فوربس: ماذا يعني تقارُب السعودية مع إيران بالنسبة لتركيا وإسرائيل؟
الانفتاح المفاجئ على الصداقة من قِبل السعودية تجاه إيران مؤخراً حيّر الجميعَ، وقد تبع ذلك الكثير من الجدل حول توسُّط الصين في الصفقة وإهمال الولايات المتحدة، حيث ألقى البعض باللوم على بايدن وقارنوه بترامب الذي كانت العلاقة بين السعوديين والإسرائيليين تتحسن خلال فترة حكمه.
قلَّل البعض من أهمية المبادرة السعودية الإيرانية، وهذا ما فعله البيت الأبيض، بحجة أن السعوديين سيظلون على مسافة معقولة من إيران، وهو نوع من السلام البارد.
المشكلة هي أن الرياض اتخذت خطوات لإعادة تبني نظام الأسد المدعوم من إيران - وتحذو دول خليجية أخرى حذوها. في هذه الحالة لا يبدو التطبيع مع إيران وإعادة قبول أقرب حليف لإيران حياداً سلبياً من قِبل السعودية.
إذن ما الذي يحدث بالضبط ولماذا يعيد السعوديون تنظيم ملامح قوة المنطقة من جانب واحد مع توجُّههم تجاه إيران؟
تمثل الانتخابات المقبلة في تركيا في 14 أيار/ مايو وتأثيرها على الحسابات السعودية عاملاً مهماً في قرار الرياض الأخير، لكن العامل المحوري في المعادلة يجب أن يكون إسرائيل، ليس أقلها الشروط في ظل حكومة نتنياهو الجديدة. فبعد كل شيء، كان الخاسر الأكبر في المناورة السعودية هو إسرائيل.
لماذا يخون السعوديون حليفهم الجديد إسرائيل، بعد أن أبدوا الكثير من التعاطف العربي باحتضانهم الدولة اليهودية في المقام الأول؟ يجب أن نضع في اعتبارنا توقيت قرار السعودية بشأن إيران، وهو جاء بعد فترة وجيزة من تشكيل نتنياهو ائتلافاً مع الأحزاب الإسرائيلية المتشددة وأعلن ضم الضفة الغربية.
لقد شهد الشهر الماضي، تدهور الوضع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل عنيف. فرأى السعوديون ذلك فرصة مناسبة، فقامت المملكة بإصدار بيان رسمي تجاه إيران في نفس الوقت تقريباً في 11 آذار/ مارس حيث أوقفت تحسن العلاقات مع إسرائيل قائلة: إن التطبيع الكامل مع الدولة اليهودية سيكون معتمداً على كيفية معاملة الفلسطينيين بالإضافة إلى برنامج أو ضمان للأمن النووي الأمريكي السعودي.
الحقيقة هي أن العائلة المالكة السعودية كانت دائماً قَلِقة بشأن شرعيتها واستقرارها وسيطرتها على المملكة منذ أن سلمها البريطانيون المنطقة في عام 1927.
كانت الانقسامات الأسرية والقبلية والدينية تهدد باستمرار النظام الملكي، وفوق كل شيء، فإن دورهم كقادة للإسلام وإلى حدّ ما كعرق عربي أضاف ضغوطاً كبيرة عليهم.
لذا إبرامهم صفقة تاريخية مع إسرائيل، نشأت في عهد ترامب، كان على حساب تعريض أنفسهم لانتقادات حادة كلما تأزمت العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، كما حصل في عهد نتنياهو مؤخراً.
لقد قاموا بإدخال إيران بصفتها الحامي المعلن عن نفسها للحقوق الفلسطينية، وبالتالي الإسلامية، ضد إسرائيل.
كان هذا هو موقف إيران لعقود من الزمن عَبْر وكلائها من حماس وحزب الله وسورية - وهو موقف خامد نسبياً في السنوات الأخيرة بسبب انهيار سورية ومشاكل إيران الداخلية. ولكن مع ذلك، ظلت طهران على الدوام معادية لإسرائيل.
