عقابيل تكرير العصابة المارقة

عقابيل تكرير العصابة المارقة

عقابيل تكرير العصابة المارقة

 

يشهد السوريون سباقاً محموماً تقوده بعض الدول لإعادة تكرير منظومة استبدادية قتلت "شعبها"، واعتقلت مئات الآلاف منه، وأزهقت أرواحهم في معتقلاتها، واستخدمت الأسلحة المحرّمة دولياً، واستدعت الاحتلالات، وشرّدَت الملايين، وجوّعت وأذلّت مَن بقي في الداخل؛ واستمرت بعنجهيتها وادعائها النصر ببهلوانية وانفصام كامل عن الواقع. فأي غاية لتلك "الدول"، عندما تسعى لسحق حقِ شعبٍ جريمته أنه أراد أن يحيا بكرامة وحرية وإنسانية! وأي مفاعيل وعقابيل ستكون لإعادة تكرير هذه المنظومة الاستبدادية، التي تكشّف إجرامها حتى للحجر؟

أولئك الذين  يتسابقون لإعادة "النظام" يتذرعون بضرورة إنقاذ سورية وشعبها من المعاناة، وفك ارتباطها بإيران، وضرورة وجودها في الجامعة العربية كقوة ومنعة للعرب. وللأسف عكس ذلك تماماً سيكون المآل؛ وخاصة أن الأسباب التي أدت لنبذ النظام وتعليق عضويته في الجامعة لا تزال قائمة وتتفاقم. ما مِن عاقل إلا ويرى أن "فكَّ ارتباط النظام بإيران" مسألة مستحيلة، فالتوأم السيامي ينتهي، بفصله. ولو كان هذا النظام متأكداً أن هاجس المتسابقين "رفع معاناة الشعب السوري"، لمَا التفت إلى المتسابقين المحمومين، رغم توقه لالتفاتةٍ من مسؤول دولي، مهما صغر شأنه؛ أمّا بخصوص ذريعة "قوة العرب ومنعتهم"، فإجرام المنظومة وخيانتها لسورية، دمغة عار وهزيمة، يستحيل زوالها.

بسبب وجود إيران وبدفع منها، وبكل بجاحة يقدّم نظام الاستبداد نفسه كمنتصر، يستحق الاستمرار. ورغم أن سورية الآن تحت خمسة احتلالات، وعدد من ميليشيات الأمر الواقع؛ ومنظومة الاستبداد ليست إلا مجرد واحدة منها، فالتصاقه بإيران يهبه هذه المنعة التي يحلم المطبّعون بفصمها. ألا يرى هؤلاء أن التغيير الديموغرافي أضحى علنياً، حيث يحتل بيوت السوريين أفغان وباكستانيون وإيرانيون، تمّ منحهم الهُويّة السورية؟!

مع إعادة تكريره أو تدويره، وفي ظل جملة من الاحتلالات؛ سيكون نظام الأسد المشرعن للاحتلال والتقسيم، شاهداً على ضياع سيادة سورية، مبرراً لاستمرار حالة الدمار والضياع فيها. وجوده سيحول دون عودة ملايين السوريين الذين تبعثروا في أصقاع الأرض؛ ولن تتجرأ أو تقدِم جهة على إعادة الإعمار، لأن من دمّر أول مرة، سيدمّر مرة أخرى.

باستمراره ستستمر العقوبات، التي يعمل على جعل مَن تبقى حوله ضحية لها؛ كي يبقوا عبيداً له، متمسكين به. بوجوده، سيكون التقسيم أقل المآسي؛ وهو يريده، علّه يبقى متسلطاً، ولو على شبر واحد، ليشبع غريزة حيوانية في التسلّط قلَّ نظيرها. استمراره شرعنة للجريمة حتى دولياً، بحكم غياب العدالة وعدم محاسبة المُدان على الجرائم التي اقترفها بحق السوريين . بوجوده سيضيع مزيد من الأجيال دون علم أو تربية أو أخلاق.

ليبشر المتحمسون والمحمومون المتسابقون لإعادة منظومة الاستبداد إلى الجامعة العربية، تحت ذريعة أن  (العرب سيكونون أكثر قوة ومَنَعة بوجود سورية)، بأنه بوجود المنظومة  سيزداد التبعثر والضعف العربي ، والتوترات والمآسي الجديدة ستلد،  والأمراض البينية ستتفاقم، والاستباحة الخارجية ستزداد. إقليمياً لن يكون الحال أفضل؛ فالتوترات الإقليمية لا تحتاج إلى مزيد من تنابذ وتضارب المصالح اللازمة إلى اشتعال حروب، الكل فيها خاسر. وبحكم تحوُّل عالمنا إلى ما يشبه القرية، فإنه باستمرار علّة كهذه في جسد هذه القرية، فالسلام العالمي في خطر حقيقي. فلا يغيب عن الأذهان عودة ظلال الحرب الباردة التي لا يمكن عدم اعتبار التنافر الحاصل بين القوى الموجودة على الساحة السورية خارج المسببات أو السياق.

طريق الخلاص يستلزم جهود الجميع، والبداية باقتلاع هذه الآفة. ولا يكون ذلك عبر البدعة القديمة - الجديدة والفاشلة سلفاً "خطوة – بخطوة"  بل بالاستمرار بنبذ ورفض عضوية هذه العصابة الإجرامية المارقة؛ ليس فقط في "الجامعة العربية"،  بل في كل محفل دولي.

أخيراً، ورغم قَتامة المشهد، بالنسبة للسوريين، لا بد للسوري أن يعطي أهمية للحقائق التالية، ويبني عليها خطواته القادمة: - الغليان الداخلي في إيران وإسرائيل؛ - النقمة اللبنانية على الملالي وأداتهم؛ - غرق بوتين في أوكرانيا/ العالم يخنقه؛       - تعري المنظومة الإجرامية أمام حاضنتها بسبب الوضع المزري الذي أوصلها إليه انفصامها وإجرامها؛ - دمغة الكبتاغون القاتلة ومفاعيل قانون قيصر؛ فهناك مائة سبب وسبب تجعل إعادة تكريرها  مستحيلة. من جانب آخر، إنها فرصة للسعودية تأتيها على طبق من ذهب كي يلتف العرب حولها وتمضي بمشروع ٢٠٣٠، وتنهي حالة الازدراء والاستضعاف والاعتمادية ، ويكون للعرب مشروعهم ويتحولون إلى رقم عالميٍ يستحيل تجاوُزه. لا يجوز ترك الحبل على الغارب لأذرع إيران ومشروعها الخبيث، حيث ستكون السعودية على رأس قائمة الخاسرين.

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد