لاجئون سوريون في هولندا.. الزلزال أضفى على جراحهم ملحاً
نداء بوست-تقارير وتحقيقات- خاص
"كلما تخيّلت أن ابنتيّ تحت الأنقاض تضيق أنفاسي وتتشوّش الرؤية في عيوني فلا أستطيع حتى رؤية الأسماء في هاتفي ولا أعلمُ بمَن أتصل لأطمئن على فلذات كبدي"، بهذه الكلمات اختزل (يامن) ما حصل معه بعدما قضّ الزلزال مضجع ابنتيه وزوجته في ولاية أنطاكيا التركية وحوّل ربيع أحلامهم إلى كابوس ثقيل.
في أعقاب الزلزال عاش (يامن) وهو طالب لجوء سوري في هولندا ينتظر حصوله على الإقامة للمّ شمل أسرته من أنطاكيا، أقسى يومين في عمره، وأُصيب بانهيار عصبي استدعى إحضار الإسعاف له مرتين إلى الكامب الذي يقطن فيه في وسط هولندا، ليأتيه أخيراً خبر من أحد أقاربه بأن زوجته وابنتيه ما زلن على قيد الحياة بعد انهيار البناء الذي يسكنّ فيه، ولكن يتوجب عليه محاولة تأمين خروجهن بشكل عاجل من المدينة لأن وضعهن ليس بأفضل حال.
تحوّل كامب اللاجئين الذي يعيش فيه (يامن) بعد ساعات من الزلزال إلى صالة أتراح، كلّ مجمع داخله يغص بأخبار الموت والترقّب، وكل لاجئ/ لاجئة تنتظر خبراً عن أهل أو أصدقاء تقطّعت كلّ سبل الاتصال بهم لتزيد كارثة الزلزال من آلامهم وحسرتهم وخشيتهم من مفارقة أحبابهم قبل اللقاء.
تحتضن ولاية هاتاي ما يزيد عن 400 ألف سورية موزعين في مختلف المدن لكن الضرر الأكبر أصاب مدينة أنطاكيا يقول تقرير لـ "نيويورك تايمز": "لا أنطاكيا بعد اليوم فالمدينة تدمرت عن بكرة أبيها ولم يُستثنَ أحد من الكارثة. في بعض الأحياء، تحطم كل مبنى أو تضرر. وحتى في أقدم جزء من المدينة، دمرت المساجد القديمة والكنائس والمعبد اليهودي كلها بالكامل تقريباً".
اضطرابات ما بعد النجاة
تمكن (يامن) في اليوم الثالث بعد الزلزال من إجلاء أسرته إلى مدينة مرسين حيث وصلت زوجته وابنتاه واحدة عمرها 6 سنوات والثانية سنة ونصف بحالة صحية ونفسية سيئة للغاية، ويحمد ربه مراراً على أنهم نجوا من الموت، ولكنه ما زال تحت تأثير الصدمة ويستيقظ في الليل على إثر كوابيس أنهن تحت الأنقاض يصرخن للخروج، ولكن ليس من مغيث، كما حصل مع آلاف الأطفال السوريين في شمال غرب وسورية ومدن اللجوء التركية التي ضربها الزلزال.
ويتمنى في لحظات لو أنه أحضرهم معه، فهو قد غادرهم وحده مرغماً خشية أن يعرضهم للخطر في قوارب الموت، لكن بعد هذا الزلزال يقول إن ما عاشوه أشدّ إيلاماً من كل أشكال الموت، فهم ما زالوا بحالة اضطراب وأحياناً ينزلون إلى الشارع مجدداً لمجرد سماعهم أيّ خبر أو شائعة عن زلزال جديد.
بعض المختصين يتحدثون عن اضطراب ما بعد الصدمة الذي يصيب الناجين من الزلزال، و"عقدة النجاة" التي تصيب أهلهم في المناطق الآمنة –التي لم تتعرّض لزلزال– وهي اضطرابات قد تكون ليست بجديدة على السوريين الذين خبروا كل أنواع الموت على يد نظام الأسد، لكن كارثة الزلزال أثقلت جراحهم وزادت عليها ملحاً.
لا ملجأ يتسع لنكبة السوريين
وتتحدث سيدتان من مدينة منبج في الكامب ذاته عن أمهما وأبيهما اللذين نجوا بأعجوبة من الموت في غازي عنتاب وما زالا إلى اليوم في الحدائق العامة والخيام التي نُصبت في المدينة ذاتها رافضين مغادرتها واللجوء إلى مكان آخر، فهما كانا في الأصل رافضين ترك سورية مهما بلغ الخطر أشدّه لكنهما رضخا تحت إصرار أبنائهما وخوفهم عليهما، أما اليوم فقد قررا عدم مغادرة الأرض التي اهتزت من تحتهم متناغمين مع فكرة الموت في مكانهما حيث لا مفر ولا ملجأ يتسع لنكبة السوريين.
في ممرات الكامب تسمع أحاديثَ محزنة عن أشخاص فقدوا عديداً من أفراد أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم. وفي الطرقات باتت جملة "الله يصبركم.. الله يصبر أهله" هي كلمة السر التي تجمع بين السوريين ولا أحد يفهمها سواهم. فيما يحاول آخرون ممن ضاقت بهم الحال تأمين أي طريقة للعودة إلى تركيا من هولندا التي سمحت بإجراء استثنائي للسوريين بزيارة أهلهم في مناطق الضرر التركية ضِمن شروط قد يصعب تحقيقها.