لا يزال النظام السوري مصدراً إقليمياً لعدم الاستقرار رغم التطبيع العربي
إن مبادرات التطبيع تجاه النظام السوري، التي تقودها بشكل أساسي السعودية والأردن والإمارات، مشروطة ظاهرياً بالسيطرة على قضية اللاجئين والتهريب عَبْر الحدود والعنف والتطرف.
لكن النظام السوري لا يظهر بوادر تُذكر على استيفاء هذه الشروط.
للمرة الأولى منذ 12 عاماً، سيحضر رئيس النظام السوري بشار الأسد اجتماع جامعة الدول العربية، عندما تجتمع الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عدد أعضائها 22 دولة في 19 أيار/ مايو، في مدينة جدة السعودية.
ويأتي حضور الأسد المخطط له بدعوة من السعودية بعد موجة مكثفة من التواصل الإقليمي مع نظام الأسد، بهدف إعادة اندماجه في المنطقة.
وقد وُصفت مبادرات التطبيع هذه، التي تقودها بشكل أساسي السعودية والأردن والإمارات، بأنها مشروطة في المقام الأول بتحقيق عودة كبيرة للاجئين إلى سورية، وكبح تهريب المخدرات المرتبط بالنظام عبر الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتأمين الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
ولكن على الرغم من موجة البيانات العامة والمقابلات الإعلامية رفيعة المستوى والبيانات الرسمية متعددة الأطراف، لا يزال لا يوجد أي دليل على توفر ظروف عملية، ناهيك عن آليات موجودة لفرض عقوبات عند عدم تطبيق تلك الشروط.
حتى الآن، كانت الإجراءات الوحيدة التي تم اتخاذها هي تقديم التنازلات لنظام الأسد.
وفي الحقيقة، فإن احتمال أن يكون النظام مستعداً لفعل ما هو ضروري لتنفيذ أي من الشروط المذكورة أعلاه هو احتمال معدوم تقريباً.
وفي غضون ذلك، تصاعد حجم تصدير الكبتاغون، وهو المؤشر الأكثر وضوحاً لعدم الاستقرار الناجم عن سيطرة النظام في سورية، وسط تطورات التطبيع. ففي الأسابيع الأربعة الماضية وحدها، تم ضبط ما يساوي مليار دولار من حبوب الكبتاغون السوري الصنع في السعودية والإمارات والعراق والأردن.
وبالنظر إلى التحول الدراماتيكي في الموقف تجاه المنطقة، من الصعب تصور دول المنطقة التي تغير مسارها - حتى على الرغم من رفض النظام المتوقع لمنح تنازلات ذات مغزى.
فلقد تم تقديم إعلان النظام في 13 أيار/ مايو عن فتح معبري الراعي وباب السلامة الحدوديين من تركيا إلى شمال غرب سورية على أنه تنازل، لكنه لم يكن من هذا القبيل.
فلم يكن لقوات النظام أي نفوذ أو حضور أو سيطرة على أي من المعبرين خلال أكثر من عقد.
وعندما سُئل ممثل الأسد لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، في أعقاب الزلزال من قِبل وسائل الإعلام الدولية، في 14 شباط/ فبراير، لماذا لم يتم فتح المعابر في وقت سابق لوصول المساعدات، انفجر ضاحكاً وصرخ: "لماذا أنت تسألني، حتى نحن لا نتحكم بهم" لذلك لا يمكن للنظام الآن أن يدعي أن هذه بادرة حسن نية.
وبدافع الإرهاق والسياسة الواقعية والإحباط من تقاعس الولايات المتحدة عن العمل، فإن هذا التطبيع الإقليمي لنظام الأسد يتجاوز 12 عاماً من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ويتستر عليها.
فلقد جمع المدعون الدوليون أدلة لإدانة الأسد بارتكاب مثل هذه الجرائم أكثر من تلك التي قدمها العالم إلى نورمبرغ لإدانة الحزب النازي.
لذلك فإن وضع مثل هذا السلوك الإجرامي الهائل على الرف ليس بالأمر البسيط بالرغم من أن المحاولات العالمية لإعادة تأكيد المعايير الراسخة الآن تبدو وكأنها جهود فارغة.
ولكن من المستبعد حالياً أن تتم ترجمة التطبيع الدبلوماسي إلى أكثر من مجرد رموز حيث تحتفظ مجموعة قوية من العقوبات الغربية بتأثير رادع كبير على التعاملات المالية مع نظام سورية، ولا يوجد أي إشارة إلى أن هذه العقوبات ستُزال في أي وقت قريب.
علاوة على ذلك، قدم الكونغرس الأمريكي تشريعاً يعرف بقانون مكافحة تطبيع الأسد، الذي سيحظر أي تطبيع مستقبلي للنظام السوري من قِبل الولايات المتحدة، ويعزز القانون القائم المعروف بقانون قانون قيصر، ويطلق تحقيقاً حكومياً في صندوق الثقة للتنمية في سورية الذي تديره أسماء الأسد لاستكشاف حالات السرقة والتلاعب بالمساعدات الدولية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على المطارات الأجنبية التي تستقبل شركة الطيران السورية شام التي تخضع للعقوبات مسبقاً والتي يزعمون أنها تقوم بإصلاح طائراتها.
بغض النظر عن الاتجاه الذي ستسلكه السياسة الداخلية الأمريكية في السنوات المقبلة، إلا أنه يبدو أن التوافق الواسع للأحزاب في الكونغرس على الحفاظ على سياسة قوية تجاه سورية أمر مضمون تقريباً.
بقلم: تشارلز ليستر / المصدر: معهد الشرق الأوسط/ ترجمة: عبدالحميد فحام