عام على غزو بوتين لأوكرانيا.. ما الذي كسبته روسيا وما الذي كسبه الغرب؟

عام على غزو بوتين لأوكرانيا.. ما الذي كسبته روسيا وما الذي كسبه الغرب؟

نداء بوست- التحقيقات والمتابعات- كندة الأحمد

"دونباس" لا تتحدث الروسية وهذه إبادة جماعية نداء للجنرالات الروس لاجتثاث النازية من كييف.. جنودنا قُتلوا على الحدود.

صرخات بوتين ليزيد الحرب على أوكرانيا اشتعالاً!

استمات القياصرة الروس لإعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي ولم يهدأ الخطاب الروسي سياسياً ولم تهدأ المجنزرات الروسية المتجهة نحو أوكرانيا ولم يتوانَ القادة الروس بمخططاتهم لخلق صراع مشتعل لا ينطفئ إلا بعملية عسكرية لـ "تحرير كييف" كما يصفونها.

صراع قديم ويتجدد بين البلدين بعد أن ضمّ الاتحاد الروسي شِبه جزيرة القرم في عام 2014 ورفضت أوكرانيا والعالم الاعتراف بالاستفتاء أو الضمّ وأَعلن البرلمان الأوروبي أن شِبه جزيرة القرم "أرض محتلة".

قبل الحرب بـ 4 أيام

في يوم 21 شباط/فبراير اختُلقت حادثة على حدود الجارتين تفيد بأن هناك قصفاً أوكرانياً دمر منشأة حدودية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي، وزعمت موسكو أنها قتلت 5 جنود أوكرانيين حاولوا العبور إلى الأراضي الروسية فيما نفت أوكرانيا الحادثة ووصفتها بالكاذبة.

لا تنسوا "الأوبلاست" الأوكرانية

في اليوم ذاته سارع الكرملين للاعتراف رسمياً بجمهورية "دونيتسك" الشعبية وجمهورية "لوغانسك" الشعبية المعلنتين ذاتياً كدولتين مستقلتين فيما أوصى بوتين جنوده أن يدخلوا بدباباتهم وعتادهم المناطق التي تسيطر عليها روسيا بحكم الأمر الواقع حتى "الأوبلاست" الأوكرانية.

بداية الحرب الأوكرانية

في 24 شباط/ فبراير 2022، في تمام الساعة 5:00 صباحاً توجهت الأسلحة الروسية إلى أوكرانيا وبدأت الدبابات تدخل الحدود بأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا من قِبل القوات المسلحة الروسية التي تركزت سابقاً على طول الحدود بذريعة نزع السلاح ومنع عضوية كييف في الناتو.

تَبِعَ الهجوم الروسي غارات جوية استهدفت المباني العسكرية في كافة البلاد، وكذلك دخول الدبابات عَبْر حدود الدولة الحليفة لروسيا بيلا روسيا ثَم أعلن الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا.

في شهر إبريل أعلنت السلطات الأوكرانية استعادة السيطرة على منطقة كييف، وذلك بعد انسحاب القوات الروسية منها.

وفي 21 أيار /إبريل سيطرت القوات الروسية على ماريوبول ذات الأهمية الإستراتيجية وذكرت تقارير غربية تفيد بأن موسكو تستخدم أسلحة كيماوية في ماريوبول وتمكنت موسكو في شهر مايو من السيطرة على المدينة.

وفي 3 تموز /يوليو وبعد إحكام السيطرة على سيفيرودونتسك وليسيتشانسك، أعلنت القوات الروسية السيطرة على منطقة لوغانسك، فيما تتبقى أمامها منطقة دونيتسك لإحكام قبضتها على منطقة دونباس كاملة آنذاك.

هزت سلسلة من الانفجارات قاعدة ساكي الواقعة في غرب شِبه جزيرة القرم، في 11 آب / أغسطس تَلا ذلك في 20 أغسطس هجوم بطائرة مسيرة استهدف أسطول البحر الأسود الروسي في شِبه الجزيرة.

حرب استنزاف لروسيا

وُصفت بأنها من أقوى الحروب في أوروبا الشرقية.. حرب طاحنة أظهرت حجم الخسائر التي تكبدتها روسيا في العصر الحديث، اعتقد حينها بوتين أنه قادر على فرض سيطرته على كييف بغضون أيام لكن الأحلام تتلاشى شيئاً فشيئاً لتصبح السيطرة مقتصرة فقط على إقليم "دونباس" وسط خسائر لا تُعد ولا تُحصى للروس مما جعل هناك مخاوف من التصادم الروسي مع حلف شمال الأطلسي.

