رويترز": شروط العرب ومطالب الأسد تُعقّد مسار التطبيع
بعد أن قامت الدول العربية بإخراج الأسد من عزلته، تريده تلك الدول نفسها أن يكبح تجارة المخدرات المزدهرة في سورية مقابل منحه علاقات أوثق.
لكن مع ظهور مطالب دمشق الخاصة، يبدو ليس من السهل إحراز تقدُّم في هذا المسار.
قامت الدول العربية بطيّ صفحة الماضي التي تنطوي على سنوات من المواجهة مع الأسد يوم الأحد من خلال السماح لنظامه بالعودة إلى جامعة الدول العربية، وهي علامة بارزة في إعادة تأهيله الإقليمي حتى مع استمرار الغرب في نبذه بعد سنوات من الحرب.
ويسعى القادة العرب إلى الحصول على ثمن لإعادة العلاقات، لا سيما وقف إنتاج وتهريب الكبتاغون الأمفيتاميني، الذي يقول الغرب والدول العربية: إنه يتم تصديره إلى جميع أنحاء الإقليم من سورية.
إلى جانب عودة ملايين اللاجئين الذين فروا من سورية، أصبحت تجارة الكبتاغون مصدر قلق كبير للزعماء العرب، على قدم المساواة مع قلقهم بشأن التواجد العسكري الذي أسسته إيران في تلك الدولة العربية (سورية).
وبينما نفى النظام أي دور في هذه التجارة، التي واجه المسؤولون وأقارب الأسد بسببها عقوبات غربية، سعى للحصول على نفوذ من هذه القضية.
فقد أبلغ وزير خارجية النظام فيصل المقداد نظراءه العرب في اجتماع عُقد في الأول من أيار/ مايو أن التقدم في كبح الكبتاغون يعتمد على الضغط العربي على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع.
كما ربط عودة اللاجئين بأموال إعادة إعمار سورية، التي فرّ منها أكثر من 5 ملايين شخص إلى الدول المجاورة خلال الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص.
وتحدثت المصادر شريطة عدم الكشف عن هُوِيَّتها ووصف أحدهم الاجتماع في الأردن بأنه "متوتر للغاية"، قائلاً: إن الوزراء العرب منزعجون من لهجة المقداد.
ضربات جوية
وأصدر الاجتماع الذي حضره وزراء من مصر والعراق والسعودية والأردن بياناً وافق فيه النظام السوري على المساعدة في إنهاء تهريب المخدرات والعمل خلال الشهر المقبل لتحديد مَن يقوم بإنتاج ونقل المخدرات.
وقالت مصادر محلية ومخابراتية: إن الأردن -في إشارة إلى القلق العربي العميق بشأن هذه المسألة- نفذ ضربات جوية في سورية يوم الاثنين الماضي، ما أسفر عن مقتل مهرب مخدرات سوري، وضرب مصنع مرتبط بجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
ونفى حزب الله، الذي نشر مقاتلين في سورية لدعم جهود الأسد الحربية، أي دور له في تجارة المخدرات.
وبمساعدة إيران وروسيا، تمكن الأسد من التفوق على معارضيه، الذين حصل بعضهم على دعم من الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة التي أعادت العلاقات الآن، ومن بين هؤلاء السعودية، التي تعمل أيضاً على إصلاح العلاقات مع إيران حليفة الأسد.
ولقد دمرت الحرب الاقتصاد السوري الذي كان يوصف سابقاً بأنه اقتصاد ذو إنتاجية جيدة، ودمرت البِنْية التحتية والمدن والمصانع في البلاد.
ولطالما كان الكبتاغون جزءاً مربحاً من اقتصاد الحرب في سورية، وتقدر قيمته بمليارات الدولارات سنوياً.
وقال مسؤول أردني كبير: إن الأردن أبلغ النظام السوري بأنه يعتبر المخدرات تهديداً لأمنه القومي.
وقال المسؤول: "الضغط على الحدود هائل وهذه ليست عصابات. ومن الواضح أنها مدعومة من قِبل الميليشيات المدعومة من إيران والمتحصنة داخل الدولة".
دفع تعويض
اقترحت السعودية -وهي سوق كبيرة للكبتاغون- تعويضَ النظام السوري عن خسارة التجارة في حال توقفها، بحسب مصدر إقليمي مقرب من دمشق ومصدر سوري مقرب من الخليج على علم بالاتصالات بين الطرفين.
وقال المصدر الإقليمي: إن السعودية عرضت أربعة مليارات دولار -بناءً على تقديرات الرياض بقيمة التجارة- وأن الاقتراح قُدم خلال زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق.
وقال المصدر: إن الأموال ستُعرف على أنها مساعدات زراعية. وأكد المصدر السوري أن الرياض اقترحت دفع مبلغ كمساعدات إنسانية، لكنه لم يذكر المبلغ.
وقال دبلوماسي خليجي عربي في المنطقة: "يجب أن يتوقفوا عن تصدير المخدرات، وهم يعلمون أن الخليج مستعدّ للاستثمار عندما تكون هناك مؤشرات على حدوث ذلك بالفعل".
وقال مصدران غربيان مطلعان على اتصالات عربية مع النظام السوري: إن التعويض سيكون ضرورياً لإبعاد الوحدات المسلحة المرتبطة بـ"الدولة" عن تجارة الكبتاغون.
وقد فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على النظام السوري في الأسابيع الأخيرة الماضية بسبب الكبتاغون.
ويتهمون على وجه التحديد ماهر الأسد -شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة في الجيش- بتسهيل إنتاج الكبتاغون والاتجار به.
وقالت الولايات المتحدة: إنها لن تقوم بتطبيع العلاقات مع الأسد وستظل عقوباتها سارية المفعول.
وخلال حديثها للصحافيين الشهر الماضي، أشارت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية باربرا ليف إلى تحرُّكات شركاء واشنطن الإقليميين لكسر عزلة الأسد وحثتهم على الحصول على شيء في المقابل.
وقالت: "أودّ أن أضع إنهاء تجارة الكبتاغون في مقدمة الأولويات جنباً إلى جنب مع القضايا الأخرى".
وقال مهند حاج علي من مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط: إن حاجة الأسد الماسّة للمساعدات الخارجية ستشكل التعاون في قضيتَي اللاجئين والكبتاغون.
لكنه حذَّر من أن "قدرة النظام على الإنجاز محدودة مثل سيادته التي يتم تقاسُمها الآن بين عدد من الجهات الفاعلة" - بما في ذلك روسيا وإيران والجماعات شِبه العسكرية المحلية.
المصدر: رويترز/ ترجمة: عبد الحميد فحام