فورين بوليسي: الحرب بين إسرائيل وحماس بداية لنهاية نفوذ روسيا في الشرق الأوسط
في خريف عام 2012، استضافت السفارة الأمريكية في موسكو مناقشة مفتوحة حول دور روسيا في الشرق الأوسط.
في العرض الذي قدمته، ركزت دبلوماسية أمريكية ذات خبرة على كيف أن روسيا أصبحت قوة مستهلكة، ولن تتمكن أبداً من استعادة مكانة الاتحاد السوفييتي في المنطقة.
ومع وجود عدد قليل من الأصوات المعارضة، كانت المناقشة لافتة للنظر إلى أي مدى كانت خارجة عن القاعدة: في ذلك الوقت الذي بدأت به موسكو في الظهور من جديد كلاعب رئيسي في سورية وفي جميع أنحاء المنطقة.
واليوم، يمر نفوذ روسيا في الشرق الأوسط عند نقطة انعطاف أخرى، فبعد أن تعثرت بسبب غزوها الكارثي لأوكرانيا، برز تراجع أهميتها في المنطقة بشكل حاد بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي حين لعبت موسكو دوراً مركزياً في الدبلوماسية المتعلقة بسورية، فإن المساعي التي بذلتها روسيا في مجلس الأمن من أجل وقف إطلاق النار في غزة لم تكتسب سوى القليل من الاهتمام، ويرمز هذا التناقض إلى نهاية عودة موسكو التي دامت عقداً من الزمن إلى المنطقة.
وحتى قبل استعادة الرئاسة الروسية في أيار/ مايو 2012، كان فلاديمير بوتين عازماً على إعادة روسيا إلى دور بارز في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي كان يعتقد على الأرجح أنه ضروري لكي تصبح روسيا قوة عظمى.
وفي انتقاده لقرار الرئيس ديمتري ميدفيديف آنذاك بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يسمح باستخدام القوة في ليبيا، والذي شبهه بوتين بالحروب الصليبية في العصور الوسطى، بدا عازماً على منع الغرب من إطلاق يده مرة أخرى.
ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011 واشتدادها في عام 2012، اتخذ الكرملين موقفاً متشدداً يعارض أي تحرك للأمم المتحدة، خوفاً من تكرار الأحداث في ليبيا.
استغلال روسيا للأحداث في سورية
في خضمّ الحرب السورية، رسمت موسكو مسارها نحو أهمية متجددة في الشرق الأوسط، قام بوتين بأول خطوة كبيرة له هناك في أيلول/ سبتمبر 2013.
ومع استعداد الولايات المتحدة للتدخل العسكري بعد تجاوز النظام السوري "الخط الأحمر" الذي أعلنه باراك أوباما علناً واستخدام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية، ابتكر بوتين خطة جديدة، تسوية دبلوماسية، حيث وعدت روسيا بالمساعدة في القضاء على ترسانة الأسلحة الكيميائية التابعة للنظام.
وبعد عامين، عززت روسيا موقفها المتجدد في المنطقة من خلال التدخل العسكري في سورية، وفي أقل من عام، قلبت روسيا مجرى الحرب وأمنت حكم الدكتاتور بشار الأسد، وهو نجاح سيستثمره بوتين في نفوذه في جميع أنحاء المنطقة.
ومع قبضتها القوية على سورية، أصبحت روسيا مركزية في الدبلوماسية الإقليمية من أنقرة إلى الرياض إلى القاهرة.
ومن خلال العمل مع إيران وحزب الله في ساحة المعركة في سورية، بدأت علاقات موسكو مع طهران تتحسن، ومع اضطرارها إلى الأخذ في الاعتبار القوات العسكرية الروسية المجاورة، وخاصة وحدات الدفاع الجوي الروسية التي من المحتمل أن توقف القوات الجوية الإسرائيلية عن العمل، اشتبكت إسرائيل مع موسكو بشكل متزايد.
كما لجأ العراق ومصر إلى التعاون مع الاستخبارات الروسية، وسرعان ما بدأت القوات المدعومة من روسيا في الوصول إلى ليبيا للتدخل في تلك الحرب أيضاً.
محاولة سحب البساط من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
استخدمت موسكو دخولها الجديد إلى المنطقة لطرح نفسها كبديل للولايات المتحدة، مستفيدة من السخط تجاه واشنطن لتعزيز نفوذها.
ففي تركيا، استفادت موسكو من تصورات الدعم الغربي للانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في عام 2016، فضلاً عن الاشتباكات المستمرة حول التعاون الأمريكي مع قسد في سورية التي تعتبرها أنقرة جماعات إرهابية.
وفي مصر، استخدم بوتين مخاوف إدارة أوباما بعد الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً بقيادة الإخوان المسلمين على يد الجيش المصري في عام 2013 لتطوير علاقات دافئة مع الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي.