نتائج الحرب صدمت بوتين

بعد أن كان الحلم هو السيطرة على كييف وتشرنيهيف. أصبح الهدف الرئيسي لبوتين هو "تحرير دونباس"، في إشارة إلى المنطقتين الصناعيتين الأوكرانيتين "لوهانسك" و"دونيتسك" وبعد انسحاب القوات الروسية من "خاركيف" في الشمال الشرقي وخيرسون في الجنوب، لم يتغير الهدف، وإن كان تحقيقه لم يحظَ بنجاح يُذكر للقوات الروسية.

كل تلك الانتكاسات في ساحة المعركة دفعت بوتين إلى محاولة الاستيلاء على أربع مقاطعات أوكرانية في سبتمبر/ أيلول الماضي، من دون أن تكون لديه السيطرة الكاملة على أي منها وهي لوهانسك ودونيتسك في الشرق، وخيرسون وزابوريجيا في الجنوب.

في تاريخ 22 تموز/ يوليو 2022 وقعت روسيا وأوكرانيا، بوساطة تركيا والأمم المتحدة، على اتفاق يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عَبْر البحر الأسود، منهية بذلك أزمة هددت الأمن الغذائي العالمي.

انفطر قلب بوتين على جسر "كيرتش"

في 10 تشرين الأول/ أكتوبر انفجرت شاحنة محملة بالمتفجرات على جسر "كيرتش" الرابط بين شِبه جزيرة القرم وروسيا، لترد بعدها روسيا بضربات صاروخية على محطات توليد الكهرباء في أوكرانيا والبنية التحتية الرئيسية الأخرى واستمر القصف بشكل منتظم بعدها، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتقنين الكهرباء في جميع أنحاء أوكرانيا.

كان "كيرتش" خسارة مدوّية للروس. تم افتتاحه من قِبل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في احتفال كبير عام 2018 وقام بقيادة شاحنة نقل انطلاقاً من ميناء “سيفاستوبول"، الذي يعد قاعدة عسكرية مهمة تاريخياً لأسطول البحر الأسود الروسي.
وفي العام الجديد أعلنت روسيا الاستيلاء على بلدة "سوليدار"، كما واصلت هجومها باتجاه مدينة "باخموت" الإستراتيجية التي بدورها تفتح الطريق أمام القوات الروسية نحو مدينتَيْ "كراماتورسك" و"سلوفيانسك"، الواقعتين في مقاطعة "دونيتسك" المجاورة لإقليم "دونباس"، الحوض الصناعي الكبير في أوكرانيا.

وتلا ذلك مباشرة مؤازرة غربية من القارة العجوز لتلبية النداء العاجل وقامت بتزويد أوكرانيا بدبابات "ليوبارد 2" القتالية، التي فتحت الطريق للولايات المتحدة لتزويد كييف بدبابات "أبرامز 1" القتالية الأمريكية.

زيارة مفاجئة إلى كييف

زار الرئيس الأمريكي جو بايدن كييف بتاريخ 20 شباط/فبراير الحالي، والتقى الرئيس الأوكراني زيلينسكي لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية أي قبل أربعة أيام من الذكرى الأولى للحرب في بلاده وبدورها تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة نداءً للسلام في أوكرانيا.

ووجّه الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيراته لبوتين قبل بَدْء الحرب من الخسائر الباهظة والفورية التي ستتكبدها روسيا في حالة إقدامها على غزو أوكرانيا.

كما ذكرت شركة (ماكسار تكنولوجيز) الأمريكية في تقرير لها صوراً التُقطت عَبْر الأقمار الصناعية تُظهر حشداً من القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وأعلن حينها الرئيس الأوكراني بأن هناك 100 ألف جندي في المنطقة الحدودية مع بلاده وحركت أعداداً مهمة من الدبابات والمعدات الثقيلة.

وذكرت تقارير استخباراتية بريطانية وأمريكية تفيد بأن هناك انتشاراً غير مسبوق للقوات الروسية على الحدود المحاذية لأوكرانيا رغم النفي المتكرر على لسان المسؤولين الروس.

وأعلنت الولايات المتحدة في وقت سابق نشر ألفَيْ جندي في بولندا وألمانيا وألف جندي إضافي في رومانيا، كما وضع حلف شمال الأطلسي قواته في حالة تأهُّب.