لذا فإن الانتفاضة الفلسطينية الصاعدة تدعم ادعاءات إيران، وتهدد دور السعودية، بصفتها الحامي الحقيقي للمسلمين. إذا أطلق محمد بن سلمان حاكم السعودية مبادرة تجاه إسرائيل، فسيُضعِفها غضب الشارع العربي.
ويمكن تخيُّل أقارب بن سلمان المتآمرين منهم والأصوليين المتطرفين والمنافسين القبليين وهم يعدّون العدّة للقيام بانقلاب عليه إذا أصبح محمد بن سلمان لا يحظى بشعبية بين المسلمين.
ما الذي أدى أيضاً إلى القرار السعودي؟ تلعب بعض التوازُنات الجيوسياسية المعقدة دورها. فعلى المدى الطويل، تنسحب الولايات المتحدة من تحالُفها مع الدول النفطية، وبالتالي من حماية الحلفاء الذين ينتجون النفط في المناطق المضطربة.
لهذا السبب تريد السعودية التزاماً نووياً يستمر لعقود من الولايات المتحدة. لكن واشنطن ليست مهتمة جداً بتقديم ضمانات أمنية أو إستراتيجية لدول الوقود الأحفوري على المدى الطويل أو حتى على المدى المتوسط.
لذا ينظر السعوديون حولهم ويرون للمفارقة أن خصومهم مثل إيران وروسيا هم من المتحمسين للنفط، كما هو حال الصين. في هذا الصدد، الأهم من ذلك، أنهم في نفس الجانب المتعلق بالمواقف.
فمن الناحية الأخلاقية والسياسية، هم أيضاً متحالفون اجتماعياً وسلطويون، في الوقت الذي تستمر الولايات المتحدة فيه بالتدخل عالمياً بطرق غير واقعية للتعامل مع الحقوق الجنسية أو الحقوق الأخرى للأقليات.
لذلك بالنسبة إلى المستبدين فإن الاصطفاف المناهض للولايات المتحدة هو الطريقة الشعبوية التي يجب اتباعها - ويمكن لمحمد بن سلمان استخدام الدعم الشعبوي. في هذه الأثناء يبدو حكومة أردوغان في تركيا منهكة بعد كارثة الزلزال.
أخيراً يبدو الرئيس التركي أردوغان في مأزق حيث يصارع للفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستكون في 14 أيار/ مايو. ورغم أنه سيجد طرقاً للاحتفاظ بالسلطة في خضمّ أزمة دستورية وصراع داخلي محتدمين، إلا أنه -ومهما كان شكل النتائج- سيكون أردوغان غير متفرغ أو أنه لن يكون قادراً على توجيه السياسة الخارجية من جانب واحد.
لذا، على سبيل المثال، إن وضعه كبطل لفلسطين سوف يتلاشى، وهو موقف أدى فعلياً إلى إزاحة دور إيران لعقد من الزمان.
كما أن دعمه مع إسرائيل لأذربيجان سوف يضعف. فقد دعمت كل من تركيا وإسرائيل أذربيجان كمنافس إقليمي لإيران من الشمال. وبدا لفترة من الزمن أن حركة المرافقة الجيواستراتيجية قد تصرف انتباه نظام الملالي عن الهيمنة على المناطق العربية في الجنوب.
لقد دخل أردوغان إلى أجزاء كبيرة من سورية ويعتمد بشدة على تدخلاته في العراق متى شاء ذلك. لكن تركيا ستكون غير مستقرة سواء حاول أردوغان البقاء أو غادر وستستأنف ديناميكية الديمقراطية في البلاد إلى جانب المساومات الداخلية وتقاسم السلطة عملها في تركيا.
لذلك لا يمكن تخمين مَن يتحكم بالسيطرة العسكرية في مثل سيناريو كهذا، خاصة في ظل ضغوطات القوى الأجنبية، وعلى ما يبدو فإن إيران مستعدة للصعود خاصة مع غياب الدور التركي.