سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط سيكون خطأً
بعد مقتل ثلاثة من الجنود الأمريكيين يوم الأحد في هجوم بطائرة مسيرة على أحد النقاط الأمريكية في الصحراء الأردنية تُعرف باسم البرج 22، بدأت تتزايد الدعوات لسحب القوات الأمريكية من تلك القاعدة وغيرها من القواعد الإقليمية، ولكن التخلي عن هذه القواعد الصغيرة الإستراتيجية سيجعل المنطقة أقل استقراراً وسيجعل كذلك الولايات المتحدة أقل أماناً. إن وفاة هؤلاء الجنود مأساوية، ولكن يجب على الأمريكيين فهم مهمة هؤلاء الجنود هناك وكم هي ضرورية قبل المطالبة بسحب القوات.
يوم الخميس، نسب وزير الدفاع لويد أوستن الهجوم، الذي أصاب أيضاً أكثر من ثلاثة عشر جندياً بجروح، إلى "محور المقاومة"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف تجمُّع فضفاض من الميليشيات المدعومة من إيران التي تقاتل الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب بشكل عام، بعد الهجوم على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أُعيد تسمية هذه المجموعة باسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، بهدفها المعلن المتمثل باستهداف الأمريكيين المتمركزين في المنطقة.
لم يتحدث أوستن عن البرج 22، حيث يتمركز حوالي 350 من الجنود الأمريكيين، والغالبية العظمى منهم ليسوا عسكريين. تعمل هذه القوات مع القوات الأردنية، ويدعم البرج 22 قاعدة أمريكية تضم حوالي 200 جندي تُدعى التنف على الحدود القريبة مع سورية. تقوم كلتا النقطتين الأمريكيتين بتأمين الحماية لمخيم للاجئين السوريين يُدعى الركبان، حيث يعيش حوالي 8,000 مدني سوري منذ سنوات، لا تصلهم أي مساعدة. لقد تعرضت القوات الأمريكية في المنطقة لأكثر من 160 هجوماً منذ 7 أكتوبر؛ حيث استهدف أكثر من 30 من تلك الهجمات البرج 22 أو التنف، ولكن هجوم يوم الأحد هو الهجوم الأول الذي تسبب بمقتل جنود.
إذاً، لماذا لا يتم ببساطة إعادتهم جميعاً إلى بلدهم؟ في المدى المنظور، سيعطي ذلك إيران بالضبط ما تريده، وهو دفع القوات الأمريكية للخروج من المنطقة والهيمنة على شريحة ضخمة من الأراضي من طهران إلى بيروت. أما على المدى الأطول، فإن عودة هؤلاء الجنود ستؤدي إلى تخلي الولايات المتحدة عن مهمة البرج 22 والقواعد الأمريكية الأخرى هناك، وبالتالي التخلي عن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وعن حماية المدنيين.
المجموعات الثائرة السورية التي تعمل مع القوات الأمريكية لمطاردة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في هذه المنطقة لن تتمكن من العمل بدون دعم الولايات المتحدة، يوم الأربعاء تحدثت مع العقيد فريد القاسم، قائد إحدى القوات الشريكة للولايات المتحدة في سورية، فأخبرني أنه إذا غادرت القوات الأمريكية، فسيكون ذلك بمثابة كارثة.
أضاف القاسم أن التواجد -حتى وإنْ كان بسيطاً لهذه القواعد- مهم جداً، فالمهمة الرئيسية هي قطع طرق الإمداد للأسلحة والمقاتلين لتنظيم الدولة بين العراق وسورية ولبنان، وأضاف أن هذه هي الطريقة الأفضل لمنع عودة ظهور التنظيم في هذه المنطقة.
إن البرج 22 والتنف هما جزء من شبكة القواعد الصغيرة التي تعقّد أيضاً قدرة إيران على نقل الأسلحة والإمدادات إلى جماعات مثل حزب الله وحماس، كما يوجد فائدة أخرى لتواجد مثل هذه النقاط وهي أن المدنيين السوريين الذين يعيشون بالقرب من القواعد يتم حمايتهم من الميليشيات ومن نظام بشار الأسد.
قال لي القاسم أيضاً إنه من المهم تسليط الضوء على العمل الإنساني والأمني، والذي يتصف بالأهمية الشديدة، الجاري في هذه المنطقة؛ لأن هذه منطقة إستراتيجية جداً، لكن لا أحد يوليها اهتماماً.
فريق الاستجابة الطارئة السورية هي منظمة أمريكية غير حكومية تعمل مع الجيش الأمريكي والفصائل المعارضة السورية الشريكة لنقل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين السوريين، وهي تعتمد على البرج 22 كمركز عبور ولوجستي لنقل الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية إلى اللاجئين السوريين في مخيم الركبان، الذين سيموتون من الجوع لولا تلك الجهود.
لقد أخبرني معاذ مصطفى، المدير التنفيذي للمنظمة أن البرج 22 والتنف وقواعد أمريكية أخرى في سورية يتم استهدافها بسبب فعاليتها في منع إيران من تحقيق أهدافها التوسعية ولأنها تدعم السكان المحاصرين في مناطق مثل الركبان.
قال أوستن إن فريق بايدن يخطط لرد موجه ضد مَن هاجموا القوات الأمريكية، وأشار إلى أنه لا توجد خطط لسحب القوات الأمريكية من سورية أو الأردن في هذا الوقت. في الوقت نفسه ينتقد المشرعون والمعلقون الإدارة لعدم حماية القوات الأمريكية التي تعمل في الشرق الأوسط المتوتر وغير المستقر بشكل متزايد. من المؤكد أنه يجب القيام بالمزيد لضمان سلامة القوات المنتشرة ولردع الميليشيات وداعميها الإيرانيين.
الإبقاء على كميات صغيرة من القوات الأمريكية في مواقع إستراتيجية مهمة في الشرق الأوسط ليس بمثابة خوض "حرب لا تنتهي"، بل هو ضمانة لمنع الوصول إلى نتائج أسوأ، فالأمريكيون مستعدون لدفع ثمن هذه الضمانة، طالما أنها لا تتسبب بوفيات بين القوات الأمريكية.
تميل الولايات المتحدة إلى محاولة التخلي عن مسؤولياتها الأمنية في الشرق الأوسط، لكنها ستعود لاحقاً لكي تعوض خسائرها الكبيرة الناتجة عن هذا التخلّي، ولكن فقط عندما تتدهور الأوضاع، فآخِر مرة قامت فيها القوات العسكرية الأمريكية بالانسحاب من الشرق الأوسط، ملأ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الفراغ الأمني، واضطرت الولايات المتحدة (وعشرات الدول الأخرى) إلى إرسال آلاف الجنود مرة أخرى لطردهم. في الحقيقة هذه الحلقة المفرغة وصفة لحرب حقيقية لا تنتهي.
الجنود الأمريكيون الذين لقوا حتفهم في البرج 22 كانوا في مهمة نبيلة وضرورية — هي حماية الأمن الإقليمي والأمريكي — عندما تعرضوا للهجوم. الآن تقع على عاتقنا مسؤولية التأكد من أن تضحيتهم لم تذهب سُدًى، وأن مهمتهم فائقة الأهمية لن يتم التخلي عنها.
المصدر: واشنطن بوست
بقلم: جوش روجين
ترجمة: عبدالحميد فحام