يقول العميد الركن "أحمد رحال" لـ “نداء بوست": لا أعتقد أن روسيا حققت أيّاً من الأهداف التي كانت تسعى لها منذ بداية الصراع؛ حيث لم تُزِل السلطة السياسية ولم تدمر الجيش الأوكراني ولم تُفلِح في إزالة ما أسمتهم النازيين الجدد ولم تفرض أجندة وأهدافاً سياسية من حيث فصلهم عن الناتو أو فصلهم عن الاتحاد الأوروبي في حين كانت خسائرها كبيرة في هذه الحرب".

وأضاف "رحال" بأن روسيا خسرت الطاقة التي كانت مصدراً للتمويل الأساسي، جعل الغرب يبحث عن بدائل ومصادر طاقة أخرى كما نعلم أيضاً أن روسيا بالتأكيد لا تعترف بالحقائق ولا بالخسائر".

كما أشار "رحال" إلى أن روسيا ما قبل أوكرانيا ليست كما بعدُ، هناك أيضاً ضرر كبير انعكس على الغرب بما فيه ارتفاع الفواتير والأسعار وأزمة الطاقة وحجم الخسائر كان كبيراً جداً حتى الخسائر السياسية أيضاً".

ونوَّه "رحال" بقوله: الحرب الأوكرانية كشفت كثيراً من العيوب والسلبيات الموجودة في المجتمع الغربي التي ظهرت اليوم، ولكنها بالمقابل جعلت روسيا تقدم خدمة جليلة للولايات المتحدة عكس ما كانت تتمناه، حيث كانت روسيا تطمح لعزل الأوروبيين عن الأمريكان لكن الحرب الدائرة في أوكرانيا أعادت زخم العلاقة بين الطرفين.

ختم "رحال" حديثه بقوله: "إجمالاً زادت الفوضى العالمية بالرغم من مطالبات روسيا غير المُحِقّة كدولة عظمى واقتصادها بالوقت الذي لا يعادل اقتصاد ولاية كاليفورنيا وميزانيتها لا تعادل واحداً على مقياس من عشرة بالنسبة لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لكنها بدأت تثبت بأن أحادية القطب لم تَعُدْ تجدي نفعاً، ويجب أن يكون هناك نوع من التوازن في النظام العالمي".

ومن جانب آخر يقول الباحث الاقتصادي "عبد الناصر جاسم" لـ"نداء بوست": لا شَكّ أن إعلان الحرب على أوكرانيا أثَّر بشكل سلبي على روسيا منها تراجُع عائدات النفط والغاز ومصادر الطاقة بنسبة ما يقارب 49% أو 50% أدى ذلك لانكماش الاقتصاد الروسي بشكل عامّ بنسبة 4% وارتفاع نسبة البطالة وهروب الكثير من الشبان إلى دول الخارج وعلى صعيد الخسائر البشرية تشير الأرقام إلى أن هناك حوالَيْ 200 ألف قتيل حتى الآن بالإضافة للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها التي طالت الكثير من القطاعات والشركات في روسيا على صعيد المعدات والآلات والمرافق العامة".

على صعيد الخسائر العسكرية علّق "الجاسم" قائلاً: إن بعض التقارير تشير إلى أنه قد دُمرت 3.500 دبابة وحوالَيْ 7.000 عربة قتال و2.500 مدفع و470 نظام إطلاق صاروخي و250 نظام دفاع جوي و300 طائرة عسكرية و200 طائرة مروحية وربما 2000 طائرة بدون طيار و850 صاروخ كروز وسفن حربية ومدرعات وغيرها من الخسائر الاقتصادية والعسكرية، والخسائر على الصعيد البشري حتماً أكبر وأعظم من ذلك بكثير".

وختم الجاسم بقوله: لا يوجد اتفاق بين الروس والغرب القيادة الروسية قيادة دكتاتورية فاسدة، وأيضاً الموقف الدولي الغربي والأوروبي والأمريكي لا يختلف كثيراً؛ فهم يديرون الأزمة لإغراق روسيا واستنزافها خلال هذه المغامرة التي ستنتهي لصالح المعتدى عليه كما أنه لا يوجد مَن يؤيد هذه العدوان إلا بعض الأنظمة الدولية الصغيرة التي تدور في فَلَك بوتين وستؤثر فيما يتعلق بالاصطفاف وتغيير قواعد اللعبة الدولية".

المقالات المنشورة في "نداء بوست" تعبّر عن آراء كتابها وليس بالضرورة عن رأي الموقع.


أحدث المواد