لماذا خرج نظام المخدرات في سورية من عزلته؟
في الشهر الماضي، التقى وزراء خارجية النظام السوري ومصر والعراق والسعودية والأردن في العاصمة الأردنية عمّان لمناقشة كيفية تطبيع العلاقات مع النظام في إطار تسوية سياسية في سورية.
لقد مرّ الآن 12 عاماً منذ أن شن رئيس النظام السوري بشار الأسد حملة وحشية على الانتفاضة الشعبية في البلاد التي ثارت ضده، والتي أودت في النهاية بحياة حوالَيْ نصف مليون شخص وأدّت إلى تشريد 13 مليون شخص آخر.
حاولت موجات من اللاجئين يائسة الهروب من القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة والغازات السامة التي استخدمها نظام الأسد، وهي جرائم أدت إلى طرد النظام من جامعة الدول العربية.
بعد سنوات عديدة من التردد والترقب، قررت جامعة الدول العربية الآن إعادة المقعد إلى النظام السوري، وهو ما أعاد النظام إلى الواجهة.
ظهرت صوراً تجمع بشار الأسد "العلماني" الذي تم استقباله بحرارة في الجامعة بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي يرتدي العمامة الشيعية.
وعلى مدار الحرب السورية الدموية، أثبتت طهران أنها من أقوى حلفاء نظام الأسد، إلى جانب موسكو، في مساعدة نظام الأسد على البقاء.
وبالعودة إلى أواخر عام 2011، عندما تم توجيه اللوم إلى النظام السوري وطرده من الجامعة العربية، كان من الواضح أن العديد من الدول العربية كانت تخطط لعصر ما بعد الأسد إلا أن التدخل العسكري الروسي في سورية في عام 2015 هو الذي غيّر مسار الحرب وأجبر جيران الأسد على البدء في التفكير في مستقبل الأسد وبقائه في منصبه.
عندما بدأ الأسد تعزيز موقفه بمساعدة موسكو، تسارعت التحركات العربية لإعادة العلاقات بعد الزلزال الهائل الذي ضرب تركيا وسورية في شهر شباط/ فبراير من هذا العام والاندفاع لتقديم المساعدات.
ثم جاءت إعادة العلاقات التي توسطت فيها الصين بين السعودية بوصفها القوة الإقليمية، ومنافستها إيران، وهما الدولتان اللتان دعمتا الأطراف المتصارعة في الحرب السورية.
كانت نتيجة هذه اللعبة المعقدة متعددة الأبعاد للشطرنج السياسي التي تُلعب في الشرق الأوسط هي استقبال الأسد وزوجته أسماء في عمان والإمارات الشهر الماضي.
في حين سافر وزير الخارجية السوري إلى مصر والجزائر، والسعودية وتونس والأردن لمناقشة عودة سورية إلى الصف العربي.
لماذا هذا الاندفاع من الجامعة العربية لإعادة العلاقات مع النظام في سورية؟
ورد دليل في البيان الختامي بعد اجتماع عمان، والذي قال: إن المسؤولين ناقشوا سبل العودة الطوعية لملايين النازحين السوريين إلى ديارهم و"تنسيق الجهود لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية".
وقيل إن دمشق وافقت على "اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب على الحدود مع الأردن والعراق والعمل خلال الشهر المقبل لتحديد من ينتج وينقل المخدرات إلى هذين البلدين".
بعبارة أخرى، أدركت الجامعة العربية أن سورية أصبحت "دولة مخدرات" تنشر المخدرات القاتلة عبر الحدود المجاورة، وتريد الجامعة لذلك أن يتوقف.
يكاد يكون من المؤكد أن هذا تفكير أمني، ففي نيسان/ إبريل الماضي، اتهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، النظام السوري نفسه بأنه أصبح لاعباً مركزياً في "إنتاج عقار الأمفيتامين، الكبتاغون"، فضلاً عن عمليات تهريب المخدرات على نطاق واسع. وأشار الاتحاد الأوروبي إلى وسيم الأسد وسامر الأسد، وهما من أقارب بشار الأسد، وقد سبق أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليهما، وهما يحملان أيضاً الجنسية اللبنانية، وما يقرب من عشرة أشخاص آخرين لدورهم المشتبه به في تجارة المخدرات.
كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الفرقة الرابعة سيئة السمعة في قوات النظام، بقيادة الأخ الأصغر لرئيس النظام، ماهر الأسد، المتورط بشكل كبير في إنتاج وتجارة الكبتاغون خاصة في مناطق اللاذقية وحمص وحلب.
الكبتاغون هو أحد الأسماء التجارية العديدة لمركب دواء فينيثيلين هيدروكلوريد وهو منبه مع خصائص تسبب الإدمان، ويستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط ويطلق عليه أحياناً "كوكايين الفقراء".