أما في إسرائيل، استغل بوتين العلاقة الباردة بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتعزيز العلاقات مع إسرائيل.
وفي السعودية، راهن بوتين مبكراً على ولي العهد محمد بن سلمان، حيث صافحه بشكل واضح في قمة مجموعة العشرين في عام 2018، بعد شهر واحد فقط من مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
لقد ساعد نهج موسكو القائم على المصالح والدبلوماسية الماهرة في التغلب على الانقسامات الإقليمية بنجاح، وكانت السياسة الروسية واقعية، بل وحتى ساخرة، وغير مرتبطة بأيديولوجية أو قيم مثل الديمقراطية.
وتمكنت روسيا من تحسين العلاقات مع إيران وإسرائيل والسعودية في الوقت نفسه، كما تمكنت من إشراك النظام السوري وقسد في سورية، وتجنبت ببراعة الانتقادات التي وجهتها أنقرة إلى واشنطن.
الغزو الروسي لأوكرانيا
رغم ذلك، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022 إلى تفكُّك تدريجي لنفوذ الكرملين في الشرق الأوسط.
أولاً شوه الهجوم الروسي غير المبرر مكانتها الدولية، مما جعلها بديلاً أقل جاذبية للعب ضد واشنطن؛ فالقاهرة، على سبيل المثال، التي تواجه ضغوطات من واشنطن، وافقت على وقف شحنات الأسلحة المخطط لها إلى روسيا والتي كانت ستدعم حربها في أوكرانيا.
وبحسب ما ورد تجنبت أنقرة شراء دفعة أخرى من نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 ، ومن المرجح أن تستنتج أن اللعب بورقة روسيا مع واشنطن أصبح الآن أقل مصداقية وفعالية.
كما تم عكس نفوذ موسكو في علاقاتها مع الدول الرئيسية في المنطقة، وفي حين تمكنت روسيا من فرض عقوبات مؤلمة على تركيا رداً على إسقاط الأخيرة طائرة مقاتلة روسية في عام 2015 وإجبار أردوغان في نهاية المطاف على الاعتذار، فإن روسيا تعتمد الآن على تركيا كقناة لنقل البضائع للتحايل على العقوبات الغربية.
ويتم توجيه الطائرات الروسية الآن عبر إسطنبول ودبي لتجنب قيود المجال الجوي الأوروبي، وتشتري موسكو طائرات بدون طيار مسلحة إيرانية الصنع، بل وتقوم ببناء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار مرخصة من إيران في روسيا.
وأخيراً، أضعفت موسكو وجودها العسكري والأمني في الشرق الأوسط، وبينما لا تزال روسيا تحتفظ بقاعدة بحرية وجوية رئيسية في سورية، فقد خفضت بعض قواتها ومعداتها هناك لدعم العمليات العسكرية في أوكرانيا، كما قامت لتغذية آلة الحرب المتعثرة، بتجنيد مقاتلين سوريين.
وعلى الرغم من أن روسيا تحافظ على وجودها في ليبيا من خلال ما كان يُعرف بمجموعة فاغنر، إلا أنها أفادت أيضاً بأنها أعادت نشر قوات من المجموعة للمساعدة في القتال في أوكرانيا.
كما أن قدرة روسيا على إبراز القوة في المنطقة مقيدة أيضاً بسبب حقيقة أن موسكو ستواجه ضغوطاً شديدة لتعزيز وجودها في أي أزمة أو في حالة تعرض قواتها هناك للتحدي، نظراً لالتزامات روسيا في أوكرانيا.
بداية نهاية العهد الروسي في الشرق الأوسط
من المرجح أن يكون الهجوم الذي شنته حماس ضد إسرائيل، والرد الإسرائيلي الحاد، بمثابة نقطة اللاعودة لنفوذ روسيا المتضائل في الشرق الأوسط.
وكانت العلاقات بين روسيا وإسرائيل قد توترت بالفعل بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن من المرجح أن استجابة بوتين للأزمة في غزة جعلت الأمور أسوأ.
ولإلقاء اللوم على السياسة الأمريكية، امتنعت موسكو عن إدانة هجوم حماس صراحة، ولم يمر تحفُّظ موسكو في التأثير على الجانب الإسرائيلي دون أن يلاحظه أحد، حيث ظهر سياسي من حزب نتنياهو على التلفزيون الرسمي الروسي لانتقاد رد روسيا، وفي حين أن بوتين قد أضر على الأرجح بعلاقاته الشخصية مع نتنياهو، فمن المرجح أن تتدهور العلاقات الثنائية أكثر إذا ترك الأخير منصبه نتيجة للأزمة في غزة.