شِبه مستمرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، كما استهدفت الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسورية القوات الأمريكية المتمركزة في كِلا البلدين، مما دفع الولايات المتحدة إلى الرد بالمثل.
وبهذا المعنى، يسعى الحوثيون إلى إظهار أن حركتهم تقوم بدورها في محاربة إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهي تسعى لزيادة حصصها من الدعم الإيراني، فيما ترى الأخيرة أن في مثل هذه التحركات فائدة لها بدون أن تثير ردّ فعل عنيف من كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
وعلى صعيد آخر، أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تباطؤ آفاق العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين السعودية وإسرائيل، ولكن مع ذلك، إذا انخرط الحوثيون في مواجهة أوسع مع إسرائيل والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد المفاوضات السعودية الحوثية، إن لم يكن إنهائها. ومن شأن التصعيد الإقليمي أيضاً أن يجبر الحوثيين على تحويل الاهتمام والموارد بعيداً عن جبهة مأرب، ويبدو أن الحوثيين يستعدون لتجديد الهجوم على محيط مدينة مأرب، حيث قاموا بتجميع قوات هناك خلال الأسابيع القليلة الماضية.
ويظل تركيز الحوثيين على الداخل، وبالنظر إلى ذلك، فمن المنطقي أن نتوقع من الحوثيين معايرة هجماتهم ضد إسرائيل والمصالح الإسرائيلية. ومع ذلك، في السياق الحالي الذي يتسم بمثل هذا التوتر الشديد، مع انخراط الحوثيين في عمليات أكثر جرأة والوجود القوي للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر، لا يمكن استبعاد احتمال حدوث سوء تقدير من قِبل الأطراف كافة.
المصدر: مركز ستيمسون/ ترجمة: عبدالحميد فحام