فورين بوليسي": التقارُب السعودي الإيراني فشل في خفض التصعيد

فورين بوليسي": التقارُب السعودي الإيراني فشل في خفض التصعيد

عندما تم الإعلان عن اتفاقية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في العاشر من آذار/ مارس، رحّب العديد من المسؤولين والمعلقين الأمريكيين بهذا الإعلان. 

وعلى الرغم من أن الاتفاق الذي رعاه الصينيون كان ضربة واضحة لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، توقع الخبراء أن التطبيع بين الرياض وطهران سيؤدي إلى تخفيف التوترات في المنطقة.

وفقاً لمركز دراسات "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" التابع لمجلة "الإيكونوميست"، فإن "الحوار والتعاون الأكبر بين السعودية وإيران بدلاً من التعصب والدعم النشط للفصائل المتنافسة سيمنع وجود ديناميكية مهمة مزعزعة للاستقرار من مناطق الصراع في المنطقة".

على الرغم من أن المؤلفين غير المعروفين اعترفوا بأن العنف لا يزال خياراً قائماً.

واقترح آخرون أن الاتفاقية يمكن أن توفر مجموعة من الفوائد وليس فقط في مناطق الصراع، بما في ذلك وضع حدّ لتدخُّل إيران في البحرين، وزيادة الاستثمار السعودي في إيران، وربما زيادة فرص عدم انتشار الأسلحة النووية.

الحوار والتعاون الأكبر بين السعودية وإيران هو أمر إيجابي بالطبع.

ومع ذلك، على الرغم من التبادل المخطط له للسفراء ودعوة الملك السعودي للرئيس الإيراني لزيارة السعودية، لم تحدث تهدئة تذكر للتوترات، بل إن نظرة فاحصة لأحوال المنطقة، من سورية إلى حدود إسرائيل إلى مضيق هرمز، تشير إلى عكس ذلك. وبالطبع، ما زال الأمر مبكراً للحكم على ما آلت إليه الأمور.

الاتفاق الذي رعته الصين لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر فقط، ولكن حتى الآن، يبدو أن الإيرانيين يستغلون التطبيع للضغط من أجل تعزيز مصالحهم الإقليمية بدلاً من تقليل التوترات.

أهداف السعودية وإيران من التطبيع

إن أكبر وعد لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية هو تحقيق السلام في اليمن، فالسعوديون يرغبون في إنهاء تدخلهم العسكري هناك ولقد طلبوا مساعدة من طهران، التي أصبحت راعية للحوثيين المعادين للرياض.

ومع ذلك، حتى الآن، لم يكن للتطبيع تأثير كبير على الوضع الحالي على أرض الواقع في اليمن.

هناك وقف لإطلاق النار، ويمكن للسفن تفريغ المساعدات والبضائع في الموانئ التي كانت مغلقة في السابق، ومطار العاصمة اليمنية صنعاء مفتوح. هذه كلها أخبار جيدة، ولكن هذه التطورات تسبق اتفاق السعودية وإيران والصين.

هناك محادثات سلام، ولكن لا يزال من الصعب إنهاء الصراع في اليمن بسبب عناد الحوثيين، ربما سيتغير ذلك، وربما ستكون نتيجة للحوار الجديد بين حكومتَي السعودية وإيران، ولكن حتى الآن من الصعب القول إن مسار اليمن قد تحسن بشكل كبير نتيجة للاتفاق.

تأثير التطبيع في الشرق الأوسط

الوضع في أماكن أخرى في الشرق الأوسط لا يبدو أفضل مطلقاً، فبعد انقضاء ثلاثة أسابيع فقط بعد التوصل لاتفاق بين السعودية وإيران، قام وكلاء إيران بشن هجمات على قوات الولايات المتحدة في سورية، مما أدى إلى مقتل متعاقد أمريكي وإصابة عدة جنود أمريكيين.

يستهدف وكلاء إيران بشكل روتيني القوات الأمريكية البالغ عددهم حوالَيْ 900 جندي أمريكي (بالإضافة إلى عدد غير معلن من المتعاقدين الأمريكيين) في سورية.

لكن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران كان من المفترض أن يكون له تأثيرات إيجابية على التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

يمكن للمرء أن يناقش لماذا تتواجد الولايات المتحدة في سورية، ولكن إذا كانت طهران مهتمة بتخفيف التصعيد في المنطقة، فمن المرجح أن حلفاءها سيكتفون بعدم الهجوم.

بدلاً من ذلك، تظل إيران ملتزمة بدفع الولايات المتحدة للخروج من الشرق الأوسط؛ ومن الواضح، أنها ترغب في تعريض الأمريكيين لمخاطر شن الهجمات لتحقيق هذا الهدف.

بعد وقت قصير من قيام الجنود الأمريكيين بصد الهجمات بواسطة الطائرات بدون طيار في سورية، عقد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اجتماعاً مع قادة حركة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني في بيروت. ونتيجة لذلك، شهدنا هجمات صاروخية منسقة على إسرائيل من لبنان وسورية وقطاع غزة.