كما وصفته وسائل الإعلام بـ "مخدر الجهاديين"، ويشيع استخدامه من قِبل الجماعات المسلحة والقوات النظامية في مواقع المعارك، حيث يُنظر إليه على أنه يحتوي على خصائص تعزز الاندفاع وتثبيط المخاوف.
وقد نشر مركز التحليل والبحوث العملياتية، الذي يركز على سورية، مؤخراً تقريراً يسلط الضوء على دور الكبتاغون والحشيش في البلد الذي أُصيب اقتصاده بالشلل بسبب عقد من الحرب والعقوبات الغربية والفساد المستحكم وانهيار جارته لبنان، حيث اختفت مليارات الدولارات في الثقب الأسود للنظام المصرفي في البلاد.
ويقول التقرير: "سورية دولة مخدرات بها نوعان من العقاقير التي تثير القلق: الحشيش والكبتاغون".
سورية هي المركز العالمي لإنتاج الكبتاغون، الذي أصبح الآن أكثر صناعة وتكيفاً وتقنيةً من أي وقت مضى.
حالياً تنتج سورية 80% من إجمالي إنتاج الكبتاغون في العالم، وبقيمة سوقية تصل إلى 10 مليارات دولار على الأقل في عام 2021.
لقد تحوّل العديد من رجال الأعمال السوريين القريبين من رأس نظام الأسد، جنباً إلى جنب مع أمراء الحرب في البلاد، الآن إلى تجار مخدرات. وقد أصبح تهريب الكبتاغون شريانَ حياةٍ اقتصادياً لنظام الأسد، حيث أمكنه تعويض الآثار الاقتصادية المدمرة للحرب والعقوبات الغربية.
فهل يمكن للنظام أن يتحمل التخلي عن أعماله في إنتاج الكبتاغون؟
يعتقد الكثيرون أنه لا يمكن ذلك، حيث تكون المخاطر مرتفعة جداً بالنسبة للأطراف المعنية. علاوة على ذلك، فإن العديد من المسؤولين المرتبطين بالنظام الأسدي قد لا يجدون حافزاً لوقف الإنتاج.
بعد اجتماع عمان، قام الأسد بإظهار جهوده في مواجهة تهريب المخدرات عَبْر حدود سورية، وبعد أسبوع واحد فقط، تعهد الأسد من دمشق بـ"اتخاذ الخطوات اللازمة" لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، وتم قتل مرعي الرمثان، زعيم عصابة تجارة الكبتاغون، جنباً إلى جنب مع عائلته بأكملها في جنوب سورية خلال غارة جوية يعتقد أنها نفذتها الأردن بناءً على معلومات قدمتها دمشق.
ولكن بدلاً من أن يشير ذلك إلى الاتجاه المستقبلي للنظام، قد يكون هذا فقط شكلاً للتأكيد لجيران سورية بأن هناك جهوداً تبذل للسيطرة على تجارة المخدرات المزدهرة.
وتحرص الدول العربية المجاورة التي تعاني أيضاً من تجارة الكبتاغون، مثل السعودية والأردن، بشكل خاص على رؤية صناعة تلك المخدرات المدمرة تُغلق وتتوقف عن التأثير الكارثي على جزء من سكانها.
ينفي الأسد بشكل طبيعي أية جهود منظمة من قِبل حكومته للاستفادة من الكبتاغون، ولم يكن مفاجئاً أنه لم يناقش علناً تجارة المخدرات عندما تلقى الترحيب الحار جداً في جدة قبل قبول بلاده بشكل رسمي في الجامعة العربية في 19 أيار/ مايو.
يعتقد الخبراء أن الأسد سيتخذ إجراءات للتخلص من عدد من تجار المخدرات الذين لا يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بنظامه، ولكن من غير المرجح جداً أن يؤذي بعض المؤيدين الأساسيين مثل ابن عمه وسيم الأسد. كان استغلال الأسد لتجارة الكبتاغون هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إعادة قبول نظامه في الجامعة العربية، وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنه قد ضعف جراء الحرب التي استمرت 12 عاماً، إلا أن التجارة الرابحة للكبتاغون تظهر أن الأسد ما زال قادراً على إلحاق الأذى في المنطقة.
قال الجنرال الصيني والخبير الإستراتيجي العسكري سون-تزو في عام 400 قبل الميلاد: "أبقِ أصدقاءَك قريبين، وأعداءَك أقرب".
ولهذا السبب رحَّبت جامعة الدول العربية بسورية كدولة منتِجة للمخدرات وقررت فكّ عزلتها.
المصدر: صنداي غارديان
بقلم: توم روجان
ترجمة: عبد الحميد فحام