إيران والحرب السرية مع إسرائيل

بعد حوالَيْ شهر، في العاصمة السورية دمشق، التقى رئيس إيران حركات المقاومة الفلسطينية وعبروا عن امتنانهم لدعم طهران.

يبدو أن هدف إيران هو تصعيد الحرب السرية مع إسرائيل، فحتى الآن، تمتلك إسرائيل ميزة واضحة، حيث تستهدف بانتظام المجموعات الإيرانية والمجموعات الموالية لإيران في سورية والعراق. حتى الآن، لم تتمكن إيران من الرد بفعالية على الأرض، ولكن مع ذلك، يعتقد قاآني أنه إذا استطاع توحيد وكلاء إيران، فإنه يمكنه عكس مصير إيران.

ومع ذلك، قد لا ينجح قاآني في تحقيق ذلك، ففي معارك بداية شهر أيار/ مايو، قتل الإسرائيليون عدة قادة من حركة الجهاد فيما كانت حماس تتفرج دون حراك.

لا يوجد أي إشارة إلى أن هذه الخسارة دفعت قاآني إلى إعادة التفكير في جهوده لتصعيد الصراع مع إسرائيل.

توترات الخليج العربي مستمرة

وفي مياه الخليج العربي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في شهر أيار/ مايو، أنها تعزز "موقفها الدفاعي" في المنطقة. لماذا؟ لأن الإيرانيين كانوا يهددون المضايق البحرية مجدداً.

بعد اجتماع قاآني في بيروت، تلقت الولايات المتحدة معلومات تفيد بأن طهران كانت تخطط لشن هجمات على السفن التجارية في مياه الشرق الأوسط.

في غضون أسبوع واحد فقط في أواخر شهر نيسان/ إبريل وأوائل أيار/ مايو، احتجزت القوات الإيرانية ناقلتَيْ نفط.

ووفقاً لمسؤولين أمريكيين قامت إيران بمضايقة والهجوم أو التدخل في 15 سفينة تجارية تحمل أعلاماً دولية على مدى السنتين الماضيتين. يبدو أن طهران ترد على تنفيذ العقوبات الأمريكية، حيث تقوم بالتخطيط لاستهداف أي شحنة في الخليج. واحدة من الناقلات التي تم احتجازها كانت تبحر بين موانئ الإمارات العربية المتحدة في دبي والفجيرة، على الرغم من أن الإمارات قد قامت بتطبيع العلاقات مع إيران. لا يبدو ذلك وكأنه خُطوة نحو تهدئة الأوضاع، أليس كذلك؟

رابح واحد

إن أساس الاتفاق "الإيراني- السعودي- الصيني" ليس مرتبطاً بتطور منطقة أكثر استقراراً وسلاماً في المحيط الهادئ والشرق الأوسط، حيث يتولى الفاعلون الإقليميون الأمور بأنفسهم لبناء مستقبل أفضل.

الأمر في الواقع أكثر بساطة من ذلك وهو التسبب بانكسار السعوديين، وما تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلا مجرد غطاء لهذا الانكسار.

من نواحٍ مختلفة، يبدو أن السعوديين سائرون في منحنى تصاعُدي: من شراء منظم منافسات الغولف PGA الأمريكي؛ إلى اتباع سياسات مستقلة عن راعيهم، الولايات المتحدة؛ والاستثمار في كل مكان من بكين إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو.

لكن في الشرق الأوسط -وتحديداً اليمن ولبنان وسورية والعراق- لم يتمكن السعوديون من طرد الإيرانيين، الذين عزّزوا أو وسّعوا نفوذهم في جميع البلدان الأربعة في السنوات الأخيرة.

ربما كان أكثر مظاهر هذا الأمر دراماتيكية هو رغبة السعودية في إعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد -الذي يدين بحكمه المستمر جزئياً لإيران- إلى جامعة الدول العربية.

قد يكون السعوديون أسياد لعبة الغولف العالمية باستحواذهم على أقوى شركة منظمة للعبة، لكن الإيرانيين فازوا في المجال الذي يهم حقاً.

الآن، وبعد أن أزاحوا الرياض من المنافسة، يعمل الإيرانيون على تقويض ما تبقى من تحالف المنطقة المعادي لإيران، وهذا يتضمن الهجوم على إسرائيل والولايات المتحدة.

لفترة طويلة، استندت سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط على افتراضات خاطئة، بما في ذلك فكرة أن قادة إيران يرغبون في تطبيع العلاقات مع جيرانهم.

في الواقع، لا ترغب إيران في مشاركة نفوذها في المنطقة مع أحد ولا حتى بحكم الأمر الواقع. فهدف النظام الإيراني هو إعادة ترتيب المنطقة بطريقة تخدم طهران، ومع وعود السعوديين الآن بتعيين سفير واستثمارات، قرر الإيرانيون أنهم أصبحوا أكثر حرية لتعزيز أجندتهم. وبعبارة أخرى، لا يوجد تخفيف للتصعيد.

المصدر: فورين بوليسي

بقلم: ستيفن كوك

ترجمة: عبدالحميد فحام

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد